شاهد، أعمال تركيب القضبان والفلنكات بمشروع الخط الأول من شبكة القطار الكهربائي السريع    الصين تُبقي أسعار الفائدة دون تغيير للشهر السادس رغم مؤشرات التباطؤ    ترامب يوقع قانونًا لنشر ملفات جيفري إبستين.. ويعلن لقاءً مع رئيس بلدية نيويورك المنتخب    حجبت الرؤية بشكل تام، تحذير عاجل من محافظة الجيزة للمواطنين بشأن الشبورة الكثيفة    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمعة أمين عبد العزيز يكتب: الابتلاء قرين الإيمان لا يفترقان (1 - 3)

إن الله سبحانه وتعالى حين خلق السموات والأرض وحين خلق الإنسان من طين، ثم نفخ فيه من روحه وجعله خليفته فى هذا الوجود، إنه ما خلق هذا الوجود كله إلا لأمر خطير، أمر لا هزل فيه ولا لعب "ومَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إلا بِالْحَقِّ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (الدخان: 38، 39)، "ومَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ ولَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" (الأنبياء: 16 - 18).
فإذا كان هذا شأن السماوات والأرض، فإن الإنسان فى خلقه لا يقلّ شأنًا، وما خلقه خالقه إلا ليعبده، فما خلق عبثًا، ولن يُترك سدى "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ" (المؤمنون: 115، 116).
فإذا سألت نفسك: لِمَ خلق الله الحياة كلها؟ بل لِمَ خلق الموت؟ فإننا بتصورنا السليم لعقيدتنا نجد القرآن قد حدَّد لنا الإجابة السليمة التى تجلى كل غموض، وتجيب عن كل تساؤلات "تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ المُلْكُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِى خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ" (الملك: 1، 2)، "هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا" (الإنسان: 1، 2). "إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" (الكهف: 7).
فالله جلَّت قدرته وعزَّت عظمته قد خلق الناس ليبتليهم، والابتلاء هو الامتحان، والاختبار والبلاء هو الأمر العظيم ينزله الله تعالى بالإنسان فينظر أيشكر أم يكفر؟ والفتنة هى أيضًا الاختبار والامتحان يقال: فتنت الذهب أى: وضعته على النار؛ لأعرف صحيحه من مغشوشه "ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ *ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ" (العنكبوت: 1 - 3).
فالله سبحانه وتعالى يفتن الناس ليتبين لهم مدى صدقهم، ويتميز بينهم الصادق من الكاذب، والخبيث من الطيب، فضلا عن تمحيصهم واتخاذ الشهداء منهم، ومادة الابتلاء فى هذه الحياة الدنيا هى كل ما يحيط الإنسان من أوضار الطبيعة وصورها، وكل ما يتصل بحياته من خير أو شر "ونَبْلُوكُم بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً".
وعلى هذا فإن الإنسان هو المخلوق العاقل المكلَّف المبتلى، حتى إذا جاء يوم الفصل وعرف النتيجة إما جنة وإما نار تذكَّر قول الله تعالى "ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا".
فما هى صور الابتلاء؟ الابتلاء له صور عديدة منها ما هو فردى ومنها ما هو جماعى.
أولاً: البلاء الفردى:
فأما البلاء الفردى فهو بلاء عام كما قال المولى: "ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ" (البقرة: 155، 156)، فهو كما ترى بلاء يصيب القلوب بشىء من الخوف، والبطون بشىء من الجوع، وكذلك الأموال بالنقص، والأنفس بالموت، والثمرات بالآفات، ورحمة الله تتجلى فى هذا البلاء فهو بلاء (بشىء) وليس بكل، وهذا التنكير للتقليل والتحقير، فالعليم الخبير، الذى يعلم من خلق، يعلم أن البلاء بالخوف كله أو الجوع كله لا يتحمله الإنسان، فجعل البلاء بشىء منهما وليس بهما، تخفيفًا عن الخلق ورحمة من الخالق وتقديرًا لضعف المخلوق.
إن الإيمان ليس كلمة تقال باللسان وإلا لكان ألحن الناس بالحجة أكثرهم إيمانًا!! ولكان الذين يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم أظهرهم له!! ولكان أصحاب اللسان الفصيح والكلام المليح فى مقدمة الصفوف، ولكان الناس يختلفون فى درجة إيمانهم بقدر أقوالهم، ولكن الأمر على غير هذا المقياس، فمن الناس من يؤمن إيمانًا صادقًا ويكون عمله خالصًا ولا يتكلم بلسانه فهو من الأتقياء الأخفياء: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" (البقرة: 8 - 10)، "ومِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإذَا أُوذِى فِى اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ" (العنكبوت: 10)، "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ" (الحج: 11).
فكان لا بد إذن من البلاء الذى يكشف فى عالم الواقع ما هو مكشوف فى علم الله المغيب عن البشر؛ ليظهر الصبح لذى عينين، ويتميز المؤمن من الكافر، والصادق من الكاذب، والمخلص من المرائى؛ وذلك بابتلائهم بالمحنة ليختبر صبرهم، وبالمنحة ليختبر شكرهم، ولما كان الإيمان نصفه شكر ونصفه صبر فإن كمال الإيمان يكون بالصبر والشكر معًا.
بلاء لا يفرق:
والبلاء العام -الذى ذكرنا- يصيب المؤمن والكافر على حد سواء، كما يصيب البار والفاجر؛ لأنه سنَّة ماضية إلى يوم القيامة لا تتبدل ولا تتغير ولا تفرق بين مسلم وكافر وبار وفاجر {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 26).
والأيام دول بين الناس، ليست بين المؤمنين فقط، فيوم لنا ويوم علينا، ويوم نُسَاء ويوم نُسَرّ {وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وليس بين المؤمنين –كما ترى- وخير شاهد على ما نقول تقلُّب الأيام نفسها، ألم ترَ مريضًا هَدَّه المرض؟ أو إنسانًا فقد الأحبة؟ أو تاجرًا خسر ماله؟ أو أى شىء من مصائب الحياة الدنيا وزينتها؟ فالأيام كرّ وفرّ، وإقبال وإحجام ومرض وعافية، وفقر وغنى، وعز وذل، لا ينكر ذلك منكر فالكل فى اختبار وابتلاء، والجدير بالذكر أن الكافر أمام البلاء صبر أم لم يصبر، شكر أم لم يشكر، رضى أم لم يرضَ، سواء بسواء، فأعمال الكافرين {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} (النور: 39)، {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ} (إبراهيم: 18)؛ لأنه الله سبحانه وتعالى {لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} فمهما قدَّم الكافر من عمل فمردود عليه، ومهما صبر فلا يُجزى عليه؛ لأن عمله كالشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فهل هناك ثمرة لشجرة لا جذر لها يضرب فى أعماق الأرض؟ كذلك عمل الكافر مبتوت الصلة بالله فلا جزاء عليه إلا النار وبئس المصير، وقاعدة قبول الأعمال معروفة، صالح صواب مع إخلاص فيه {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110).
والله سبحانه وتعالى يبتليه عَلَّ صدره ينشرح فلا يعرض عن آيات الله، وإسلام عمر رضوان الله عليه خير شاهد، وسحرة فرعون خير دليل أو موقف من المواقف التى يعيدها إلى رشدها ويصلها بأصلها فتستقيم وتقوى، وإسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه خير دليل، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كما يقلب الليل والنهار، ومن لم يَعُد ويئوب إلى ربه فإنه سبحانه يمدُّ له من العذاب مدًّا، فيعطيه ويزيده حتى إذا أخذه لم يفلته {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون: 55 و56).
إنه استدراج لمن قسا فؤاده، وأصبح الرَّان على قلبه، أولئك الذين لم يُرِد الله أن يطهِّر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم.
أما المؤمن بربه فإنه يصبر على الضراء، ويشكر فى السراء، وأمره كله خير، أرأيت إبراهيم الخليل عليه السلام الأمة يقول فيه القرآن: {وإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} نعم أتمَّهن ووفَّى، فصبر فى الضراء، وشكر فى السَّراء فكان أمَّة.
إن الله سبحانه وتعالى يبتلى عباده الصالحين وفى مقدمتهم رسل الله الكرام وأنبياؤه الأطهار، فيبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان فى دينه صلابة زِيد له فى البلاء حتى يصبّ عليه البلاء صبًّا لحبه سماع أصواتهم متضرعين، كأيوب عليه السلام حين ناداه متضرعًا {أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأنبياء: 83)، ويونس عليه السلام حين نادى فى الظلمات {أَن لَّا إلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء: 87)، ويعقوب عليه السلام عند ما فقد ولديه فقال: {إنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وحُزْنِى إلَى اللَّهِ} (يوسف: 86)، وموسى عليه السلام حين نزل مَدْين فقال: {رَبِّ إنِّى لِمَا أَنزَلْتَ إلَى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (القصص: 24)، ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين اشتد إيذاء المشركين له قال: "إليك أشكو ضعف قوتى، وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين"، والمؤمنون حين قال لهم الناس: {إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ} (آل عمران: 173).
وكل عبد من عباد الله الصالحين يدعوه متذللًا متضرعًا خاشعًا؛ لأن الدعاء مخ العبادة وبه يحقق العبد عبوديته لله رب العالمين؛ لاعترافه بضعفه وسؤاله للقوى المتين فيستشعر الذل، وكمال الحب لله تعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يحب عبده الذى لا يُلِحّ فى دعائه، ويذمّ من لم يتضرع إليه، ويستكن له وقت الشدة مصداقًا لقوله سبحانه: {ولَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ومَا يَتَضَرَّعُونَ} (المؤمنون: 76).
- سنة الله التى لا تتبدل:

لقد جرت سنَّة الله تبارك وتعالى فى أصحاب الدعوات والمؤمنين بها والعاملين لها أن يبتليهم بمعانى البذل من أنفسهم وجهودهم وأقوالهم وأوقاتهم وعصارة أرزاقهم وقوة أولادهم وحبَّات قلوبهم، وبمعانى التهجُّم والإيذاء والكيد والافتراء والكذب والاعتداء من منافسيهم وخصومهم والذين لا يعرفون حقيقة دعوتهم، {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا} (فاطر: 43).
وما بعث الله نبيًّا من الأنبياء ولا أرسل رسولا من لدنه إلا بالحق والخير والهداية والصراط المستقيم والرحمة والعدالة {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ} (إبراهيم: 1 و2).
لهذا جاء نوح، وبهذا بعث إبراهيم، ولهذا دعا موسى، وفى سبيله أُرسل عيسى، وبهذه الحقائق هتف بهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فماذا كان موقف الناس منهم:
أوذى نوح عليه السلام بالقول فقالوا: {مَجْنُونٌ وازْدُجِرَ} (القمر: 9)، وبالتهديد: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المَرْجُومِينَ} (الشعراء: 116)، وبالهزء والسخرية: {وكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} (هود: 38).
وأوذى إبراهيم عليه السلام بالعناد الشديد والاتهام الظالم: {مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: 59 و60)، ثم بالكيد الجائر {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ} (الأنبياء: 70).
وأوذى موسى عليه السلام بالقول والعناد والتهديد والوعيد فبرَّأه الله مما قالوا: {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وجِيهًا} (الأحزاب: 69)، وأزاغ الله قلوب هؤلاء المؤذين بالباطل، والله لا يهدى القوم الفاسقين.
وأوذى عيسى عليه السلام وأمه الصديقة عليها السلام بالفرية الشنعاء والفعلة النكراء، وهى الصِّدِّيقة المطهَّرة المبرَّأة المصطفاة على نساء العالمين.
وما أكثر ما تحدثت ألسنة المشركين والمعاندين والمنافسين والمخاصمين عن محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا: {مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ}! (الدخان: 14).
وقالوا: {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (ص: 4)، وقالوا {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِى تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصِيلًا} (الفرقان: 5)، وغمزوه فى الصدقات، وقالوا: {هُوَ أُذُنٌ} (التوبة: 61)، ولم يتورَّعوا عن الإفك يلصقونه بنسائه الأطهار الأخيار، وحماهم الله عز وجل من ذلك كله وسجل فضلهم وطهرهم فى كتابه {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 33).
تلك سنَّة الله التى لا تتخلف {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا} (فاطر: 43)، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِى عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (الفرقان: 31).
ودعوة الإخوان المسلمين لم تخرج عن أنها دعوة إصلاح وخير وحق، نطبِّق عليها سنَّة الله تبارك وتعالى التى استنَّها لكل الدعوات فيتألَّب عليها المنافسون والأعداء، ويمتحن أهلها فى الأنفس والأموال والأوقات بالبذل والعطاء، ثم يمتحنون بعد ذلك بهذا الكيد والإيذاء والكذب والافتراء، ويجدون من الألسن والأقلام الجاهلة أو الحاقدة أو المأجورة على حد سواء ما يشوِّه جمال أعمالهم، ويبرز حسناتهم للناس فى صورة سيئات، ويختلق لهم التهم والمفتريات.
حدث هذا فى كل قطر فيه نشاط للإخوان، بينما لم يكن دور الإخوان المسلمين فيه إلا دور الناصح الأمين من أول يوم إلى هذه الساعة، ولكن أرجف المرجفون وأوضع خلال الفتنة المبطلون، وأوغلوا فى الكيد والافتراء ما شاء لهم الحقد وأملت عليهم البغضاء، ولقد كشفت الأحداث والأوضاع عن نصاعة موقف الإخوان وروعته وجميل أثره وبراءته.
وإن ننسى لا ننسى حادث المرحوم أحمد الخازندار، فكان الإخوان المسلمون أول من تأسفوا وتألموا لحدوثه، بينما انطلقت الصحف المغرضة يومها والألسنة الحداد تهرف بما لا تعرف، وتقول بغير علم وتفترى على الإخوان الكذب وتسبق حكم القضاء، وتشوِّه الوقائع وتتمادى فى ذلك كله لا لشىء إلا لإرضاء شهوة الكيد والإيذاء.
وهكذا سيظل هؤلاء المغرضون ما دام الإخوان هم القوة العاملة المتحركة الناجحة الإيجابية فى وسط هذا الجمود والركود بين هذه الهيئات ومعظم الأحزاب السلبية القائمة المفكَّكة التى لا تملك نفسها، فضلاً عن أن تقود غيرها يُعكِّرون الماء ليصطادوا فيه، ويشوِّهون الحقائق ويلصقون بالإخوان كل فرية ويكابرون فى الحق، وإن كان أوضح من فلق الصباح.
إنها سنَّة الله عز وجل التى لا تتخلف ولا تتحول، وقد صوَّر الله تعالى الداء ووصف الدواء قول الله العلى الكبير {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران: 186)، وفى آية أخرى {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: 120).
فيا أبناء الدعوة اصبروا واتقوا.. ويا أيها المرجفون بالباطل حسبكم، فإن الله بما تعملون محيط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.