السلام عليكم، وبعد، فاسمح لي يا أستاذ هيكل أن أدخل مباشرة في موضوع هذه الرسالة المفتوحة. لا أنا ولا غيري نحتاج إلى مجهر لنرى بصمات أصابعك على مسرح جريمة الانقلاب. ولن أخصص هذه السطور لبيان الأخطاء الناتجة عن سوء تقديرك للفروق التقنية والديموغرافية بين انقلاب يوليو 52 الذي تحول إلى ثورة، وانقلاب يوليو 2013 الذي تتزايد مقاومة شارع الثورة له منذ نحو 3 شهور بلا توقف. رسالتي المفتوحة هذه تخاطب فيك "الجورنالجي" الذي يفترض فيه بعد هذا العمر أن يخشى على مصر وجيشها، وعلى المهنة والصحفيين والإعلاميين. لدي تعبير أثير أقتبسه من ثقافتي وهو "زكاة الخبرة". أناشدك أن تتجرد يا أستاذ هيكل وتفيض على الصحفيين والإعلاميين مطايا الانقلاب بزكاة خبرتك. انصحهم يا شيخنا أن يكفوا عن التدليس والتضليل لصالح سلطة الانقلاب. استدرك يا شيخ الجورنالجية على من أظنك نصحتهم بإسدال ستائر التعتيم الكامل على الشعب. استدرك على الانقلابيين، فقد قتلوا أو تسببوا في قتل واعتقال صحفيين وإعلاميين. استدرك يا "أستاذ" بشأن إغلاق الانقلاب العديد من الفضائيات، مع آخر جملة نطقها الوزير الحانث في يمينه. استدرك على من لك عليهم كلمة ليفرجوا عن زملائك وأبنائك الصحفيين والإعلاميين المعتقلين. يا أستاذ هيكل، أرجوك اسأل أمير قطر السابق الذي تأبطك وجال بك يوماً وسط إعلاميي الجزيرة. لقد أتاح لك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أن تستدرك على قرارك أو استئذانك بالانصراف من الساحة الصحفية والإعلامية. اسأله عن ثمار وآثار المهنية وإعلام الرأي والرأي الآخر على دمقرطة الأمة وخلاصها من الطغاة والفاسدين. انصح كبير الانقلابيين يا أستاذ هيكل أن يتراجع، وأن يتعلم إعلاميوه وصحفيوه من مهنية الجزيرة. إعلام الرأي الواحد والتعتيم انتهى عصره. فضح الجريمة الانقلابية كما ترى يا أستاذ هيكل يجري على قدم وساق منذ الدقيقة الأولى. إنها أفضال تقنيات الأقمار الصناعية والإنترنت والهواتف النقالة واليوتيوب وهمة المواطنين الصحفيين. التغطية الصحفية والتليفزيونية الانتقائية لانتشار الجيش وتصديه لمظاهرات ومسيرات تلامذة المدارس والجامعات، تزرع في نفوس جنود وضباط المستقبل القريب مرارات وربما ثارات. التعتيم وصحافة وإعلام الرأي الواحد في تاريخنا المعاصر تسببا بشكل مباشر في كارثة وهزيمة ساحقة. لعلك تتذكر مقولة أستاذك ومعلمك مصطفى أمين: الصحافة الحرة كالكشافات والفرامل في السيارة. أرجوك قل لأصحابك الانقلابيين يعيدون كشافات وفرامل مصر كي لا تحدث كارثة كتلك التي تسببت أنت شخصياً فيها. وقبل الختام، اسمح لي بما يشبه الاعتذار، وبعتاب ولوم. أعتذر عما قد لا يعجب البعض أو لا يعجبك شخصياً من مفردات وردت أعلاه. وأعاتبك بل ألومك فيما سببته لي شخصياً ولجيلي. أعتذر عن استخدامي لفظ "جورنالجي" الذي قد يعتبره بعض شباب المهنة غير مناسب في مخاطبتي لك. عذري أيها الشباب أن "الأستاذ" يعتبر نفسه "جورنالجياً" ويحب هذا اللفظ. وأعتذر لك لأنك قطعاً يا أستاذ هيكل لا تحب أن أخاطبك بلفظ "شيخ". لا بأس يا كبيرنا؛ أنا أحب لك هذا اللفظ لأنه مشحون بالتوقير. أنا أعتز بمفردات لغتي؛ فهي جزء من هويتي. أنت مثلاً تتمسك في افتتاحك واختتامك لأحاديثك المتلفزة بلفظي تحية مترجمة عن الإنجليزية: (مساء الخير)، أما أنا فاعتزازي بثقافتي يلزمني بتحية لغتي وديني: السلام عليكم ورحمة الله. والآن اسمح لي بالعتاب واللوم، وتحملني يا شيخنا، فأنا مثلك أحد الجورنالجية وإن أصبحت منذ 1981 تليفزيونجياً. لقد تحملتك في سنوات صباي وبداية شبابي وأنت تخاطبنا بمانشيتات الأهرام، ومقالك "بصراحة". وفي أعقاب 5 يونيو 67 ثبت لجيلي وللأمة والعالم أن بعض أهم مانشيتاتك ومقالاتك كانت تضليلاً بواحاً. قلت لنا - ولم يكن لنا مصدر سواك - : إن جيشنا آنذاك هو أكبر قوة ضاربة في الشرق الأوسط، ثم ثبت أنه عكس ذلك. جعلتنا نتأهب للحظة تحرير فلسطين، فإذا بنا نفقد ثلث مصر ويحتله جيش بني صهيون في ست ساعات. لقد كنت يقيناً تعلم حجم الفساد والإهمال في قيادة الجيش، وكنت تعرف مدى العهر الذي زرعه صلاح نصر في جهاز المخابرات. ومع كل ذلك سمحت لنفسك أن تعتم علينا. ولا أحب ان أقول لفظة أصرح، احتراما مني لسنك. لقد كنت تفخر بأنك مخبر صحفي، تحيط بما لا يتاح لغيرك الاطلاع عليه. وبالمناسبة لا زلت أطالبك باعتذار، أو فليحاكمك الشعب ولو محاكمة افتراضية تليفزيونية، يتاح لك أو لحوارييك حق الدفاع. التهمة يقول بها أهل القانون، وهي "علم ولم يبلغ". أنت يا شيخنا لم تبلغ شعبك بالحقائق بل ضللته بغير الحقيقة. لا عذر لك بالخوف من أمثال صلاح نصر لأنك كنت محصناً من عبد الناصر. ولو جادلت بأن المجرم صلاح كان هو ورجاله بارعين في الوقيعة، أرد عليك بأنك كنت تستطيع الانسحاب والصمت كما فعل وقتها كاتبنا الكبير عباس العقاد.