يحتفل الأزهر الشريف اليوم الأربعاء، بمناسبة مرور 1078 عامًا هجريًا على تأسيس الجامع الأزهر الشريف، تحت عنوان "ألف عام من العطاء" والذي يوافق السابع من شهر رمضان المبارك من كل عام. ومن المقرر أن ينعقد على هامش الاحتفال عدد من الفعاليات تتضمن : حلقات تعريفية بيوم افتتاح الجامع الأزهر وإقامة أول صلاة جمعة فيه، إضافة إلى جولة سياحية داخل الجامع الأزهر، وكذلك إقامة ركن خاص بعام القدس 2018 وآخر للمواهب الأزهرية الشابة، وثالث للأطفال، إضافة إلى حفل إفطار جماعي. وظل الأزهر قلعة الإسلام الحصينة عبر عشرة قرون وكان الجامع الأزهر منارة تمثل الدعوة والعمل السياسي وقد ظل صرحاً شامخاً يتميز بالوسطية والاعتدال في الفكر والثقافة. وقد كان الأزهر يمثل العمل السياسي في عصر المماليك والدولة العثمانية حتى بداية عصر محمد علي باشا الذي ألغى دوره السياسي. وقد ظل الأزهر يقاوم الاحتلال ؛ فاستطاع الأزهريون مقاومة الحملة الفرنسية . وكان لهم دور أيام ثورة سعد زغلول ، كما كان للأزهر دوره الرائد في بعث النهضة الإسلامية في الجزائر. كما تصدى عدد كبير من علماء الأزهر للدور الخطير الذي كانت تقوم به المدرسة الأوروبية في الأدب. ومن هؤلاء العلماء الذين قاوموا هذ الفكر الأوروبي مصطفى صادق الرافعي، والمنفلوطي، ونظراً لتراجع دور الأزهر ظهرت بعض الحركات الإسلامية بفصائلها. وعلى الرغم من ذلك ظلَّ الأزهر المرجعية الوحيدة للعالم الإسلامي ، ونتيجة للحصار الذي فرضه عليه من قبل محمد علي باشا ثم جمال عبدالناصر الذي نهج نهجاً آخر تحت ستار التطوير والتحديث ،تم تقليص دور الأزهر وتراجع نفوذه. وبذلك ضربت ثورة 1952 اقتصاد الأزهر وريعه الذي كان يدر للأزهر ثمانية ملايين جنيه سنوياً مما جعل علماء الأزهر يتقاضون راتبهم كموظفين في الدولة على حين بقيت أوقاف الكنيسة كما هي ، الأمر الذي جعل رجال الكنيسة يتميزون على رجال الأزهر في المستوى المعيشي. ولقد ظل للأزهر دوره الرائد في التصدي لحملات التغريب والعلمنة ، ففي عهد الشيخ عبدالحليم محمود تصدى رحمه الله للدكتورة عائشة راتب حينما أرادت تمرير قانون الأحوال الشخصية دون الرجوع إلى الأزهر ، وتضمن القرار قيودًا على حقوق الزوج خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية. ومما يدل على مكانة الأزهر وشيوخه ما قام به الشيخ عبد المجيد سليم "رحمه الله" النموذج والمثال في هذا الصدد ، فحين أقام الملك حفلاً راقصاً في قصر عابدين. وعلم الشيخ بذلك وكان وقتها مفتياً للبلاد قبل توليه مشيخة الأزهر ، فقال : لن أغضب الله في سبيل رضا الملك ، وأفتى بحرمة ذلك وعدم جوازه ، وكان له موقف آخر حين أراد الملك أن يستبدل ببعض أملاكه الجدباء أملاكاً أخرى من الأوقاف خصبة ، فرفض الشيخ واستمر على اعتصامه بالحق وبالله تعالى. أكذوبة تفريخ الإرهاب ولم يسلم الأزهر من حملات التشويه بزعم أن مناهجه وتراثه الفكري وأساتذته وعددًا من طلابه يدعمون الفكر المتشدد وأنَّ الأزهر راعي هذا الفكر، الذي يحث على كراهية الآخرين. وقال حسن نافعة رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة : إن كثيرين يشعرون بالحاجة الملحة إلى هذه المؤسسة في المستقبل، للحفاظ على الإسلام المعتدل في مواجهة الموجات الأخرى التي تقودها هيئات أكثر تشدداً وأقل جدارة بالثقة . وبدأت رياح التغيير تهب على أروقة الأزهر الحجرية قبل أشهر من الثورة التي أطاحت بمبارك في فبراير. وأضاف نافعة: إن الأزهر أدرك استحالة أن يستمر في العمل بنفس الطريقة التي كان يعمل بها في عهد مبارك، وإنه يرى رغبة قوية لدى الأزهر في العودة إلى زعامة العالم الإسلامي السني. السيسي والأزهر "تعَبْتِني .. يا مولانا" عبارة موجزة وجهها عبد الفتاح السيسي إلى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، خلال الاحتفال بعيد الشرطة 24 / 1 / 2017. هذه العبارة كانت تنطوي على العديد من الدلالات، وتكشف عن تباين متوطد في المواقف بين ما يستهدفه رئيس الدولة من تجديد للخطاب الديني، وما يتمسك به الأزهر من ثوابت يحرص عليها، ويرى في الخروج عنها مساسًا بقواعد مستقرة منذ مئات السنين. الكاتب الصحفي عامر عبد المنعم، تحدث أنَّ الأمر يأتي بالتحريض الحكومي الرسمي ضد الأزهر الشريف ليكشف عن حالة من الجنون أصابت النظام السياسي المصري، فالأزهر ليس حزبًا سياسيًا خصمًا للسلطة. وقال "عبد المنعم " فى تصريحات له ، لقد انتصر الأزهر على السيسي في معركة قانون الأزهر، وفشلت الحملة الحكومية التي تم التخطيط لها لتمرير التشريع الذي كان سيدمر المؤسسة الأزهرية العريقة ويفسدها، وفي اعتراف صريح بالهزيمة ذهب رئيس مجلس نواب الانقلاب إلى شيخ الأزهر في مكتبه واعتذر له، وأعلن أن مشروع القانون "صفحة وطويت". وأشار أن الأزهر لعب دورًا مهمًا في حياة المصريين، ولم يكن فقط مجرد مدرسة دينية، وإنما كان ملاذًا للمصريين في الكثير من المواقف التي عانى فيها الشعب من ظلم الحكام، حيث كان يلجأ إلى الجامع أصحاب الشكاوى لرفعها إلى رأس الحكم. تنظيم أم تخريب؟ ويستكمل .. مشروع القانون الذي تم تقديمه للبرلمان يكشف عن عقل شرير يتفوق على إبليس، فمواد القانون عبارة عن خطة استراتيجية صليبية ماسونية لهدم الأزهر وإعادة تشكيل المؤسسة لتتحول من تعليم الدين إلى محاربة الدين نفسه. يهدف القانون إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية أولها : انتزاع السيطرة على الأزهر من علماء الأزهر رغم مواقفهم السياسية المؤيدة للسلطة، وتسليم كل المفاتيح لعبد الفتاح السيسي، وثانيها: تفكيك المؤسسة وتقليص حجمها، وثالثها: الاستفادة من الاسم وإعادة توظيف الأزهر لخدمة الاستراتيجية الأمريكية الصهيونية وتقديم الإسلام بالطريقة التي ترضي الرئيس الأمريكي ترمب! السيطرة ونزع الصلاحيات أهم محاور القانون تجريد شيخ الأزهر من صلاحياته، وتحجيم دوره ليصبح رئيس الجمهورية هو الرئيس الفعلي للأزهر، ليجمع بين الزعامة السياسية والسلطة الدينية في وقت واحد، فرئيس الجمهورية هو الذي يعين الأعضاء ويختارهم في كل الهيئات الأزهرية، ففي المجلس الأعلى للأزهر وهيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وجامعة الأزهر يتم ترشيح الأسماء والرئيس هو الذي يختار من بينها، والترشيحات تأتي من هيئات ووزارات ومجالس هي في الأصل كلها بالتعيين. يضع القانون خطة محكمة للتحكم في عملية اختيار شيخ الأزهر وجعلها في يد رئيس الجمهورية، فالاختيار يتم من خلال اجتماع مشترك لهيئتي كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية وأعضاء الهيئتين يختارهما رئيس الجمهورية. تفكيك المؤسسة وتحجيمها كما يعمل القانون على تقليص حجم المؤسسة الأزهرية بتجريدها من دورها التعليمي، بانتزاع الكليات العلمية والأدبية من الأزهر وتتشكل منها جامعة جديدة باسم "الإمام محمد عبده للدراسات العلمية"، تخضع لإشراف المجلس الأعلى للجامعات ويسمح فيها بدخول غير المسلمين وهذا مطلب قديم للكنيسة المصرية منذ تولي البابا شنودة منصب البطريرك. وقف بناء المعاهد الأزهرية لمدة 15 عامًا تقليص عدد المعاهد الأزهرية (ما يزيد عن 9 آلاف) بالإبقاء على 3 آلاف معهد فقط ومصادرة الباقي وضمها إلى وزارة التعليم. تغيير الرسالة وتبديل الدين حدد القانون الدور الجديد للأزهر، وهو تدريس الإسلام بما يتماشى مع الاستراتيجية الأمريكية ل "مكافحة الإرهاب" وتوظيف الأزهر كأداة تؤدي دورًا لصالح الاستراتيجية الغربية لمواجهة ما يرونه "إرهابًا إسلاميًا" وإنهاء دوره في تعليم الإسلام داخليًا وخارجيًا. أما الدور الخارجي للأزهر حسب القانون الشيطاني هو استحداث هيئة للدعوة بالخارج وإحياء المراكز الإسلامية التي كان يرعاها الأزهر "لتحصين الجاليات المسلمة في دول العالم من الأفكار المتطرفة والتكفيرية والدعوات الهدامة"! الدعم السعودي للأزهر .. علامات استفهام!! المتابع لمسيرة تطور العلاقات بين السعودية والأزهر يجد أن العامين الماضيين فقط أولت فيهما الرياض اهتمامًا غير مسبوق بالأزهر ومؤسسته العريقة، تجسد في حزمة من المشروعات والمنح المقدمة من العاهل السعودي والتي جاء بها خلال زيارته الأخيرة. نستعرض هنا بعض هذه المشروعات والتي تتجاوز في مجملها ملايين الدولارات، ومنها : إعادة تأهيل مشيخة الأزهر الأثرية .. أولى المشروعات المقدمة من المملكة العربية السعودية والتي أفصح عنها سفير خادم الحرمين بالقاهرة أحمد القطان هي إعادة بناء وتأهيل مؤسسة الأزهر، حيث تم إعداد ميزانية مبدئية لبناء بعض أجزاء المسجد، وترميم البعض الأخر فضلاً عن التوسعة في بعض الجهات، إضافة إلى إعادة بناء مشيخة الأزهر الأثرية مع الحفاظ على سمتها التراثي المعروف. تمويل قناة "الأزهر" .. من المشروعات العملاقة التي تكفلت بها بلاد الحرمين دعمًا لمشيخة الأزهر ، تمويل قناة "الأزهر" المتحدث والناطق الرسمي باسم المؤسسة، والتي تم إنشاؤها مؤخرًا ك "بث تجريبي" دون تطويرها نظرًا لغياب التمويل اللازم لذلك. أداة لمواجهة التشيع قوبلت هذه المشروعات المقدمة من السعودية لدعم الأزهر ومؤسساته بالعديد من التساؤلات حول الهدف من ورائها في هذا التوقيت بالذات، وهل هناك نية مبيتة من قبل الرياض في فرض سيطرتها على مؤسسة الأزهر ؟ أم أن ما يحدث لا يخرج عن دائرة حزمة المساعدات التي تقدمها السعودية لمصر منذ انقلاب 2013 ؟