صدر بحث عن مركز دعم التحوّل الديمقراطي وحقوق الإنسان "منظمة مجتمع مدني مصرية"، والذي أكد على أن مسألة الحبس الاحتياطي في مصر قضية ذات أهمية كبرى، لخطورتها على حرية الأفراد، خصوصاً في ظلّ إفراط القضاء المصري في اتباع هذا الإجراء بعد 30 يونيو2013؛ ليتحول إلى ما يشبه نوعاً من العقوبة. وبحسب البحث فإن السجون المصرية مليئة بالمحبوسين احتياطياً على ذمّة تحقيقات أو محاكمات من دون صدور أحكام ضدهم، وقد تطول فترة الحبس الاحتياطي هذه إلى سنوات، قبل أن يعرض المحبوس أمام قاضٍ موضوعي، على الرغم من أنّ أقصى مدة حبس احتياطي يسمح بها القانون لغير المحكوم عليهم هي 24 شهراً. ويؤكد البحث أنّه في ظلّ الممارسات الأخيرة تحوّل الحبس الاحتياطي من إجراء تحفظّي إلى عقوبة سياسية، وهو ما يعكس فشل المؤسسات الأمنية في بناء قضايا يستحقّ النظر فيها أمام قاضٍ موضوعي، كما يعكس من جانب آخر استسهال انتهاك القانون من دون أي رادع. تشريع العسكر وفي مارس الماضي، أقرت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب مواد قانون الإجراءات الجنائية الخاصة بالحبس الاحتياطي، حيث تقضي مواد القانون بأن مدة الحبس الاحتياطي قد تصل إلى عامين، وهو ما وصفه قانونيون بأنه سلب وتقييد للحرية، وعقوبة مسبقة قد يثبت بعدها براءة المتهم، وعندها تكون فترة حبسه هباءً، مؤكدين أنه كان يجب تقنين الحبس الاحتياطي بما يضمن ضبط الدواعي القانونية والمدة الزمنية؛ لجعل أمر الحبس متوافقًا مع قرينة البراءة. وبخلاف تعارض مواد القانون مع مبدأ أن الأصل فى الاتهام البراءة، فإنه لا يوجد تعريف محدد للحبس الاحتياطي في قانون الإجراءات الجنائية بخلاف ما جاء في تعليمات النيابة العامة على أنه إجراء من إجراءات التحقيق، ولأن الحبس بمختلف صوره إجراء من شأنه سلب حرية المتهم خلال فترة التحقيق، فقد اتفق خبراء القانون على أنه عقوبة لا يجب إقرارها إلا من خلال حكم قضائي واجب النفاذ. 30 ألف احتياطي ويقدّر رئيس لجنة حقوق الإنسان في برلمان العسكر، علاء عابد، أن عدد المحبوسين احتياطياً في مصر حتى يناير 2018، يتراوح بين 25 إلى 30 ألف سجين من إجمالي عدد السجناء الذي يقارب 65 ألفاً، كذلك، تشير تقارير وإحصاءات المنظمات الحقوقية المصرية والدولية إلى أنّ حالات الحبس الاحتياطي وصلت لعددٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر. ومن أبرز المحبوسين احتياطياً، المحبوسين على ذمة قضايا منها رابعة ومسجد الفتح التي كان فيها نحو 480 محبوس احتياطيا فضلا عن عبد المنعم أبو الفتوح، وهشام جعفر، وإسماعيل الإسكندراني، والمدوّن البارز وائل عباس والمحامي وناشط المجتمع المدني هيثم محمدين، وشادي الغزالي حرب، والمدوّن محمد أكسجين، والناشط شريف الروبي، والكوميدي شادي أبو زيد، والناشطة أمل فتحي. الولا حاجة وبحسب ورقة موقف صادرة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في مايو الماضي حول الحبس الاحتياطي، قالت الشبكة، إن "الحبس الاحتياطي بات أمرا طبيعيا للمتهمين، لكن غير الطبيعي وغير القانوني، أن يسأل المتهم عن الجماعة المحظورة التي يتهم بالانتماء إليها، أو الأخبار الكاذبة التي نشرها، أو الأعمال المجرمة التي يروج لها أو يحرض عليها، فلا يجد إجابة، ويتم الحبس انتظارا لتحريات الأمن الوطني. أي يظل مسجونا لحين تحديد الاتهام". وأكدت الشبكة الحقوقية، في تقرير بعنوان "سجناء الولا حاجة"، أن "القاعدة القانونية أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تكفل له فيها كافة الحقوق والضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه، والأصل في كل إنسان البراءة، ولا يجوز الانتقاص من هذا الأصل إلا بتوافر أدلة أو قرائن كافية على ضلوعه في أرتكاب أي أفعال معاقب عليها قانوناً، ويكون هذا الانتقاص في أضيق الحدود ووفقاً لضرورات تقتضيها محاكمته العادلة والمنصفة، وقرينة البراءة منصوص عليها في الدستور المصري والمعاهدات الدولية، ولا يمكن تصور الالتفاف عليها أو تجاهلها في أي نظام قضائي يحترم التشريعات الوطنية والدولية". وكفل الدستور المصري في مادته 54، الحرية الشخصية كحق طبيعي، وحظر المساس بها إلا بإذن قضائي، وألزم الجهات القائمة على إنفاذ القانون بضرورة إبلاغ كل من تقيد حريته بالاتهامات الموجهة له، وأن يمكّن من الاتصال بذويه وبمحاميه، وأن يقدم لسلطات التحقيق خلال 24 ساعة من وقت تقييد حريته. الاحتياطي مفتوح وفي جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة التحقيق الابتدائي وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر في الجنح، وثمانية عشر شهراً في الجنايات، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد أو الإعدام. وفي نهاية سبتمبر 2013 قبل الطرطور عدلي منصور مسودة التشريع التي أعدها وزير العدل الأسبق عادل عبد الحميد بتغيير نص الفقرة الأخيرة من المادة (143) من قانون الإجراءات الجنائية، والتي كانت تنص فيما سبق على أن "مدة الحبس الاحتياطي في مرحلة النقض للمحكوم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد لا تتجاوز السنتين" لتصبح "يجوز لمحكمتي النقض والجنايات أن تأمرا بحبس المتهم احتياطيًّا لمدة 45 يومًا قابلة للتجديد" دون التقيد بالمدد المنصوص عليها في المادة (143). وأصبح الحبس الاحتياطي بعد هذا التعديل مفتوحًا وغير محدد المدة في الجرائم التي تصل عقوبتها إلى المؤبد أو الإعدام، إلا أنه ظل مقيدًا بأن تكون المحكمة هي التي تتخذ قرار الحبس الاحتياطي المفتوح، إما محكمة الجنايات أو محكمة النقض.