بعد فترة من التراجع بشأن ملف اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، مطلع أكتوبر 2018م، جددت تركيا الاهتمام العالمي بالقضية ب3 وسائل: “الأولى” نشر مقطع فيديو جديد تم تسريبه حول نقل جثمان خاشقجي من القنصلية إلى بيت القنصل. و”الثانية” إصدار كتاب جديد يوثق الأدلة التي تؤكد تورط النظام السعودي في الجريمة ويكشف عن تفاصيل جديدة لم تذكر من قبل. أما الوسيلة الثالثة فتتعلق بتجديد التوجهات التركية نحو تدويل القضية في ظل تعنت الجانب السعودي وعدم تعاونه مع السلطات التركية أو حتى احتجاز المتورطين الذين ثبت أنهم يعيشون بشكل طبيعي في بيوتهم، وإن كانت السلطات نصحتهم بالابتعاد عن الأضواء؛ تسترًا على حرية تنقلهم وعدم التحقيق معهم كما تزعم الرياض. وفي تأكيدٍ للعزم على إعادة القضية التي يُراد لها أن تموت دون محاكمة المتورطين الفعليين ومن أصدر الأوامر بالقتل لهم، أفردت قناة الجزيرة مساحات واسعة لتناول هذه المستجدات بالرصد والتحليل، ومدى تداعيات ذلك على تطلعات الأحرار في العالم لمحاكمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي تلاحقه الاتهامات والأدلة بالتورط بشكل مباشر في الجريمة، كما خلصت إلى ذلك تقارير المخابرات المركزية الأمريكية ومجلس الشيوخ. تفاصيل الفيديو الجديد سربت تركيا لقطات مسجلة من كاميرات المراقبة تظهر فريق اغتيال الصحفي جمال خاشقجي ينقل حقائب يعتقد أنها تحوي جثته من القنصلية السعودية إلى منزل القنصل. ويظهر في الصور الجديدة، قائد فريق الاغتيال ماهر المطرب، وهو ينزل من السيارة “الفان” السوداء التي نقلته وبعض أعضاء فريق الاغتيال من القنصلية السعودية إلى بيت القنصل. وأظهر الفيديو قيام عدد من الأشخاص بتنزيل حقائب من الحافلة الصغيرة إلى داخل منزل القنصل السعودي، والتي يعتقد أنها كانت تحوي جثة خاشقجي. الدبلوماسية المتوحشة وقد نشرت صحيفة “ديلي صباح” التركية تفاصيل جديدة عن مقتل خاشقجي، نقلا عن كتاب “الدبلوماسية المتوحشة: الأسرار المظلمة لجريمة خاشقجي”. الكتاب ينتهي إلى أن ما يتعلق بكيفية التخلص من جثة خاشقجي عبر تذويبها في حمض، تقوم على استنتاجات لا أدلة، خصوصًا وأن الجثة اختفت تمامًا، وتمارس الرياض تهربًا من الأسئلة الملحة حول مكانها. الكتاب يفرد مساحة لا بأس بها بتفاصيل جديدة حول عملية تنظيف مسرح الجريمة التي تمت على ثلاث مراحل: الأولى من قبل المنفذين أنفسهم وكان تنظيفًا سطحيًّا. والمرحلة الثانية نفذها موظفو السفارة مساء يوم الإعدام. أما المرحلة الثالثة فهي التنظيف الحقيقي والمفصل، والذي تم بعد تسعة أيام من ارتكاب الجريمة مع وصول خبيرين في هذا الشأن إلى القنصلية من ضمن فريق مؤلف من 11 شخصا للمساعدة في التحقيق، وهما الخبير في علم السموم خالد يحيى الزهراني، والخبير الكيميائي أحمد عبد العزيز الجنوبي، اللذان يعرفان بمصطلح استخباراتي ب”المطهرين”، وأن عملية التنظيف الأخيرة استغرقت أسبوعا. وكان جزء من فريق الاغتيال موجودًا هناك بالقنصلية فقط، في حين بقي الجزء الآخر من الفريق في بيت القنصل، وثلاثة أشخاص فقط هم من نقلوا أشلاء الجسد من القنصلية لمنزل القنصل. الكتاب جاء بعدة معلومات جديدة: “الأولى” تأكيد أن التحقيقات تقترب من نهايتها، حيث كشف الكتاب عن هوية اثنين آخرين من أفراد الأمن في القنصلية السعودية ساعدا فريق القتل في اغتيال خاشقجي، هما سعد القرني ومفلس المصلح، اللذان يتبعان للمخابرات السعودية. “الثانية” أن الكتاب كشف عن تسريب صوتي ناقش فيه ماهر المطرب وصلاح الطبيقي وثائر الحربي خيارات اختطاف خاشقجي أو قتله قبل ساعة من وصوله إلى القنصلية. وهو المقطع الذي أقنع مديرة المخابرات التركية بتورط محمد بن سلمان في الجريمة. أما الثالثة فنقلا عن مصدر سري، أن الطبيب الشرعي صلاح الطبيقي المتهم بتقطيع جثة خاشقجي، ليس معتقلا في السعودية ويعيش في فيلا بجدة مع عائلته، وأن السلطات السعودية طلبت منه الاختفاء عن الأضواء. وأكد المصدر ذاته أن هناك عددا من الأشخاص الذين ادعت السلطات السعودية أنهم معتقلون هم ليسوا رهن الاعتقال، ويمارسون حياتهم اليومية بشكل اعتيادي. إصرار تركي على التدويل أما الوسيلة الثالثة فقد قال وزير العدل التركي عبد الحميد غل، الأحد، إن بلاده تابعت قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بشكل ناجح قدّره العالم. وفي حديث مع قناة “سي إن إن ترك”، قال غل: إن تركيا ستتابع هذه القضية على مستوى الأممالمتحدة والمجتمع الدولي. وأضاف وزير العدل التركي أن بلاده لن تسمح بإغلاق قضية اغتيال خاشقجي، مؤكدا أنها ستتابع حتى النهاية هذه الجريمة التي استهدفت حياة إنسان. وكان وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو أشار- في وقت سابق- إلى احتمال طلب تحقيق أممي في القضية، لكنه أوضح أن ذلك يتطلب موافقة أعضاء مجلس الأمن الدولي.