اختتم قادة وزعماء الدول الأفريقية، مساء الاثنين، بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، القمة ال31 للاتحاد الإفريقي. ومنحت نتائج قمة نواكشوط دفعة لملف إقامة منطقة التجارة الحرة في أفريقيا، إلى جانب صدور توصيات في العديد من الملفات الساخنة بالقارة السمراء. وقال رئيس رواندا، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي، بول كاجامي، خلال مؤتمر صحفي في ختام القمة، إن منطقة التجارة الحرة تُعد أبرز ما ميز قمة نواكشوط. وأشار إلى توقيع 5 دول جديدة على اتفاقية التجارة الحرة، خلال قمة نواكشوط، ليبلغ مجموع الدول الموقعة 49 دولة، من أصل 54 دولة. ولفت إلى أن إنشاء منطقة تجارية حرة في أفريقيا، ستكون له انعكاسات كبيرة على ازدهار القارة المثقلة بالحروب والنزاعات، من دون تحديد موعد التنفيذ. وفي ختام القمة، أصدر مجلس الأمن والسلم بالاتحاد الأفريقي جملة من التوصيات بشأن العديد من الملفات الساخنة، وتشمل ليبيا والصومالوجنوب السودان وأفريقيا الوسطى ومالي. وعقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الاثنين على هامش مشاركته في القمة، قمّة مصغّرة مع نظرائه في مجموعة دول الساحل الخمس تمحورت حول سبل التصدي للجماعات المسلحة التي شنّت في الأيام الأخيرة هجمات دموية عديدة. وأوصى المجلس، في بيان له عقب القمة، بمواصلة جهود واتصالات اللجنة رفيعة المستوى المعنية بليبيا، مع أصحاب المصلحة الليبيين والجهات الفاعلة الدولية بهدف التوصل إلى توافق واسع للآراء حول المبادرات التي يتعين اتخاذها،والأهداف التي ينبغي تحقيقها، تنفيذًا لخطة الأممالمتحدة بهدف الحفاظ على استقلال ليبيا وسيادتها ووحدتها واستقرارها. وحذر البيان نفسه من أن الوضع الإنساني في جنوب السودان يتدهور بشكل كبير مع تصاعد القتال في معظم أنحاء البلاد، ودعا أطراف النزاع إلى الوفاء بالتزاماتها، وأن تقبل بحسن نية اقتراح مد الجسر، معربًا عن دعمه لفرض إجراءات عقابية على من يعرقلون الجهود الرامية إلى تحقيق السلام والمصالحة. وأكد المجلس دعم الاتحاد الأفريقي لحكومة الصومال الاتحادية في أنشطتها لتنفيذ المرحلة الانتقالية، مجددًا دعوته للأمم المتحدة لتمويل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال وقوات الأمن الصومالية بشكل يمكن التنبؤ به، ومستدام من المساهمات المقدرة للأمم المتحدة. وأشادت القمة بالتزام حكومة إثيوبيا الأخير بتنفيذ "اتفاق الجزائر" للسلام الذي وقعته مع إريتريا في أعقاب انتهاء الحرب بين البلدين، و"موافقتها الكاملة" على قرار لجنة الحدود الإريترية الإثيوبية. وأشارت القمة إلى أن الحالة في أفريقيا الوسطى لم تشهد أي تطور مشجع، حيث تضاعف خلال الفترة بين مارس وأبريل ومايو 2018، العنف في بضع مقاطعات من البلاد، والعاصمة بانغي، معربة عن دعمها الكامل لسلطات أفريقيا الوسطى في جهودها لاستعادة النظام والسلطة في جميع أنحاء البلاد، وإعادة الإعمار الشامل للبلد. ملفات ملغومة لم تفلح القمة في علاج الملفات المحورية، كأزمة المهاجرين الذين يعبرون الصحاري للوصول إلى أوروبا. وهو ما حاول الرئيس الفرنسي ماكرون إقناع بعض الدول الأفريقية بقبول فكرة فتح مراكز لإيواء وفرز المهاجرين الذين يعبرون منطقة الصحراء، على أراضيها. وأسست منظمة الوحدة الأفريقية في 1963 بهدف توحيد الشعوب الأفريقية وبعث روح التضامن بينها. وهي تضم حاليا جميع الدول الأفريقية (55 دولة) المعترف بها دوليا. وكان يطلق عليها اسم "منظمة الوحدة الأفريقية "لكن في العام 2002 غيرت اسمها وتحولت إلى "الاتحاد الأفريقي". لعبت هذه المنظمة في بداية تأسيسها دورا كبيرا في مساعدة العديد من حركات التحرر في القارة السمراء، فيما وقفت إلى جانب سكان جنوب أفريقيا، وعلى رأسهم نيلسون مانديلا، في نضالهم ضد التمييز العنصري.
لكن إنجازات هذا الاتحاد تبقى محدودة جدا. وبالرغم من أنه يحاول أن يستلهم من الاتحاد الأوروبي في طريقة تسيير شؤونه السياسية والدبلوماسية، إلا أنه لا يتمتع بشعبية كبيرة ويواجه انتقادات كثيرة من قبل الشعوب الأفريقية التي تتهمه بإيواء رؤساء دكتاتوريين استولوا على الحكم مدى الحياة، وبالتقاعس عن محاربة الفساد، وعدم معاقبة المتورطين فيه، وبعدم الدفاع عن حقوق الإنسان فضلا عن قمع الحريات.
إصلاح الاتحاد الإفريقي يرى المتتبعون للشؤون الأفريقية أن الاتحاد الأفريقي بحاجة إلى إصلاح واسع لهيئاته ومؤسساته الداخلية إذا أراد أن يلعب دورا محوريا في حل المشاكل التي تعاني منها القارة الأفريقية، أو أن يكون طرفا قويا في المحادثات الدولية ومع الولاياتالمتحدة. وقد بادر رئيس رواندا بول كاغامي الذي تترأس بلاده حاليا الاتحاد الأفريقي بخطة إصلاح ترتكز على ثلاث نقاط أساسية: النقطة الأولى تتمثل في توفير التمويل الكافي لهذه المنظمة لكي تسير شؤونها ومشاريعها بنفسها دون أن تطلب في كل مرة الدعم المالي من الاتحاد الأوروبي, أو من الأممالمتحدة. يُذكر أن حسب المجموعة الدولية للأزمات، لم تتجاوز في 2017 نسبة المشاريع الممولة من قبل الاتحاد الأفريقي 14 بالمائة. وهي نسبة أقل ما يقال عنها بأنها ضعيفة وبعيدة عن الهدف المسطر في البداية والمتمثل في بلوغ 75 بالمائة من التمويل في حلول 2020. النقطة الثانية التي يتضمنها مشروع رئيس رواندا الإصلاحي هو إنشاء سوق أفريقية موحدة والسماح للمنتجات والأشخاص بالتنقل بين بلد إلى آخر بكل حرية. ويعتقد بول كاغامي أن مثل هذا المشروع بإمكانه أن يجلب أموالا كثيرة للمنظمة ويعزز من اقتصاد أعضاء الاتحاد. من جهته، اقترح رئيس البنك الأفريقي السابق الرواندي رونالد كباروك فرض ضريبة نسبتها 0.2 بالمائة على جميع المنتجات التي تأتي من خارج الدول الأفريقية.
أما الاقتراح الثالث فيكمن في إنشاء قوة عسكرية أفريقية مشتركة تتدخل في حال وقوع نزاعات بين الدول الأعضاء أو للحفاظ على السلام على مستوى القارة. وتجدر الإشارة إلى أن جل عمليات حفظ السلام في القارة السمراء تتكفل بها قوات الأممالمتحدة أو بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا وبلجيكا. وبالرغم من وجود عدد كبير من الدول الأفريقية التي تساند خطة بول كاغامي (حوالي 21 بلدا) إلا أنه يبدو من الصعب في الوقت الراهن أن تتحول هذه الخطة إلى حقيقة واقعية في المستقبل القريب.
فإضافة إلى رفض بعض الدول التي تنتمي إلى فضاء الكومنويلث دفع ضريبة على منتجات قد تستوردها من بلدان غير أفريقية، تملك دول أخرى وزنا ثقيلا داخل الاتحاد مثل جنوب إفريقيا والجزائر والمغرب ونيجيريا ومصر. وهي غير متحمسة إزاء هذا المشروع وبإمكانها أن تهدد بتقليص نسبة التمويل الذي تقدمه لهذه المنظمة والذي وصل إلى 60 بالمائة.
أما المشكلة الثانية التي يمكن أن تعيق خطة الإصلاح فتتمثل في وجود عدة منظمات ثانوية (حوالي 10 منظمات) ترتبط بالاتحاد الأفريقي، من بينها منظمة وحدة المغرب العربي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ومنظمات جهوية أخرى. كل هذه الكيانات المتشعبة جعلت الاتحاد الأفريقي يظهر كمنظمة بيروقراطية بعيدة عن اهتمامات الشعوب الأفريقية التي تموت من الفقر أو في البحار والصحاري. كما تبدو أيضا مصر التي ستترأس الاتحاد الإفريقي في 2019 غير متحمسة لتنفيذ خطة كاغامي الإصلاحية.