«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمعة أمين عبد العزيز يكتب: الابتلاء قرين الإيمان لا يفترقان (1 - 3)

إن الله سبحانه وتعالى حين خلق السموات والأرض وحين خلق الإنسان من طين، ثم نفخ فيه من روحه وجعله خليفته فى هذا الوجود، إنه ما خلق هذا الوجود كله إلا لأمر خطير، أمر لا هزل فيه ولا لعب "ومَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إلا بِالْحَقِّ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ" (الدخان: 38، 39)، "ومَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ والأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إن كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإذَا هُوَ زَاهِقٌ ولَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ" (الأنبياء: 16 - 18).
فإذا كان هذا شأن السماوات والأرض، فإن الإنسان فى خلقه لا يقلّ شأنًا، وما خلقه خالقه إلا ليعبده، فما خلق عبثًا، ولن يُترك سدى "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وأَنَّكُمْ إلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلا هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ" (المؤمنون: 115، 116).
فإذا سألت نفسك: لِمَ خلق الله الحياة كلها؟ بل لِمَ خلق الموت؟ فإننا بتصورنا السليم لعقيدتنا نجد القرآن قد حدَّد لنا الإجابة السليمة التى تجلى كل غموض، وتجيب عن كل تساؤلات "تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ المُلْكُ وهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِى خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ ليَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ" (الملك: 1، 2)، "هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا * إنَّا خَلَقْنَا الإنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا" (الإنسان: 1، 2). "إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" (الكهف: 7).
فالله جلَّت قدرته وعزَّت عظمته قد خلق الناس ليبتليهم، والابتلاء هو الامتحان، والاختبار والبلاء هو الأمر العظيم ينزله الله تعالى بالإنسان فينظر أيشكر أم يكفر؟ والفتنة هى أيضًا الاختبار والامتحان يقال: فتنت الذهب أى: وضعته على النار؛ لأعرف صحيحه من مغشوشه "ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ *ولَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا ولَيَعْلَمَنَّ الكَاذِبِينَ" (العنكبوت: 1 - 3).
فالله سبحانه وتعالى يفتن الناس ليتبين لهم مدى صدقهم، ويتميز بينهم الصادق من الكاذب، والخبيث من الطيب، فضلا عن تمحيصهم واتخاذ الشهداء منهم، ومادة الابتلاء فى هذه الحياة الدنيا هى كل ما يحيط الإنسان من أوضار الطبيعة وصورها، وكل ما يتصل بحياته من خير أو شر "ونَبْلُوكُم بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً".
وعلى هذا فإن الإنسان هو المخلوق العاقل المكلَّف المبتلى، حتى إذا جاء يوم الفصل وعرف النتيجة إما جنة وإما نار تذكَّر قول الله تعالى "ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا".
فما هى صور الابتلاء؟ الابتلاء له صور عديدة منها ما هو فردى ومنها ما هو جماعى.
أولاً: البلاء الفردى:
فأما البلاء الفردى فهو بلاء عام كما قال المولى: "ولَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ والْجُوعِ ونَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ والأَنفُسِ والثَّمَرَاتِ وبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إنَّا لِلَّهِ وإنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ" (البقرة: 155، 156)، فهو كما ترى بلاء يصيب القلوب بشىء من الخوف، والبطون بشىء من الجوع، وكذلك الأموال بالنقص، والأنفس بالموت، والثمرات بالآفات، ورحمة الله تتجلى فى هذا البلاء فهو بلاء (بشىء) وليس بكل، وهذا التنكير للتقليل والتحقير، فالعليم الخبير، الذى يعلم من خلق، يعلم أن البلاء بالخوف كله أو الجوع كله لا يتحمله الإنسان، فجعل البلاء بشىء منهما وليس بهما، تخفيفًا عن الخلق ورحمة من الخالق وتقديرًا لضعف المخلوق.
إن الإيمان ليس كلمة تقال باللسان وإلا لكان ألحن الناس بالحجة أكثرهم إيمانًا!! ولكان الذين يقولون بأفواههم ما ليس فى قلوبهم أظهرهم له!! ولكان أصحاب اللسان الفصيح والكلام المليح فى مقدمة الصفوف، ولكان الناس يختلفون فى درجة إيمانهم بقدر أقوالهم، ولكن الأمر على غير هذا المقياس، فمن الناس من يؤمن إيمانًا صادقًا ويكون عمله خالصًا ولا يتكلم بلسانه فهو من الأتقياء الأخفياء: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" (البقرة: 8 - 10)، "ومِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإذَا أُوذِى فِى اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ" (العنكبوت: 10)، "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ" (الحج: 11).
فكان لا بد إذن من البلاء الذى يكشف فى عالم الواقع ما هو مكشوف فى علم الله المغيب عن البشر؛ ليظهر الصبح لذى عينين، ويتميز المؤمن من الكافر، والصادق من الكاذب، والمخلص من المرائى؛ وذلك بابتلائهم بالمحنة ليختبر صبرهم، وبالمنحة ليختبر شكرهم، ولما كان الإيمان نصفه شكر ونصفه صبر فإن كمال الإيمان يكون بالصبر والشكر معًا.
بلاء لا يفرق:
والبلاء العام -الذى ذكرنا- يصيب المؤمن والكافر على حد سواء، كما يصيب البار والفاجر؛ لأنه سنَّة ماضية إلى يوم القيامة لا تتبدل ولا تتغير ولا تفرق بين مسلم وكافر وبار وفاجر {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران: 26).
والأيام دول بين الناس، ليست بين المؤمنين فقط، فيوم لنا ويوم علينا، ويوم نُسَاء ويوم نُسَرّ {وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، وليس بين المؤمنين –كما ترى- وخير شاهد على ما نقول تقلُّب الأيام نفسها، ألم ترَ مريضًا هَدَّه المرض؟ أو إنسانًا فقد الأحبة؟ أو تاجرًا خسر ماله؟ أو أى شىء من مصائب الحياة الدنيا وزينتها؟ فالأيام كرّ وفرّ، وإقبال وإحجام ومرض وعافية، وفقر وغنى، وعز وذل، لا ينكر ذلك منكر فالكل فى اختبار وابتلاء، والجدير بالذكر أن الكافر أمام البلاء صبر أم لم يصبر، شكر أم لم يشكر، رضى أم لم يرضَ، سواء بسواء، فأعمال الكافرين {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} (النور: 39)، {كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍ} (إبراهيم: 18)؛ لأنه الله سبحانه وتعالى {لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} فمهما قدَّم الكافر من عمل فمردود عليه، ومهما صبر فلا يُجزى عليه؛ لأن عمله كالشجرة الخبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، فهل هناك ثمرة لشجرة لا جذر لها يضرب فى أعماق الأرض؟ كذلك عمل الكافر مبتوت الصلة بالله فلا جزاء عليه إلا النار وبئس المصير، وقاعدة قبول الأعمال معروفة، صالح صواب مع إخلاص فيه {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110).
والله سبحانه وتعالى يبتليه عَلَّ صدره ينشرح فلا يعرض عن آيات الله، وإسلام عمر رضوان الله عليه خير شاهد، وسحرة فرعون خير دليل أو موقف من المواقف التى يعيدها إلى رشدها ويصلها بأصلها فتستقيم وتقوى، وإسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه خير دليل، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كما يقلب الليل والنهار، ومن لم يَعُد ويئوب إلى ربه فإنه سبحانه يمدُّ له من العذاب مدًّا، فيعطيه ويزيده حتى إذا أخذه لم يفلته {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} (المؤمنون: 55 و56).
إنه استدراج لمن قسا فؤاده، وأصبح الرَّان على قلبه، أولئك الذين لم يُرِد الله أن يطهِّر قلوبهم لهم فى الدنيا خزى ولهم فى الآخرة عذاب عظيم.
أما المؤمن بربه فإنه يصبر على الضراء، ويشكر فى السراء، وأمره كله خير، أرأيت إبراهيم الخليل عليه السلام الأمة يقول فيه القرآن: {وإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} نعم أتمَّهن ووفَّى، فصبر فى الضراء، وشكر فى السَّراء فكان أمَّة.
إن الله سبحانه وتعالى يبتلى عباده الصالحين وفى مقدمتهم رسل الله الكرام وأنبياؤه الأطهار، فيبتلى المرء على قدر دينه، فإن كان فى دينه صلابة زِيد له فى البلاء حتى يصبّ عليه البلاء صبًّا لحبه سماع أصواتهم متضرعين، كأيوب عليه السلام حين ناداه متضرعًا {أَنِّى مَسَّنِى الضُّرُّ وأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (الأنبياء: 83)، ويونس عليه السلام حين نادى فى الظلمات {أَن لَّا إلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء: 87)، ويعقوب عليه السلام عند ما فقد ولديه فقال: {إنَّمَا أَشْكُو بَثِّى وحُزْنِى إلَى اللَّهِ} (يوسف: 86)، وموسى عليه السلام حين نزل مَدْين فقال: {رَبِّ إنِّى لِمَا أَنزَلْتَ إلَى مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (القصص: 24)، ورسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه حين اشتد إيذاء المشركين له قال: "إليك أشكو ضعف قوتى، وهوانى على الناس يا أرحم الراحمين"، والمؤمنون حين قال لهم الناس: {إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ} (آل عمران: 173).
وكل عبد من عباد الله الصالحين يدعوه متذللًا متضرعًا خاشعًا؛ لأن الدعاء مخ العبادة وبه يحقق العبد عبوديته لله رب العالمين؛ لاعترافه بضعفه وسؤاله للقوى المتين فيستشعر الذل، وكمال الحب لله تعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يحب عبده الذى لا يُلِحّ فى دعائه، ويذمّ من لم يتضرع إليه، ويستكن له وقت الشدة مصداقًا لقوله سبحانه: {ولَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ ومَا يَتَضَرَّعُونَ} (المؤمنون: 76).
- سنة الله التى لا تتبدل:

لقد جرت سنَّة الله تبارك وتعالى فى أصحاب الدعوات والمؤمنين بها والعاملين لها أن يبتليهم بمعانى البذل من أنفسهم وجهودهم وأقوالهم وأوقاتهم وعصارة أرزاقهم وقوة أولادهم وحبَّات قلوبهم، وبمعانى التهجُّم والإيذاء والكيد والافتراء والكذب والاعتداء من منافسيهم وخصومهم والذين لا يعرفون حقيقة دعوتهم، {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا} (فاطر: 43).
وما بعث الله نبيًّا من الأنبياء ولا أرسل رسولا من لدنه إلا بالحق والخير والهداية والصراط المستقيم والرحمة والعدالة {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللهِ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الأَرْضِ} (إبراهيم: 1 و2).
لهذا جاء نوح، وبهذا بعث إبراهيم، ولهذا دعا موسى، وفى سبيله أُرسل عيسى، وبهذه الحقائق هتف بهم محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فماذا كان موقف الناس منهم:
أوذى نوح عليه السلام بالقول فقالوا: {مَجْنُونٌ وازْدُجِرَ} (القمر: 9)، وبالتهديد: {لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المَرْجُومِينَ} (الشعراء: 116)، وبالهزء والسخرية: {وكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} (هود: 38).
وأوذى إبراهيم عليه السلام بالعناد الشديد والاتهام الظالم: {مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} (الأنبياء: 59 و60)، ثم بالكيد الجائر {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأخْسَرِينَ} (الأنبياء: 70).
وأوذى موسى عليه السلام بالقول والعناد والتهديد والوعيد فبرَّأه الله مما قالوا: {وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وجِيهًا} (الأحزاب: 69)، وأزاغ الله قلوب هؤلاء المؤذين بالباطل، والله لا يهدى القوم الفاسقين.
وأوذى عيسى عليه السلام وأمه الصديقة عليها السلام بالفرية الشنعاء والفعلة النكراء، وهى الصِّدِّيقة المطهَّرة المبرَّأة المصطفاة على نساء العالمين.
وما أكثر ما تحدثت ألسنة المشركين والمعاندين والمنافسين والمخاصمين عن محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم فقالوا: {مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ}! (الدخان: 14).
وقالوا: {سَاحِرٌ كَذَّابٌ} (ص: 4)، وقالوا {أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِى تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وأَصِيلًا} (الفرقان: 5)، وغمزوه فى الصدقات، وقالوا: {هُوَ أُذُنٌ} (التوبة: 61)، ولم يتورَّعوا عن الإفك يلصقونه بنسائه الأطهار الأخيار، وحماهم الله عز وجل من ذلك كله وسجل فضلهم وطهرهم فى كتابه {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 33).
تلك سنَّة الله التى لا تتخلف {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا} (فاطر: 43)، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِى عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} (الفرقان: 31).
ودعوة الإخوان المسلمين لم تخرج عن أنها دعوة إصلاح وخير وحق، نطبِّق عليها سنَّة الله تبارك وتعالى التى استنَّها لكل الدعوات فيتألَّب عليها المنافسون والأعداء، ويمتحن أهلها فى الأنفس والأموال والأوقات بالبذل والعطاء، ثم يمتحنون بعد ذلك بهذا الكيد والإيذاء والكذب والافتراء، ويجدون من الألسن والأقلام الجاهلة أو الحاقدة أو المأجورة على حد سواء ما يشوِّه جمال أعمالهم، ويبرز حسناتهم للناس فى صورة سيئات، ويختلق لهم التهم والمفتريات.
حدث هذا فى كل قطر فيه نشاط للإخوان، بينما لم يكن دور الإخوان المسلمين فيه إلا دور الناصح الأمين من أول يوم إلى هذه الساعة، ولكن أرجف المرجفون وأوضع خلال الفتنة المبطلون، وأوغلوا فى الكيد والافتراء ما شاء لهم الحقد وأملت عليهم البغضاء، ولقد كشفت الأحداث والأوضاع عن نصاعة موقف الإخوان وروعته وجميل أثره وبراءته.
وإن ننسى لا ننسى حادث المرحوم أحمد الخازندار، فكان الإخوان المسلمون أول من تأسفوا وتألموا لحدوثه، بينما انطلقت الصحف المغرضة يومها والألسنة الحداد تهرف بما لا تعرف، وتقول بغير علم وتفترى على الإخوان الكذب وتسبق حكم القضاء، وتشوِّه الوقائع وتتمادى فى ذلك كله لا لشىء إلا لإرضاء شهوة الكيد والإيذاء.
وهكذا سيظل هؤلاء المغرضون ما دام الإخوان هم القوة العاملة المتحركة الناجحة الإيجابية فى وسط هذا الجمود والركود بين هذه الهيئات ومعظم الأحزاب السلبية القائمة المفكَّكة التى لا تملك نفسها، فضلاً عن أن تقود غيرها يُعكِّرون الماء ليصطادوا فيه، ويشوِّهون الحقائق ويلصقون بالإخوان كل فرية ويكابرون فى الحق، وإن كان أوضح من فلق الصباح.
إنها سنَّة الله عز وجل التى لا تتخلف ولا تتحول، وقد صوَّر الله تعالى الداء ووصف الدواء قول الله العلى الكبير {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران: 186)، وفى آية أخرى {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: 120).
فيا أبناء الدعوة اصبروا واتقوا.. ويا أيها المرجفون بالباطل حسبكم، فإن الله بما تعملون محيط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.