نتحدث فى هذه الخاطرة بإذن الله عن جوانب الخير التى يمنحنا إياها الله سبحانه وتعالى من حدث الانقلاب لنرى حكم الله فيها لتصحيح المسار وتزكية النفوس وإعدادها للمرحلة المقبلة، ولا يعنى هذا أن الانقلاب كله خير، ولكن ذلك فقط للمؤمن كما عبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر أنه "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابه خير شكر فكان خيرا له، وإن أصابه شر صبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن": 1- لنحدد أولا ماذا كان يتمنى المصريون جميعا من ثورة 25 يناير ألم يطالبوا بالحرية والكرامة والحياة الكريمة وهذا لا يتحقق إلا إذا تخلصت مصر من التبعية وتحققت لها مظاهر الاستقلال فى إرادتها كما عبر عن ذلك رئيسها المنتخب أن تمتلك غذاءها ودواءها وسلاحها، وهذا يحتاج أن يتأهل معظم أفراد الأمة (مسلميها ومسيحييها) وفق قيم ومثل وأخلاق ودين الأمة لأنها فى تاريخها كله لم تستطع أن تحقق رخاءها إلا بهذا التأهل والسؤال: هل كنا مؤهلين بهذه القيم؟ وهل تجردنا جميعا من الأهواء والرغبات الضيقة وحملنا هم الأمة؟ وهل تيقنا بأن نجاح الثورة لم يختص به أحد وإنما كان منة من الله سبحانه وتعالى؟ وهل تذكرنا أن من أسباب النصر أن كل منا قد وضع يده بيد الآخر، ولم يعد يهمه إلا أن يتحقق النصر والتغيير الذى يريده؟ وهل تذكرنا ما كنا نرفع من شعارات كلها تؤكد أننا شعب واحد ويد واحدة أم كنا فرقا وشيعا؟.. إلى آخر هذا من الأسئلة الكثيرة والتى تؤكد كلها أننا جميعا إلا من رحم ربى نسينا كثيرا من هذه المعانى وأصبح هم الكثيرين منا لماذا هو وليس أنا؟ ولذلك كان لابد من الاختبار والتمحيص والتمييز والتزكية والإعداد وتنقية الصفوف وتعرية كل منافق أو متخاذل أو صاحب هوى، وهذا لا يمكن أن يتم إلا باختبار صعب يزلزل الناس فيه فيثبت من أراد الله له الثبات ومن أراد الله له غير ذلك ألم تنظر إلى قول الله عز وجل "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله"، وقوله: "ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب" وقوله: "إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا"، وقوله: "لقد نصركم الله فى مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم من الله شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت" والآيات فى هذا المجال كثيرة، وكان هذا الانقلاب وما تبعه من آثار بمنزلة الزلزال على قلوب الكثيرين ونسأل الله أن تكون نهايته قريبة. 2- حاول البعض أن يشكك فى مشاركة جماعة الإخوان المسلمين فى ثورة يناير، واعتمد هؤلاء على ضعف الذاكرة رغم أنهم جميعا اعترفوا علانية بموقف الإخوان فى موقعة الجمل وقبلها وبعدها، ولأن الإخوان متجردون لله فلم يردوا على هذه الشبهة فأراد الله أن يعلى ذكرهم فإذا بكل أبواق الانقلاب تصف كل مناهضى الانقلاب بأنهم إخوان، وكأن الله يريد أن يقيم الحجة على هؤلاء بأن الإخوان مشاركون بدور أساسى فى هذه الثورة شأنهم شأن الكثيرين من المخلصين من أبناء هذه الأمة، كما شاركوا فى يناير 2011 وهم الحريصون على أن تؤتى ثمارها مهما تكلف ذلك، بل نرى من حكم الله سبحانه وتعالى أن الاتهامات التى تكال للمخلصين يردها بتدبيره هو، فانظر حين اتهمت القيادات بأنها تقدم الأفراد دون نفسها فيرد الله باختيار أبناء بعض هذه القيادات أو يختارها نفسها لابتلائه فى دحض هذه التهم عنهم، وحين يتهم أفراد الإخوان بأنهم "خرفان" أو أن المرشد العام يسوقهم يرد الله عز وجل بأن تعتقل القيادات لرفع درجاتها ويتحرك الأفراد على نحو ربما أفضل مما لو كانت قياداتهم خارج السجون ليقدموا الدليل على أن كل واحد منهم بأمة وأنه يتحرك لمبدأ واضح له تمام الوضوح ويقدم آحاد الإخوان الدليل تلو الدليل على ثباتهم وحبهم لوطنهم واستعدادهم للتضحية فى سبيله ودفاعا عن دينهم ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل تثبت نساؤهم وأبناؤهم أنهم قد تربوا فى مدرسة النبوة التى جعلت كلا منهم نموذجا رأينا بعضهم يعيد لنا نماذج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يلصق الله التهمة بمن اتهمهم بأن هم الذين يسألون كالخرفان. 3- الفساد الموجود فى معظم إن لم يكن فى كل مؤسسات الدولة والتى وصفها أحد رموز نظام مبارك بأن الفساد فيها للركب هل كان الشعب يتخيل هذا الحجم من الفساد بل الاجرام الذى وصل لحد أن يقوم بعض قادة الجيش المصرى والشرطة بالقتل والحرق والاعتقال وكذلك ببعض رجال القضاء الذين تجردوا من ضمائرهم بالإجراءات التى يتخذونها بلا سند من القانون أو رجال الإعلام الذين يكذبون ليل نهار وهم يعلمون أنهم كاذبون أو بعض النخبة الذين يحرضون على الكراهية ويقلبون الحقائق ويزيفون الواقع أو الغارقين فى ملذاتهم وشهواتهم ويريدون تحويل المجتمع مثلهم أو الذين ينهبون ثروات الأمة ولا يشبعون؟.. إلخ. هل كان بإمكان مرسى وحده أن يتصدى لإصلاح هذا كله دون أن يرى الشعب بنفسه هذا الكم من الفساد بل يعانى منه حتى يقف بكل قوة مع مرسى لتصحيحه. 4- لقد اختلف كثيرون مع الدكتور مرسى فى طريقة إدارته لشئون الدولة وحاول بعضهم أن يملى رؤيته فى الإدارة وحاول الرجل مخلصا بذل ما فى وسعه وتحمل الأذى بصمت والذى وصل فى بعض الأحيان إلى النيل من عرضه وأسرته واتهمته المعارضة باتهامات كثيرة وكان لابد من تصحيح الصورة فلما احتسب هو ذلك عند الله تولى عز وجل الدفاع عنه وهذا من ثمرات الانقلاب فبراه الله من كل تهمة ويلصق الله هذه التهم بمن اتهمه بها حتى إن معلومة عدم تقاضيه مرتبا لم يعرفها أحد حتى ولا مكتب الإرشاد والمرشد العام الذين زعموا أنهم هم الذين يوجهونه ولا يظهر الحقيقة إلا عبر سلطة الانقلاب حين أرادت أن تقدم دليلا اتهاما ضده لتكون التبرئة أقوى وأخزى لمن اتهمه كذبا. 5- وهل كان بالإمكان أن يزيد رصيد هؤلاء المجرمين والفاسدين من الذنوب والخطايا إلا بهذا التآمر على الشرعية ثم بهذا الإجرام فى ردود فعل الانقلابيين ضد رافضى الانقلاب فالناس نوعان نوع يعلم الله ما فى قلبه من خير ويريد الله عز وجل أن يرفع منزلته ولكن عمله لا يوصله هذه المنزلة فيعرضه الله للابتلاء فيصبح عليه فترتفع منزلته وأعلى الابتلاء هو الشهادة فى سبيل الله عز وجل ولذلك قال الله فى هذا الصنف " وليتخذ منكم شهداء" وقال " احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم وليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " أما الصنف الآخر فهؤلاء يعلم الله ما فى قلوبهم من سوء فيترك الشيطان ليزين لهم فيدفعهم لفعل الشر والوقوف مع الباطل بل يعمى ابصلرهم فيروا حسن ما يعملون وقد يصل الامر انهم يروا ثمرة عاجلة لما يقومون به من شر حتى يستحقون عقاب الله عز وجل وفيهم قال الله " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وانى جار لكم " وقال " ولا يحزنك الذين يسارعون فى الكفر أنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله إلا يجعل لهم حظا فى الآخرة ولهم عذاب عظيم" وقال " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " وقال " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا" وعبر عن هذه المعانى رسول الله صلى الله عليه وسلم بان الله يملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته. 6- حاولت وسائل الإعلام الكاذب منها ومعهم بعض النخبة الفاسدة أن يشوهوا صورة الإخوان وأن يلصقوا بها كافة الاتهامات نظرا لما حققته الجماعة من نتائج فى كافة الانتخابات التى تمت بعد الثورة والتى أكدت التفاف قطاع كبير من الشعب معها فأغاظهم ذلك فحاولوا تفتيت هذه الشعبية بل طالت الحملة الرئيس باعتباره أحد أبناء هذه الجماعة، وكادت هذه الحملات تؤتى ثمارها ويظهر هؤلاء بصورة الناصح الأمين، والقرآن يصور لنا هذه النماذج: "وقال فرعون إنى أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر فى الأرض الفساد"، وقال: "وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيى نساءهم وإنا فوقهم قاهرون" وكانت النتيجة أن دبروا لهذا الانقلاب ظنا منهم أن هذا سيساعدهم فى زيادة قدرتهم على تزييف الحقيقة فكان من أمر الله عز وجل أن بدل هذا بتعريتهم وفضحهم وبيان كذبهم، بل فى توضيح الرؤية لقطاع من الناس فبدلا من أن تتراجع شعبية الرئيس أو الإخوان زادت شعبيتهم وزادت ثقة الناس بهم، بل انظر ماذا أرادوا بمحاكمة الرئيس فإذا بالله يحيلها إلى محاكمة للانقلاب ورفع مكانة الرئيس إلى زعيم للأمة. 7- هل كان من الممكن دون هذا الانقلاب أن يتبين للناس هذا التمايز سواء للأفراد أو الجماعات والأحزاب أو للمؤسسات والذى أظهر معادن وسريرة كل صنف من هؤلاء ففضح الله المنافقين والخونة سواء من بعض قيادات الجيش والشرطة أو بعض المتاجرين بالشعارات أو علماء الضلال وكذلك فضح كل من كان يصرخ بأعلى صوته مدافعا عن الحرية والكرامة ومدعيا الثورة فإذا بالانقلاب ورد فعله يبينان كذبه وأظهر الانقلاب تلك النماذج المريضة من البشر التى لا تعرف خلقا ولا تلتزم بدين ولا مبادئ فقتلت وأحرقت واقتحمت حرمات البيوت واعتدت على الحرائر من النساء، وأظهر أيضاً الانقلاب على الجانب الآخر تلك المعادن النفيسة لمن وقف مدافعا عن الحق حتى ولو كان على حساب حريته أو ماله أو أهله أو حتى حياته، وأظهر الانقلاب المعدن الحقيقى لشعب مصر والذى أبهر العالم بأدائه والذى سيقدم دروسا لتعليم الدنيا بأسرها وإعطائها النماذج ليس من الرجال فقط وإنما من الرجال والنساء والأطفال والذين أعادوا لنا ذكريات وأمجاد أبطالنا على مدار التاريخ فرأينا فى عصرنا من يقتدى بحمزة والخنساء وأسامة وغيرهم ليقدم النموذج والقدوة للعالم أجمع. ولذلك كانت الفائدة الكبرى من الانقلاب هو تمايز الصفوف فيظهر فيها المجرم الذى لا يرقب فى مؤمن إلا ولا ذمة ويظهر فيها خائن العهد ويظهر فيها العميل ويظهر فيها علماء الضلال ويظهر فيها صاحب المصلحة.. إلخ، ويظهر فيها أيضاً صاحب المعدن النفيس والثابت على مبادئه والمدافع عن الحق ويختار الله أنفس هؤلاء شهداء ليرفع درجاتهم عنده، وانظر قول الله عز وجل: "إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين". 8- أظهر أيضاً الانقلاب مدى الجهد المطلوب ليس من رئيس الجمهورية فقط وإنما من كل الشعب المصرى وضرورة أن يظل الحراك الثورى الشعبى داعما له حتى يستطيع أن يطهر مؤسسات الدولة من الفاسدين بل أراد الله عز وجل أن يهيئ الأمة لكى تتبوأ مكانتها فى ريادة الأمة العربية والإسلامية ولتستعيد مجدها. ________________ أمين عام جماعة الإخوان المسلمين