تشق هتافات ملايين المتظاهرين عنان السماء، مؤكدة أن الانقلاب هو الإرهاب. لا ولن يصدق الشعب الواعي أن الإخوان هم الإرهاب. التربية والتنشئة الإسلامية الإخوانية لا يمكن أن تنتج للمجتمع أي مواطن عنيف أو إرهابي قولا أو سلوكا. تربية النشء والرجال والنساء عند تنظيم الإخوان لا توصي الإنسان خيراً بأخيه الإنسان فقط، بل توصيه حتى بالحيوان والنبات والجماد. لو قدر الله لكبار وصغار القتلة الانقلابيين أن ينالوا نصيباً من تربية الإخوان ما قتلوا وما حرقوا المصابين أحياء بالآلاف. مصيبة مصر بعد الانقلاب أن سلطتها إرهابية كذابة، في حين أن معارضيها مسالمون مهذبون قولاً وسلوكاً. من يعرفون الإخوان معرفة معايشة ومخالطة، لا ولن يصدقوا القائمين بشيطنتهم وتشويههم بإلصاق تهم الإرهاب بهم. مناهج التربية العملية والتثقيف والتنشئة عند الإخوان مستخلصة بالكامل من إسلام الرحمة، وسنة وسيرة الرسول الموصوف من ربه بغير الفظ ولا غليظ القلب. تغرس التربية الإسلامية الإخوانية في أشبال الإخوان وشبابهم ورجالهم ونسائهم السلوك الإنساني الملتزم بأوامر ونواهي الدين. الحلال والحرام عندهم، مع التدرج والرحمة، ضوابط لا تساهل فيها. نفع الغير والقبول بالآخر عند الحركة الإسلامية الإخوانية منهج حياة. لأجل هذا كله اعتاد الناس انتخاب مرشحي الإخوان في كل انتخابات لم يزورها نظام مبارك. وللأسباب نفسها لن تفلح إن شاء الله أكاذيب السلطة الإرهابية لشيطنة وتشويه الإخوان المسالمين. لا عذر في العنف والإرهاب الرسمي للانقلاب، ولو استجلب لتبريره مشايخ السوء البائعين دينهم بدنيا غيرهم. نظم الحكم المحترمة يجب أن تكون مقيدة بقواعد صارمة تضمن عدم حدوث القتل أو الإصابات في مواطنيها إلا بشروط قاسية، وفي أقل القليل. ثقافتنا الإسلامية وقواعد الحرب في ديننا تضمن حتى للأعداء المحاربين سلامة نسائهم وعجائزهم وأطفالهم وزروعهم ودور عبادتهم. هل تعرفون أية تنشئة وتربية تلك التي تربى عليها قتلة الآلاف من الرجال والنساء والعجائز والشيوخ والأطفال في رابعة والنهضة؟. هل تعرفون أية تربية وأية تنشئة سمحت للقتلة من العسكر بصنفيهم أن ينتهكوا حرمة المساجد بالأسلحة والترويع ويحرقوا مسجد رابعة والمصابين بداخله بدم بارد؟ أنا أعرف، وأكاد أقطع بأنها التربية والتنشئة الرسمية المنزوعة الدين طيلة الستين سنة الماضية. لقد خَرَّجَت تلك التربية أجيالاً لا تعرف أدنى معاني الرحمة. كاتب هذه السطور شاهد على العملية التربوية والإعلامية والثقافية منزوعة الدين. ظلت وسائل التنشئة تسخر من المتدينين والملتحين والمحجبات ورواد المساجد طيلة الخمسين سنة الماضية. عشت كصبي وشاب ما فرضه انقلابيو 1952 من وسائل ومنظمات التنشئة. التحقت مثلاً بمعسكرات الأشبال والكشافة في مرحلة الابتدائي، وبمنظمة الشباب في مرحلة التعليم الثانوي. فرض الانقلابيون القدامى علينا تعتيماً وتشويشاً ثقافياً ومعلوماتيا وتعليمياً وإعلامياً كاملاً وممنهجاً. استخدمت الدولة في شخص الديكتاتور ناصر وجلاديه أقسى وأحط وسائل الإقصاء والتشويه الإعلامي والتعذيب والقتل مع المعارضين. شهدنا ذلك طيلة الخمسينيات والستينيات وحتى نهاية حكم المخلوع مبارك. سكت العسكر على هذه الأساليب. لم يستنكروها ولم يعترض أي منهم على عنف الشرطة ولا على جرائم تزوير إرادة الناس في كل انتخابات جرت في البلاد. كان المستهدف هو الدين والتدين والحركة الإسلامية عموماً والإخوانية خصوصاً. أُجبِرنا تعليمياً في الستينيات إما على حفظ أو قراءة ما كتبه للانقلابيين الصحفي الأوحد الضال المضلل المدلس، وبعض مدعيي الاشتراكية. فرضت وزارة التربية والتعليم علينا كتابان هما "فلسفة الثورة"، و"الميثاق". واستمر معنا في مراحل التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي كتاب "التربية الوطنية". لست أتذكر منه سوى أنه احتوى مقتطفات من خطب عبد الناصر، وشروح لمعنى القومية العربية العنصرية، ونتفاً عن القضية الفلسطينية دون شيء يذكر عن علاقتها بالإسلام أو دور الإخوان المبكر فيها. مادتا التاريخ والدين انتزع منهما الانقلابيون الأوائل كل ما يمكن أن يسهم في لفتنا إلى هويتنا ذات الطبيعة الدعوية السلمية الحركية والإنسانية معاً.