1- الحاج السفاح والشهيد القاتل عيدى أمين واحد من سفاحى أفريقيا العظام، تقول التقديرات إن إجمالى ضحاياه تراوح ما بين 80 ألفاً ونصف مليون قتيل، خلال ثمانى سنوات حكم خلالها أوغندا. بدأ حياته مساعد طباخ فى جيش الاحتلال الإنجليزى، ثم ارتقى ضابطاً ثم قائداً للجيش الجديد بعد الاستقلال، فرئيساً عبر انقلاب عام 1971. سيرة أمين خلال سنوات حكمه الأولى تتشابه مع طبعات أخرى لعسكريين فى أفريقيا وأمريكا الجنوبية، طاغية عسكرى، يناطح الغرب قليلاً فى فترة التحرر الوطنى، وباسم قضية الحفاظ على الاستقلال يرتكب الفظائع، فعلى مستوى انتهاكه للأقليات مثلاً هجّر أمين 80 ألف هندى وباكستانى اعتبرهم أعواناً للإنجليز، أمرهم بمغادرة البلاد رغم استقرارهم منذ ثلاثة أجيال على الأقل فى الوطن الجديد. كان مثله الأعلى هتلر، وهمّ أمين بتدشين تمثال للزعيم النازى، ثم تراجع، وكان يرى أن الرجل محق فى قتل ملايين اليهود بأفران الغاز، لأنهم خطر على العالم. قالت الدعاية الغربية إن أمين كان يعشق أكل لحوم البشر، مثله مثل إمبراطور أفريقيا الوسطى بوكاسا، نفى التهمة مراراً، لكنه أقر بتناول اللحوم البشرية مرة واحدة وقت أسره عند قبيلة الماو الماو، بينما شهد خدم كانوا فى قصره أن الثلاجة كانت عامرة على الدوام، برؤوس بشرية، وتم العثور خلال فترة حكمه على إحدى زوجاته مقطعة إرباً فى سيارة. أمين الذى عُرف فى شبابه ملاكماً، دعا مرة غريمه التنزانى نيريرى إلى أن ينازله فى مباراة ملاكمة، ليرى من سيفوز، كما صرح كثيراً أن وجهه (أمين) هو الأجمل فى الدنيا، والدليل افتتان زوجاته. ربما رأيت فيه بعض ملامح شطحات القذافى، فمثلما طلب القذافى شراء قنبلة نووية كأنه يتسوقها من مول، طلب أمين توزيع القنابل النووية على الدول لضمان توازن الردع، ومثلما طرد معمر الليبى الفلسطينيين من بلده بعد أوسلو كان أمين سباقاً بطرد الهنود. لكن الملمح الخفى لطاغية أوغندا الراحل كان أمين «الإسلامجى»، فمن بين ألقاب عديدة أحاط نفسه بها مثل؛ صاحب السيادة، فاتح الإمبراطورية البريطانية، الرئيس مدى الحياة لجمهورية أوغندا، برز لقب «الحاج الدكتور عيدى أمين دادا»، كما استند إلى نزعة دينية، فى طرده للأوغنديين من أصول أجنبية باكستانية وهندية حين قال، إن هاتفاً سماوياً أخبره فى رؤيا قائلاً: «إذا أردت إنقاذ أوغندا فمن الضرورى طرد كل الأجانب من البلاد». وعندما أزيح عن عرشه واستقر به الحال فى السعودية، خلع ألقابه وسترته العسكرية وبقى فى نظر الإسلامجية الحاج عيدى أمين، الذى يرتدى الجلباب ويطوف بالكعبة، ضحية التآمر على الحكم الإسلامى، وفى نظر القومجية الجنرال البطل المقاوم للاستعمار. صدام حسين سفاح آخر، يقول الماضى القريب إنه ضرب مدنيين بالسلاح الكيماوى فى «حلبجة»، واحتل دولة أخرى مسالمة هى الكويت، وعاث جنوده فيها قتلاً وسرقة واغتصاباً، وقمع وأذل ملايين العراقيين، وأسند لعشيرته التكريتية مناصب كبرى فى الدولة بلا كفاءة، وتورط ابناه فى فساد معلن، وشنق معارضيه لمجرد الانتماء لحزب الدعوة والحزب الشيوعى. لكن مع اشتداد الحصار منتصف التسعينات وزّع الإعلام الحكومى صوراً له وهو يصلى، ثم دشن ما يُعرف بالحملة الإيمانية التى أُغلقت على أثرها المشارب، وبيوت الدعارة، وسمى الصواريخ بأسماء الحسين والعباس. وحينما أُعدم قال الإسلامجية إنه شهيد لأنه نطق الشهادتين قبل الموت وحارب ابناه الغزو، وقال القومجية إن المهيب الركن ضحّى من أجل العروبة بدمه. 2- لماذا يغفر الإسلامجية والقومجية الاستبداد بهذه السهولة؟ للإسلامجية مأزق تاريخى، هم يتعاملون مع الدنيا، ومنها السياسة، بقواعد الآخرة، والآخرة حيثياتها الجامعة لدى الخالق، فهو الذى يعلم ما لا نعلم، وبموجب علمه يلقى العبد مصيره، قد يكون العبد عاصياً وقاتلاً وينخرط فى توبة نصوح، لا يضل بعدها، والعكس أيضاً، هذه الأمور الأخروية حمالة أوجه، فيما تقف العدالة الدنيوية عند حدود الظاهر، تبرئ البرىء وتعاقب المجرم، لن يفلت مجرم من السجن أمام محكمة لاهاى مثلاً لأنه تاب، كما لا يعترف التاريخ البشرى إلا بقواعد البشر. هى أمور الدنيا والبشر أعلم بأمور دنياهم. القومجية القدامى لديهم مأزق شبيه، تتراجع فى أولوياتهم قضايا الحريات وحقوق الإنسان لصالح قضية الاستقلال، ليس مهماً أن هذا الحاكم الوطنى أصبح طاغية، يقتل ويعذب ويعتقل، ويرهن ثورة البلاد لعائلته أو عشيرته أو مغامراته، طالما ظل الأجنبى بعيداً. الإسلامجى والقومجى، تتراجع لديهما فكرة الإنسانية أمام ثنائية (عصبة الإيمان/ الاستقلال). يغضب مرسى مثلاً من مسلسل تركى يراه مهيناً للإمبراطورية العثمانية، رغم أن التاريخ يحتفظ بما هو أكثر من الإهانة، ويصفق القومجية لصدام حسين وعائلة الأسد وهم يضربون المدنيين بالصواريخ. سفاح يصلى، وطاغية ينطق بالشهادة، والغفران أحياناً يأخذ معنى القتل.