صادف، أمس الأحد 27 مايو، الذكرى ال68 لأول انقلاب عسكري نفَّذه الجيش في تاريخ تركيا، ضد الحزب الديمقراطي الذي كان يقوده رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس، والذي أُعدم عام 1961 على يد الانقلابيين، ففي صباح 27 مايو عام 1960 تحرّك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، تمكّن الجيش من خلاله من السيطرة على الحكم. انقلاب عسكري بلا أي مقاومة من مندريس أو الرئيس جلال بيار، ثم محاكمات استمرت عاما يرى كثير من موثقي تلك المرحلة أنها كانت قاسية، إذ فارق خلالها نحو عشرة أشخاص الحياة تحت التحقيق، بينما انتحر واحد لسوء المعاملة. المشنقة كانت نهاية مندريس، التي لم يوافق عليها الشعب، الشعب ذاته الذي جرى استقطابه بحدة قبل الانقلاب، لكنه لم يتصور أن يعلق رئيس وزراء ذي شعبية واسعة بحبل المشنقة، ومع ذلك لزم الصمت، شهيد الأذان "علي عدنان ارتكين مندريس"، الرجل الذي وقف أمام الطوفان وسبح ضد التيار، وتحدى كل الصعاب، وقدم حياته رخيصة ليعيد لتركيا إسلامها. ولد عدنان مندريس عام 1899 بتركيا، وشارك في الحياة السياسية وانضم لحزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك ليحمل الفكر العلماني الذي حكم تركيا بعد سقوط الخلافة العثمانية، وظل مندريس في حزب أتاتورك وترشح في الانتخابات نائبا عنه، وفي عام 1945 انفصل عدنان مندريس هو وثلاثة من رفقائه وأسسوا الحزب الديمقراطي، وبدأ مندريس مرحلة جديدة ومختلفة من نضاله السياسي لإعادة تركيا إلى مسارها الصحيح. لم تكن كل هذه الإنجازات العظيمة التي قام بها مندريس لتمر هكذا على اليهود ودول أوروبا، التي بذلت كل الجهود لتتحول تركيا من دولة مسلمة إلى دولة علمانية، لذلك تحالف أعداؤه ضده في الداخل والخارج وتم تدبير الانقلاب ضده. فبدأ حزب الشعب الجمهوري يصنع له الاضطرابات والقلاقل، وفي عام 1960 تحرك الجيش التركي بقيادة "جمال جورسل" وأعلن الانقلاب على مندريس في مايو 1960، وتم تجميد حزبه والقبض عليه، وحكم عليه بالإعدام شنقا بتهمة رفع الأذان بالعربية، وتحويل تركيا من العلمانية إلى الإسلام، ومحاولة إعادة الخلافة، وتم تنفيذ حكم الإعدام في سبتمبر 1961، ليختم عدنان مندريس حياته ختاما مشرفا بمقولته الخالدة "وأنا على أعتاب الموت أتمنى السعادة للوطن وللأمة". شهدت تركيا في عهد مندريس عددًا من الاضطرابات المتتالية، كان من بينها اعتقال معارضين وضباط بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم، أما حالة الاستقطاب فدفعت قياديين بالمعارضة للتلويح للجيش كي يتخذ أمرا على غرار ما جرى في انقلاب كوريا الجنوبية بالقول: "إن الجيش التركي لا يقل شرفا عن الكوري". الضابط الطيار السابق مسعود حقي جاشن، قال إن الحزب الديمقراطي كان صاحب الأغلبية الكاسحة في البرلمان واتخذ قرارات مخالفة للدستور، في فجر ذلك اليوم من عام 1960، تقول ناظلي إليجاك: كان جزء من الشعب يعتبر انقلاب الجيش نصرا له، حتى إن أعضاء في حزب الشعب الجمهوري تعاونوا مع الجيش للإبلاغ عن أعضاء الحزب الديمقراطي للقبض عليهم. وفي 15 سبتمبر 1961، وهو اليوم المفترض للمرافعة الأخيرة للدفاع عنه، فوجئ الجميع بإلغاء المرافعة وصدور الأحكام على 590 متهما، في مقدمتهم جلال بيار رئيس الجمهورية، ومندريس رئيس الوزراء، وحكم بالإعدام على مندريس بين 15 متهما، لكن الرئيس بيار خفف الحكم عليه إلى المؤبد بسبب كبر سنه. وعلقت ناظلي إليجاك بأن الجيش فرض على القاضي أحكام الإعدام وإلا سيحاكم هو مع المتهمين. لم يكن مندريس يعلم بالحكم حين كتب في يومياته داخل السجن "ليتني لم أترك مدينتي آيدين، وليتني لم أعمل في السياسة، لئن خرجت من هنا لأذهبن إليها وأترك السياسة، وأجلس تحت أشجارها وأقطف من ثمارها".