كثيراً ما كنت أجادل وأمازح بعض زملاء المهنة من عقلاء القومجية القليلين بأن عبد الناصر أمم الصحافة، فما رأيكم لو أممها مرسي ومعها فضائيات الضرار؟ لم يكن أي من أولئك الزملاء يرد. وفي منتدى إعلامي عام دعيت للحديث عن مستقبل الإعلام بعد الثورة، فأكدت على وجوب انتزاع كافة وسائل الإعلام من سطوة السلطة وأصحاب رؤوس الأموال. (الانتزاع من السطوة والنفوذ لا يكون بالمصادرة، بل بفرض المهنية عبر القانون وميثاق الشرف وقواعد السلوك المهني، ومتابعات المحتوى التي يضع أسلوبها حكماء المهنة). جاء دور شتام قومجي كنت رفضت المشاركة مالم يلجموه، وبدلا من التعليق على ما قلت أو استنكار استباحة رجال الأعمال كافة قواعد المهنة في فضائياتهم وصحفهم، انطلق شريك تلك الندوة جمال فهمي يشتم الرئيس مرسي والإخوان بأقذع مفردات السوقة. وبصعوبة شديدة نجح من أدار النقاش في إيقاف الشتام بعد تهديدي بالانسحاب. خلاصة الواقعة أن القومجية مفلسون فكرياً وانتهازيون مهنياً، ولا أمل في أدنى نجاح إعلامي أو سياسي على أيديهم، خاصةً بعدما ارتموا تحت أقدام البيادات الانقلابية. وأعود إلى موضوع التأميم الذي كنت أستنكر الحديث عن إعادته في القرن الواحد والعشرين، لأقول إنه يحدث الآن بالكامل ولكن بشكل مبتكر وخبيث وخائب أيضاً. كل صحف وفضائيات رجال الأعمال امتلأت بأذرع إعلامية وصحفية لا تحيد قيد أنملة عما يؤمرون به لصالح الانقلاب والانقلابيين. اعترف كبير الانقلابيين بتبني أسلوب الترغيب والترهيب للسيطرة على الإعلام. ولم نكن بحاجة لاعترافه إلا كسيد الأدلة، فقد لاحظنا جميعاً أن القدامى من نجوم "التوك شو" لا يخطئون ولو مرة واحدة منذ الانقلاب بنقل وجهة نظر الطرف الآخر، ولو دون دعوة أصحابه. الانقلابيون يستفيدون إعلامياً وصحفياً، كما لو كان التأميم التقليدي قد تم، ورجال الأعمال مالكو الإعلام يدفعون. وقبل عدة أسابيع هبط بالبارشوت مندوب سابق للداخلية في الأهرام إلى قناة فضائية وتقمص دور (مذيع ردح وتحريض غبي يذكرنا بأحمد سعيد صوت العرب). دوره "كذراع" إضافي هو ما لا يمكن لمذيع محترف أو ربع خبير أن ينطق به. الرداح كل وظيفته تناول الشرعية والإسلاميين بسباب وبهتان معد سلفاً، أو يُملَى عليه أثناء البث. هذا الذراع المصطنع يروج منذ أجلسوه أمام الكاميرا لترشيح الوزير الحانث رئيساً لمصر، ويحارب ويسب منافسه المحتمل رئيس الأركان السابق سامي عنان. أصغر طلاب ودارسي العلوم السياسية والإعلام يستطيعون تحليل محتوى ما يبث تليفزيونياً وينشر صحفياً ليقفوا على الحقيقة التي أشرت إليها آنفاً: التأميم حدث على طريقة عسكرية قديمة نوعاً ما، وهي ضم أو تسخير ما يملكه القطاع الخاص إلى "المجهود الحربي الانقلابي" دون أن يكون لأصحابه حق الاعتراض. بالطبع جل أصحاب الفضائيات الخاصة، وتلك الممولة من السعودية والإماراتية مستفيدون من الحرب على ديموقراطية وحرية وشرعية حكم مصر.