شاركت في بدايات سنوات شبابي في أكثر من معسكر لمنظمة الشباب. وعشت وعايشت قومجية أصبح بعضهم كبارا. لم يبق في ذاكرتي من محاضراتهم وتنظيراتهم وتمجيدهم الصنم إلا شذرات تافهة من عنصرية القومية العربية، وشعارات ثبت زيفها وضلالها في 67، أما الألفاظ القبيحة وشتائم المزاح بالأم والأب فحدِّث وكلك حرج. وتعاملت وحضرت جلسات بعض نجوم التنظيم الطليعي، وسمعت من بعضهم ومن المقربين منهم بعض ما يخجل من فعله البشر من الموبقات. يتحدث من كانوا منهم في بعثة دكتواره في الغرب عن مغامرات غير أخلاقية بفخر!! ويكتب أحدهم تقارير في زملائه إلى أجهزة السوء. أحدهم أصبح دبلوماسياً، وضبطوه يوما في سفارتنا بلندن متلبساً بجريمة زنا (مصرية رسمية خالصة). الجريمة كانت كفيلة بمحاكمته وضياع مستقبله، لكنها ادُّخرت للسيطرة عليه لاحقاً. صاحبهم كان نابغاً وأوصله التنظيم النائم الصاحي إلى مركز كبير جداً قبل أن يطاح به في عقد التسعينيات سفيراً في أوروبا. وتتلمذت مضطراً لشهور على من كلفنا بجمع خطب عبد الناصر. وأصبح ذلك الدكتور علي الدين هلال مربياً سياسياً لجمال مبارك، فكوفئ بأمانة التثقيف في شبه الحزب الوطني. إنه نفس طريق انتهازية الدكاترة القومجية: محمود الشريف، ومفيد شهاب، والفقي، وحسين كامل بهاء الدين. كلهم باعوا ناصريتهم مقابل كرسي تحت أقدام طاغية أضاع البلاد والعباد. أخذتني رحلات العمل المهني إلى بلاد عربية وغير عربية في منطقتنا، فكنت أرى وأسمع من المسلمين غير العرب كالأكراد والأمازيغ والفرس والتركمان لعنات على القومية والقومجيين الناصريين والبعثيين الذين أقصوهم وأهانوهم. وعلى العكس من ذلك رأيت نفس الأشخاص هاشين باشين لمجرد استيعابهم في الحركة الإسلامية الوسطية الإخوانية. في بدايات الثمانينيات تعرفت على جيل العواجيز من الإخوان، وجيل استلم منهم الحركة، فكانوا - ولا أزكيهم على الله - مشاعل هداية واستنقاذ من براثن اليسار والقومجية والشيوعية. رأيت عباداً رُكعاً سُجداً هُجَّداً، يتعبدون ربهم بعد العبادات المفروضة بخدمة الناس. اسألوا عنهم في المدن والقرى والنجوع والاتحادات الطلابية والنقابات والبرلمان والمحليات. اسألوا عنهم مستوصفات المساجد والجمعيات الخيرية وضحايا زلزال 1992، راجعوا ما فعله نظام مبارك في سنوات ما قبل تأميم النقابات المهنية تحايلاً بالقانون رقم مائة وبفرض الحراسة. حاول النظام القمعي الفاسد غل أيادي الخير التي قدمت طبعات الكتب الجامعية الرخيصة الثمن، وصناديق التكافل ومشاريع العلاج ومعارض السلع الاستهلاكية ومعارض الصناعات الصغيرة. تذكروا إحياء الإخوان وتسهيلهم سنن صلوات العيدين في الخلاء، والتهجد والاعتكاف والعمرة والزواج باحتفالات جماعية. اسألوا طلاب المدن الجامعية منذ ما قبل انهيار الشيوعية واليسار والقومية في مصر. اسألوهم من أخذ بأياديهم وكل طلاب مصر الطيبين إلى الجد والطهر والالتزام بأخلاق الدين، وحب الناس لا الصراع الطبقي بينهم، وخدمة الوطن. أنا شاهد إعلامي على طريقة اتخاذ القرارات الإخوانية المهمة من شاكلة خوض انتخابات البرلمان أو النقابات أو المحليات. التشاور فيها كان يبدأ في دائرة أهل الذكر، وقبل أن يتقرر الأمر أو لا يتقرر تجري مشورة الأغلبية التي تكاد تلامس الصف كله. عرفت لسنوات عن قرب قيادياً مخضرماً من الإخوان أصبح مرشداً، هو المستشار مأمون الهضيبي رحمه الله. عاصر الملك فؤاد وبعده فاروق وناصر والسادات ومبارك، وكان قاضياً كبيراً، ومع ذلك يشاور ويستمع وينزل أحياناً على آراء جيل أبنائه. ولما كان أحياناً يضيق بنقاش قليلي الخبرة أو المندفعين، يقول بخجل، وهو يبتسم: "وجهة نظر". واحد آخر اسمه جابر رزق (عليه رحمة الله) عندما كان يؤنب أحداً ينعته بعبارة "انت راجل طيب"، وأحياناً "يا فلاح". رحم الله من لقي ربه، وجزى من ينتظر خير الجزاء على تربيتهم أجيالا على الحب في الله وخدمة الوطن والأمة بلا عنصرية ولا طائفية. لولا هذه المدرسة العظيمة لكانت مئات الآلاف من شباب مصر والأمة في عِداد الصياعة والمخدرات والسخائم والتفاهات، أو أحد الأحزاب مئوية العضوية من بقايا الاتحاد الاشتراكي. ردَّاح بديل رداح بزمبلك يجلس في قناة التحرير ليؤدي دوراً كان يؤديه عكاشة في قناة الفراعين. الفرق أن زمبلك الأخير باظ. تربى الرداح الأهرامي على نشر ما يأتيه من الداخلية بالنص، وهو حالياً يبث ما يملى عليه عبر "الإيربيس" في أذنه. سلطوه من أيام على البرادعي، وبعده على سامي عنان فحازم الببلاوي. الحانث في يمينه هو المستفيد.