صدم تزايد جرائم القتل المروعة، الرأي العام المصري، وزاد من حدة الصدمة أن بعض الجرائم ترتكب داخل نطاق الأسرة الأسرة الواحدة، كما حدث فى جريمة ذبح “أسرة كفر الشيخ” والجاني في تلك الحوادث المفزعة يكون مرة الأب ومرة الأم ومرة الزوج. وغالبية الضحايا من الأطفال، وفي بعض الأحيان كان الضحايا جميع أفراد الأسرة. تباينت التفسيرات لهذه الحوادث.. البعض يراها مؤشرا على تدهور أخلاقي أصاب المجتمع المصري، فيما يراها آخرون ردة فعل طبيعية على الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة التي يعيشها المصريون منذ انقلاب 2013،فيما عزاها فريق ثالث إلى ارتفاع نسب تعاطي المخدرات والأزمة الاقتصادية والحالة الإجتماعية ووسائل الإعلام والأفلام المنتشرة بالفضائيات والسينيمات. جريمة كفر الشيخ من آخر تلك الحوادث التي أثارت ضجة في الشارع المصري، خلال ال24 ساعة الماضية، واقعة قتل زوج لأسرته المكونة من 4 أفراد “الزوجة وثلاثة أطفال” في محافظة كفر الشيخ أمس الإثنين، والتىتيعد فتح ملف الجرائم داخل الأسر التى زادت حدتها طوال السنوات الماضية. وشهدت محافظة كفرالشيخ فى آخر أيام عام 2018 جريمة بشعة، بعد قتل طبيب أسرتة المكونة من 4 أفراد تم العثور على جثثهم مذبوحين داخل شقتهم. كان بلاغ من الدكتور أحمد ع ذ أ( 42 سنة) يفيد بأنه عند عودته من عمله إلى منزل أسرته بمدينة كفر الشيخ وجد زوجته منى ف. س أخصائية تحاليل وأطفاله عبدالله 8 سنوات، وعمر 6 سنوات، وليلى 4 سنوات مذبوحين. وبمعاينة الشقة لم يتم العثور على أي كسر في أبوابها أو النوافذ التي تطل على الشوارع أو منافذ المناور، وبدأت شكوك الضباط تحوم حول الزوج لكون الشقة ليس بها أي آثار عنف، وبتضييق الخناق حول الزوج، انهار واعترف بجريمته معللا ذلك بوجود خلافات بينه وبين زوجته مما جعله يفقد عقله ويتجرد من إنسانيته ويتخلص من زوجته وأولاده في ليلة رأس السنة. ضغوط نفسية وتزايدت في الأعوام الأخيرة جرائم القتل الأسرية داخل البيوت المصرية، حيث يعاني الكثيرون من جرائم متشابهة ومتكررة لأسباب متابينة، تكون نهايتها قتل الأب أو الابن أو الأم والأطفال. “الحرية والعدالة” تحاول تفسير الظاهرة وأسبابها من خلال خبراء علم النفس والاجتماع. الخبير النفسي والاجتماعي الدكتور إبراهيم عز الدين، أستاذ علم النفس والاجتماع بجامعة أكتوبر، قال إن هناك عدة أسباب رئيسية فى زيادة الجرائم الأسرية، في الفترة الأخيرة، منها ضعف العلاقات الاجتماعية بين أفراد الأسرة الواحدة، وضعف الإيمان بالله والوازع الديني، والاختلال العقلى والنفسى والضغوط الاجتماعية والنفسية والظروف الاقتصادية وأبرزها الفقر، بالإضافة إلى إدمان المخدرات، وكذلك زيادة سرعة نمط الحياة والعداء بينهم، وأساليب التنشئة الاجتماعية وزيادة العنف فى الإعلام، وفقدان الروابط الأسرية. انفصام في الشخصية وخلال السنوات القليلة الماضية تعرض المجتمع المصري لهزات اقتصادية متلاحقة أفقدت الكثير من المواطنين القدرة على التكيف معها؛ بداية من تحرير سعر صرف الجنيه في الثالث من نوفمبر 2016 وانخفاض قيمته بشكل كبير أمام الدولار؛ ما أدى بالتبعية لزيادة معدلات التضخم وزيادة حجم الدين الخارجي، مع ارتفاع جنوني ومتكرر لأسعار السلع والخدمات، خاصة فواتير الكهرباء والمياه وأسعار الوقود، تتحمله على الأرجح الطبقات الدنيا فقط، في ظل ثبات أو ارتفاع غير مناسب للرواتب والأجور. فيما قالت الدكتورة إيمان عبد الله خبيرة علم النفس، إن الجرائم قد تكون بسبب نفسى وتعرض الإنسان لضغوط نفسية واجتماعية تزيد من العنف، والغيرة والفصام والشخصية السيكوباتية، كلها أسباب لزيادة الجريمة؛ لأن الاضطرابات الشخصية تأتي بسبب الشعور بالرفض من قبل الأسرة. وأضافت الدكتورة إيمان: “من أسباب زيادة الجرائم الأسرية ارتفاع معدﻻت الكثافة السكانية واﻻزدحام، وانتشار العنف فى المجتمع المصرى عبر وسائل الإعلام والدراما وتراجع الدور الثقافى فى المجتمع، لأن تسليط الضوء على الجرائم يؤكد زيادة نسبة معدﻻتها، بالإضافة إلى الانفلات الأخلاقى، وحرب الخلافات الأسرية والأفكار المغلوطة، وكذلك التفسير الخاطئ لمعنى الحرية، مما يتسبب فى حالة من عدم اﻻستقرار والعيش فى صراعات، علاوة على تراجع المؤسسات الدينية عن الدور الفعال لها وبشكل يناسب العصر الحالى، وأيضا الاستخدام السلبى والسيئ للتطور الإلكترونى، ووسائل اﻻتصال الحديثة. صعوبات اقتصادية يقول الدكتور عبد الرحمن حماد، رئيس وحدة الإدمان بمستشفى العباسية للصحة النفسية: “هناك تزايد في حوادث القتل الأسري، وهذا يمكن أن يرصده أي شخص مراقب، ولكن هل وصل الأمر إلى حد الظاهرة، لا استطيع أن أقول ذلك”. ويضيف استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان: “لا يمكن إن يتم الاعتماد على تخصص واحد لتفسير تزايد هذه الحوادث، فالتفسير النفسي، أو الاجتماعي، أو الاقتصادي وحده لا يكفي، ولكن يجب الاعتماد على كل التخصصات ذات الصلة للوصول إلى رؤية واضحة لأسباب تزايد هذه الجرائم”. ويوضح أن “هناك صعوبات اقتصادية تواجه الأسر، وتزايد لظاهرة العنف داخل المجتمع، وقد يرى البعض أن هناك تزايداً في الاهتمام بالأمن السياسي على حساب الأمن الاجتماعي. كل هذه الأسباب مطروحة ولا يمكن أن نعتبر أن سببا واحداً منها هو الذي أدى إلى تزايد هذه الجرائم”. أجندة إعلامية الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية بالقاهرة، يقدم تفسيرا مختلفا، ويرى “أن الإعلام يبدو كأن لديه أجندة تركز على الحوادث، وتجعلها تحظى بأولوية خاصة، وقد يكون ذلك لإبعاد الناس عن الحديث في الأمور السياسية”. ويقول صادق”: “هناك مشكلة في تغطية الجريمة بالإعلام المصري، فيبدو الأمر كأن هناك أجندة للتركيز على هذه الحوادث، لإلهاء الناس عن الأمور السياسية. ومع هذا، فإن تفسير الحوادث على أنها نتيجة الأوضاع السياسية، ليس منطقيا. فعلى سبيل المثال إذا اقتحم شخص مصرفاً، هو لا يفعل ذلك لأنه غاضب من سياسة الحكومة، ولكن يفعل هذا لأنه سارق أصلاً”. ويضيف أستاذ علم الاجتماع: “صحيح أنه من الممكن أن تتسبب السياسات في خلق أوضاع اقتصادية تؤثر على الأشخاص من غير المجرمين، فترتفع معدلات التحرش، والانتحار، والقتل بسبب شجارات الأسرة. بعض الأشخاص يقومون بقتل أفراد أسرتهم، ثم ينتحرون لأنهم يكونون خائفين عليهم من المستقبل، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، ويتصورون أنهم بذلك يحمونهم من أوضاع مستقبلية سيئة”. “لكن هناك سؤال: هل يمكن أن تكون السياسات التي تم تنفيذها خلال السنوات الماضية هي التي تسببت في ارتفاع معدلات القتل داخل الأسرة المصرية؟ ويشير صادق إلى أن هذا التدهور “قد يكون أدى إلى التركيز على الأمن السياسي بهدف القضاء على الفوضى، مما أثر على الأمن المجتمعي”، مضيفا “قد يلجأ البعض إلى نظرية المؤامرة، ويقول إن هذه الفوضى والجرائم من مصلحة الحكومة. الثقافة والأخلاق ويقول جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية، إن الانتشار الواسع لمُعدلات الجريمة خلال السنوات الأخيرة نتيجة طبيعية لانهيار الثقافة والأخلاق في مصر بسبب ما طرأ من متغيرات على المجتمع المصري. موضحًا أن انحدار العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع وبعضه، وانحدار العلاقة داخل الأسرة الواحدة، فضلًا عن؛ الانحدار في القيم الدينية والقيم الأخلاقية في العمل، أدى إلى زيادة مُعدلات الجرائم وبشاعتها وتحول مصر إلى “دراكولا متعطش للدماء” فى كل منزل. إحصائيات مفجعة الإحصاءات العالمية تؤكد أن معدلات الجريمة في مصر تضاعفت مُنذ 5 سنوات أو يزيد، حيث احتلت مصر المركز الخامس عربيًا، بعد دول؛ سوريا والصومال وليبيا والعراق، في مؤشر الجريمة العالمي لعام 2017، بحسب ما أكده التصنيف السنوي لقاعدة البيانات العالمية “نامبيو”، المعني بترتيب 125 دولة حسب معدل الجريمة فيها، مُشيرًا إلى أن مصر جاءت في المرتبة ال38 عالميًا من حيث المعدلات المرتفعة لمستوى الجريمة بأشكالها المختلفة. كما تؤكد الإحصاءات الحكومية ارتفاع معدلات الجرائم، حيث كشف تقرير لقطاع مصلحة الأمن العام، حول معدلات الجريمة فى مصر، ارتفاع معدلات الجرائم بشكل عام خاصة القتل والسرقة بالإكراه وسرقة السيارات، بعدما ارتفعت نسبة الزيادة فى معدل جرائم القتل العمد نحو 130%، أما معدلات السرقة بالإكراه فقد زادت بنسبة 350% بعد تسجيلها ألفان و611 جريمة، أما سرقة السيارات فقد زادت بنسبة 500%.