"قُم فى فَم الدُنيا وَحَى الأَزهَرا وَاِنثُر عَلى سَمعِ الزَمانِ الجَوهَرا وَاِجعَل مَكانَ الدُرِّ إِن فَصَّلتَهُ فى مَدحِهِ خَرَزَ السَماءِ النَيِّرا وَاِذكُرهُ بَعدَ المَسجِدَينِ مُعَظِّمًا لِمَساجِدِ اللَهِ الثَلاثَةِ مُكبِرا وَاِخشَع مَلِيًّا وَاِقضِ حَقَّ أَئِمَّةٍ طَلَعوا بِهِ زُهْراً وَماجوا أَبحُرا كانوا أَجَلَّ مِنَ المُلوكِ جَلالَةً وَأَعَزَّ سُلطانًا وَأَفخَمَ مَظهَرا هكذا قال الشاعر أحمد شوقى فى مدح الأزهر الشريف وعلمائه الذين كانوا أجل من الملوك مهابة وأعز سلطانًا وأفخم مظهرًا وكان لا يجرؤ أمير ولا سلطان أن يتقدم على شيخ الأزهر الشريف فكان يهابه الاحتلال ويخش غضبته الملوك والأمراء حتى تحول الزمان وأصبح دعاة وأئمة الأزهر الشريف يتحكم فيهم "مخبر" من مباحث أمن الدولة ويتحكم فى أرزاقهم وزير المالية السابق بطرس غالى حتى جاءت ثورة 25 يناير لتعيد للأزهر الشريف كرامته ومهابته. وفى الذكرى الأولى لثورة 25 يناير المجيدة نلتقى فضيلة الشيخ جمال قطب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقًا وأحد أبرز الدعاة الذين حاربوا من أجل استعادة هيبة ومكانة الأزهر الشريف حتى أجبر على التقاعد فى منزله لأكثر من 8 سنوات قبل أن يبلغ سن التقاعد. "المصريون" التقت بفضيلته فى منزله وسألناه عن معاركه من أجل تحرير الأزهر وخاصة المعارك القاسية التى خاضها مع شيخ الأزهر الشريف وضباط جهاز مباحث أمن الدولة المنحل ولواءات الرقابة الإدارية الذين كانوا يديرون الأزهر الشريف وسألناه عن أسباب ضياع هيبة ومكانة الأزهر وكيفية استعادتها، كما سألناه عن شهداء ثورة 25 يناير ومستقبل مصر فى ظل صعود التيارات الإسلامية والهجمة الشرسة من التيارات العلمانية والليبرالية فقال.. أولاً ثورة 25 يناير ليست ثورة بشرية بالوصف الذى تعرفه كتب التاريخ والثورات العالمية ولكنها معجزة إلهية لا شك فيها أنهت عصورًا من الظلم والفساد والاستبداد وأنهت حقبة من الزمان صار فيها الباطل حقًا والحق باطلاً. فضيلة الشيخ جمال قطب هناك من انتقد غياب الأزهر الشريف فى ثورة 25 يناير المجيدة فما ردك؟ هذا كلام غير صحيح وأكاذيب تروجها التيارات الليبرالية والعلمانية التى لا تريد للأزهر الشريف دورًا ولا لعلمائه وجودًا لأنهم الفئة الوحيدة المستفيدون من تغييب الدين وتجفيف منابع الأخلاق والتدين وعلماء الأزهر الشريف كانوا فى طليعة الثوار وصدورهم كانت أول صدور تلقت النيران الحية لجنود وضباط حبيب العادلى. ولكن الأزهر الشريف أصدر فتوى بتحريم الخروج صباح يوم جمعة الغضب؟ هناك فرق بين مؤسسة الأزهر كجهة رسمية تابعة للحكومة وعلماء الأزهر الشريف فإن كان شيخ الأزهر أو مفتى الجمهورية قد أفتى بحرمة الخروج فى يوم جمعة الغضب فهو يمثل المؤسسة الرسمية للأزهر التابعة للحكومة إلا أن علماء الأزهر الشريف أفتوا بغير ذلك وكانوا أول من خرج لميدان التحرير وكان علماء الأزهر الشريف يحاربون نظامًا لم يكن يخشى أحدًا ولم يكن يحترم آدمية أحد وكان ينتهك حرمات الدين والقانون بعد أن نجح فى طمس هوية الأزهر الإسلامية وهمش مناهجه ودمر جيلاً كاملاً من علمائه. ولكن ألا تتفق معى أن الأزهر الشريف فقد هيبته فى الآونة الأخيرة؟ نعم فى العقود الأخيرة فقد الأزهر هيبته ومكانته وكاد أن ينتهى دوره وتحول الأزهر الشريف إلى وزارة تابعة للحكومة وظيفتها إدارة مجموعة من المعاهد الأزهرية وتحول منصب شيخ الأزهر الشريف إلى منصب سياسى تابع للحكومة رغم أن شيخ الأزهر الشريف قبل ثورة يوليو 1952، كان يهابه الملك ويخشى غضبته الاستعمار وكان يقيل الوزارات وكان لا يجرؤ سلطان ولا ملك أن يتقدم على شيخ الأزهر رغم أن درجته الوظيفية فى ذاك الوقت كانت تعدل درجة مدير عام لكن بعد الثورة وتحديدًا فى عام 1961 قرر النظام الحاكم تسييس الأزهر الشريف، فجعل درجة شيخ الأزهر الشريف بدرجة رئيس الوزراء ومفتى الجمهورية بدرجة وزير ومدير الأوقاف بدرجة وزير، ومنذ هذا التاريخ بات شيخ الأزهر رمزًا غير فعال ورئيس وزراء مع إيقاف التنفيذ وأقحموا شيخ الأزهر فى الشأن السياسى وأجبروه على إصدار الفتاوى السياسية فضاعت هيبة ومكانة الأزهر الشريف. وما الأسباب التى أوصلت الأزهر الشريف إلى هذه المرحلة؟ تراجع دور الأزهر الشريف لعدة أسباب الأول هو تسييس منصب شيخ الأزهر وإقحامه فى السياسة والمشكلات الحكومية اليومية. والأمر الثانى تفتيت مؤسسة الأزهر الشريف إلى ثلاثة أشلاء تمثلت فى مؤسسة الأزهر الشريف الذى انحسر دوره فى إدارة المعاهد والكليات الأزهرية، ثم دار الإفتاء المصرية وأخيرًا وزارة الأوقاف التى استولت على أوقاف الأزهر الشريف وحرمته من أمواله الموقوفة من أهل الخير عليه للإنفاق على العلم والعلماء والجامع الأزهر الشريف ومعاهده الأزهرية وهذه الأمور أدت إلى تراجع دور الأزهر وظهور أصوات أخرى تتكلَّم باسم الدين دونَ عمقٍ أو تخصُّصٍ ونجحت بالفعل فى أن تحل محل الأزهر الشريف رغم أن ثلاثة أشلاء تتمثل فى: ريف إلى اليومية اجبروه على إصدار الفتاوى السياسية فهو بدرجة وزير ومدير الأوقاف بدرجة والأزهر الشريف هو مهبط العلم وقبلة العلماء على مدار أكثر من عشرة قرون وكان المؤسسة الوحيدة التى تنال احترام قادة العالم كله الغربى قبل الإسلامى فلا يعتد إلا بفتوى الأزهر الشريف ولا يسمعون إلا كلمة شيخ الأزهر. أما الأمر الثالث والخطير فقد تمثل فى تحكم الجهات الأمنية فى جميع أمور الأزهر الشريف لدرجة أن مكتب شيخ الأزهر الشريف كان يديره لواء من الرقابة الإدارية بعد أن كان يديره هيئة كبار العلماء فى مصر ليس هذا فحسب بل كان حتى قيام الثورة هناك مكتب لمباحث أمن الدولة بجوار مكتب شيخ الأزهر به ضابطان من أمن الدولة، وكان شيخ الأزهر لا يصدر قرارًا إلا بموافقتهما وفى وزارة الأوقاف كان نفس الأمر، حيث كان يدير الوزارة أكثر ممن ثلاثة لواءات ولا يستطيع وزير الأوقاف أن يصدر قرارًا إلا بعد عرضه على لواءات ومباحث أمن الدولة وكان يتم استبعاد أى إمام أو خطيب لا يرضى عنه الأمن رغم كفاءته. وهل كان أمن الدولة يتحكم فى عمل لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عندما كنت رئيسًا لها؟ أمن الدولة كان يتحكم فى كل شىء داخل الأزهر الشريف بما فيها قرارات شيخ الأزهر شخصيًا، وكان يتحكم فى كل التعيينات داخل الأزهر الشريف بما فيها تعيينات الدعاة والأئمة ومدرسى المعاهد الأزهرية، وحتى تعيين العمال كان يخضع لرقابة أمن الدولة وكان يتدخل فى جميع اللجان داخل الأزهر الشريف بما فيها لجنة الفتوى الأزهر الشريف وكان يتدخل فى كثير من الفتاوى وأنا أذكر أن مفتى الجمهورية لم يستطع إصدار فتوى تنص على تحريم تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل بضغط من النظام السابق. وقد تسببت هذه التدخلات غير الأخلاقية فى عمل لجنة الفتوى وشئون الأزهر الشريف فى خلافات كبيرة بينى وبين شيخ الأزهر الشريف السابق، ولذلك قررت الانسحاب وآثرت عدم الصدام مع شيخ الأزهر الشريف حفاظًا على صورة وهيبة الأزهر الشريف وأخذت إجازة مفتوحة دامت أكثر من 8 سنوات تفرغت خلالها للدعوة الإسلامية بعيدًا عن لجنة الفتوى بالأزهر. ومتى يعود الأزهر إلى مكانته؟ عودة الأزهر إلى مكانته وهيبته يستلزم عدة إجراءات أولاً: استقلال الأزهر الشريف استقلالاً تامًا ماليًا وإداريًا عن الحكومة وذلك لا يتم إلا باستقلال موازنة وأموال الأزهر الشريف حتى لا يكون الأزهر تابعًا للحكومة لأنه إن كان يتلقى أمواله من الحكومة فلابد أن تتحكم الحكومة فى قراراته، وقد رأينا فى حكومة أحمد نظيف كيف كان بطرس غالى يتحكم فى مؤسسة الأزهر الشريف وتمكن من تجفيف وتقليص موازنة الأزهر الشريف لأكثر من 50%، وكان يبتز الأزهر الشريف بإصدار الفتاوى السياسية التى تخدم مشروع التوريث الذى كان يقوده لصالح جمال مبارك. ثانيًا: جمع أشلاء مؤسسة الأزهر وعودة دار الإفتاء والأوقاف إلى مؤسسة الأزهر الشريف. ثالثا: تعديل قانون الأزهر الشريف بما يجعل الأزهر مؤسسة سيادية مستقلة عن الحكومة ماليًا وإداريًا على أن يشمل القانون الجديد تحديد موارد الأزهر المالية وإجراءات تنظيم انتخاب قيادات الأزهر الشريف والمعاهد والإدارات الأزهرية وانتخاب هيئة كبار العلماء بمشاركة جميع خطباء المساجد وأساتذة المعاهد الأزهرية والكليات وانتخاب شيخ الأزهر الشريف ومساعديه بالانتخاب الحر المباشر من بين هيئة كبار العلماء. وأخيرًا اتخاذ مجموعة من الإجراءات والقرارات الإصلاحية لإصلاح الأزهر الشريف مثل إصلاح المناهج الدراسية والمعاهد والكليات الأزهرية، وإعادة تأهيل المعلمين الأزهريين بعد أن طمس هويتهم النظام السابق. ومن أين ينفق الأزهر الشريف إذا لم يعتمد على أموال الموازنة العامة للدولة؟ لابد أن يستقل الأزهر الشريف ماليًا وإداريًا عن الحكومة وقد كان هذا حال الأزهر الشريف على مدار أكثر من 900 سنة ماضية، كان ينفق على نفسه من أموال الهبات والتبرعات والوقف الخيرى، ولم يكن يأخذ من الموازنة العامة للدولة مليمًا واحدًا، ولذلك لابد من عودة وزارة الأوقاف إلى الأزهر الشريف وعودة جميع الوقف الخيرى للأزهر لأن معظم الوقف الخيرى فى مصر كان من أجل الأزهر الشريف، وكان بغرض الإنفاق على العلم الشرعى والدعوة الإسلامية وهناك تقديرات تقدر أموال الوقف الخيرى فى مصر بنحو 40 مليار جنيه سنويًا. ولكن الكثير منا يعيب على الكنيسة استقلالها التام عن الحكومة ويطالب بإخضاعها ماليًا وإداريًَا لرقابة الدولة؟ هناك فرق كبير بين الأزهر والكنيسة فى هذا الشأن تحديدًا فالكنيسة مستقلة استقلالاً تامًا ومفرطًا عن الحكومة فلا تجرؤ الحكومة على مراقبة الكنائس ولا تجرؤ أن تُعين لها وزيرًا سياسيًا لتحاسبه عن مصدر دخل وإنفاق الكنيسة، وذلك بعكس الأزهر الشريف المكبل بالقيود الحكومية والمراقب ماليًا وإداريًا وأمنيًا لدرجة أن الأمن كان هو المتحكم الأول فى كل شئون الأزهر الشريف، وكان يسيطر سيطرة كاملة على المساجد والمعاهد والجامعات الأزهرية، وكانت تعرض عليه حتى خطب الجمعة، وهناك من الدعاة والأئمة وعامة المواطنين من ألقى القبض عليهم وزج بهم فى المعتقلات لمجرد أنهم ضبطوا متلبسين بالصلاة وإلقاء الدروس الدينية فى المساجد. وبالتالى فإن المقارنة صعبة بين الأزهر والكنيسة، فالأزهر مؤسسة مكبلة ومقيدة والكنيسة حرة طليقة تفعل كل ما تريد وتتلقى تبرعات من أى مكان وفى أى زمان، بينما الأزهر محاصر ماليًا وإداريًا وعاجزة عن مجرد إقامة الشعائر الدينية، والخلاصة أن مؤسسة الأزهر أفرطت فى عجزها حتى انصرف الناس عنها، والكنيسة تمادت فى حريتها وتجاوزها حتى ضج بها أهلها. معنى كلامك أن كلتا المؤسستين الدينيتين فشلتا فى رسالتهما؟ نعم فشل الأزهر الشريف فى أداء رسالته وفشلت الكنيسة رغم إمكاناتها المادية والإدارية فى احتواء رعاياها مما ترتب عليه شرخ الوحدة المصرية بما عرف بالفتنة الطائفية فى مصر. وهل ظهور الفتنة الطائفية كان بسبب فشل المؤسسة الدينية؟ نعم فشل المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية هو السبب الوحيد فى ظهور الفتنة الطائفية فى مصر والإسلام برىء من هذه الأحداث والتاريخ يؤكد أن الإسلام وصل مصر منذ 1400 سنة على يد سيدنا عمرو بن العاص، وصار دين الدولة الرسمى، وكانت الأغلبية للمسلمين ولم يشهد التاريخ أن سيدنا عمرو بن العاص أو سيدنا عمر بن الخطاب أو من تبعهم من حكام وخلفاء أجبروا مسيحيًا على الإسلام أو اضطهدوه فى ماله أو ولده أو دينيه بل كان الإسلام يحميهم ويدفع عنهم بطش الرومان الجبابرة ولو أن عمرو بن العاص استهدف فرض الدين الإسلامى فى مصر لما بقى بها مسيحى واحد. إذا ما سبب ظهور الفتنة الطائفية فى مصر؟ النظام السابق نجح فى تدمير المؤسسة الدينية فى مصر وتحديدًا مؤسسة الأزهر وعلى الجانب الآخر فشلت الكنيسة فى احتواء رعاياها مما ترتب عليه ظهور الجماعات الدينية المستقلة عن الأزهر والكنيسة مما نتج عنه تشكيل جبهتين متضادتين كل جبهة تعتبر عدائها للآخر جهاد فى سبيل الله واستغل اللوبى الصهيونى هذا الورم الخبيث وموله بالمليارات لخدمة مصالحه وضرب الوحدة المصرية لدرجة أن بعض الإحصاءات تشير إلى أن الموساد أنفق 12 مليار دولار لتمويل أحداث الفتنة الطائفية فى مصر وقد نتج عن هذا الدعم الصهيونى لعملاء الفتنة الطائفية فى مصر وقوع العديد من الأحداث الطائفية وبكل أسف كان النظام السابق يعلم بهذا التحريض الصهيونى ويحاول توظيفها لما يخدم مصالحه ويضفى عليه شرعية الحكم ويجعل من هذه الأحداث كابوسًا مخيفًا ليرعب المجتمع من خطورة الجماعات الإسلامية ويثبت استحقاقه بالسلطة على الجانبين المسلم والمسيحى. ما خطر تهميش الأزهر الشريف على الأمة الإسلامية؟ تهميش الأزهر الشريف فيه خطر على غير المسلمين ويعتبر كارثة كبيرة على الأمة الإسلامية لأن الأزهر الشريف هو المؤسسة الدينية الوحيدة فى العالم التى تحظى باحترام العالم أجمع ولا يعتد الغرب باختلاف دياناته إلا به كمؤسسة سنية معتدلة وهو المرجعية الدينية التى يجتمع حولها القاصى والدانى ويستن بسنته العلماء والمفكرين وينصاع لمنهجه كل المذاهب والفرق ولهذا السبب يتربص بالأزهر الشريف المتربصون. كيف يتربص الأعداء بالأزهر وهم لا يعترفون بغيره كمؤسسة للإسلام؟ هناك من ينظر إلى المكانة العالمية للأزهر الشريف ويعتبرها خطرًا عليه وخاصة الغرب الذى يحترم الأزهر الشريف كمؤسسة سنية معتدلة وفى نفس الوقت يعتبرها الخطر الحقيقى الذى يهدد الغرب قاطبة وبنفس هذه النظرية كان يعامل النظام السابق الأزهر الشريف فقرر تقويض دور الأزهر الشريف وتحجيم نشاطه وتخويف الناس منه وقلص موازنته وحرمه من أمواله الموقوفة للإنفاق عليه من أهل الخير وحرم خريجى الأزهر الشريف من التعيين فى معاهدهم الأزهرية ليجد أبناء وخريجى الأزهر أنفسهم مشردين وممنوعين من ممارسة وظائفهم الدينية التى بذلوا الغالى والنفيس من أجلها. ومن كان يقوم بدور الدعاة والأئمة فى المساجد المصرية؟ منذ ثلاثة عقود تقريبًا كان هناك توجه بمحاربة أئمة الأزهر الشريف ووقف تعيينهم فى مساجد الأوقاف وأصبحت وزارة الأوقاف فى ورطة، حيث إن لديها أكثر من 100 ألف مسجد من دون إمام وخطيب وهناك أكثر من مليون إمام وخطيب عاطلون من دون عمل لم يُعين منهم سوى 80 ألف إمام فقط فى مساجد الأوقاف فاضطرت الوزارة إلى التعاقد مع خطباء المكافأة بدلاً من علماء الأزهر الشريف بناء على تعليمات الأمن لها وبكل أسف تعاقدت الأوقاف مع حملة الدبلومات والمؤهلات المتوسطة والعليا وبعض الحرفيين الذين يحفظون بعضًا من أجزاء القرآن الكريم ومنحتهم تصاريح إلقاء الخطب والدروس الدينية فى المساجد ومنعت علماء الأزهر من هذا الدور الأساسى فى بناء المجتمع، وعندما تخلى الأزهريون عن دورهم الدعوى خوفًا من بطش السلطة المتجبرة نشأت الجماعات الإسلامية بكل أشكالها كبديل لسد الفجوة التى خلفها الأزهر الشريف وبنفس النتيجة لم يجد المصريون بديلاً إلا الالتفاف والانخراط فى هذه الجماعات وتلك التنظيمات الدينية التى حلت محل الأزهر الشريف. هل تقصد أن الجماعات الإسلامية نشأت بسبب غياب دور الأزهر الشريف؟ نعم عندما تكون هناك مؤسسة دينية محترمة يجتمع الناس حولها يهتدون بهديها ويستنون بسنتها وهو ما كان بالفعل فى مصر عندما كان الأزهر الشريف قبلة المصريين ولكن بعد أن نجح النظام السابق فى تهميش دور الأزهر الشريف وبعد أن فقد الأزهر الشريف دوره ومكانته فى احتواء المصريين نشأت الجماعات الإسلامية التى بدأت تمارس عملها الدعوى بعيدًا عن الأزهر الشريف وقد التف حولها الشارع المصرى كبديل عن مؤسسة الأزهر الذى فقد مكانته فى قلوب المصريين. وهل هذا الكلام ينطبق على دعاة الفضائيات؟ بالفعل ظهر دعاة الفضائيات غير المتخصصين فى العلوم الشرعية واستحوذوا على عقول الشارع المصرى بعد أن تعاقدت وزارة الأوقاف مع دعاة غير مؤهلين من خارج الأزهر الشريف ليقوموا بإمامة المساجد واعتلاء المنابر وإلقاء الدروس الدينية فى المساجد بدلاً من علماء الأزهر الشريف مما أدى إلى ضياع صورة وهيبة الإمام فى عيون المجتمع فانصرف الناس عن إمام الأوقاف وتحولوا إلى أئمة الفضائيات، وأصبحت القنوات الفضائية والبرامج الموجهة هى المصدر الرئيسى للفتوى والتشريع لدى عامة المصريين بدلاً من وزارة الأوقاف والأزهر الشريف ولكن بكل أسف دعاة الفضائيات أفسدوا أكثر مما أصلحوا لأن معظمهم ليس متخصصًا فى العلوم الشرعية. وكيف ترى الخروج من هذه الأزمة؟ لابد من تعظيم دور مؤسسة الأزهر الشريف لتصبح المؤسسة الدينية الوحيدة التى توحد الخطاب الدينى فى مصر فيلتف حولها المصريون كما كان عهدهم بالأزهر على مر العصور والأزمنة. ولكن كل الجماعات الإسلامية ولدت من رحم الأزهر الشريف؟ قد يكون هذا صحيحًا وقد يكون الأزهر الشريف هو الرحم الذى ولدت منه كل الجماعات الإسلامية ولم يكن هذا انشقاقًا على الأزهر الشريف المؤسسة الأم التى كانت تحتضن الجميع ولا يختلف عليها اثنان ولكن الجماعات الإسلامية نشأت بعد أن وجدوا الأزهر مهمشًا ومهملاً وبعد أن فقد دوره ومكانته، وأصبح عاجزًا عن أداء رسالته ولو بقى الأزهر على قوته وحالته الأولى لم نشأت هذه الجماعات ولما خرجت عن عباءة الأزهر الشريف من الأساس. إذًا أنت تؤيد إنشاء أحزاب سياسية ذات مرجعية دينية؟ حرية الرأى والتعبير من الحريات المقدسة التى كفلها الإسلام لبنى البشر وتشكيل الأحزاب السياسية والانضمام إليها مشروع ما لم يكن الحزب يمارس أفعالاً تخالف القران والسنة النبوية ولكن يجب أن نفرق بين العمل السياسى والعمل الدعوى لأن جهاز الدعوة كجهاز القضاء ينبغى أن يكون مستقلاً عن أى توجه أو جماعة أو حزب أو نظام سياسى سواء كان حاكمًا أو معارضًا حتى لا نرى فتاوى تصدر لتصب فى مصلحة هذه الأحزاب، مما يحدث خللاً فى المؤسسة الدينية والدولة وبما يؤثر على المجتمع نفسه وعليه فإننى أرى أنه ليس من حق من يتخصص رسميًا فى شئون الدعوة الإسلامية أن يحمل هوية سياسية أخرى وإذا كانت الأحزاب السياسية المصرية ذات المرجعية الدينية تريد أن يكتب لها النجاح فلابد من الفصل التام بين الحزب والجماعة الدعوية. ولكن الخلط بين الدين والسياسة دمر أوروبا وراح ضحيته أكثر من مليون قتيل ولم تتقدم أوروبا إلا بعد فصل الدين عن الدولة؟ هناك فرق كبير بين مصر وأوروبا لأن الكنيسة فى أوروبا احتكرت صكوك الغفران وكان رجال الدين يديرون الحياة بمنطق الإيمان والكفر فمن يوافق الكنيسة فهو مؤمن ومن يخالفها فهو كافر فكان ذلك يؤدى إلى التناحر والقتال وهذا لم ولن يحدث فى مصر فى ظل الشريعة الإسلامية التى لا تعرف صكوك الغفران ولكننا نحتاج بالفعل لفصل المؤسسة الدينية عن السلطة. هل تخطط الأحزاب الإسلامية وفى مقدمتها الحرية والعدالة لرئاسة الدولة؟ أنا أكاد أجزم أن جماعة الإخوان المسلمين لا تفكر من الأساس فى منصب رئاسة الدولة وأنا أعتقد أن الإخوان أول من انصرف من ميدان التحرير بعد سقوط النظام السابق واهتموا بمستقبل مصر وخاصة الانتخابات البرلمانية الحالية وتبعهم فى ذلك كل الأحزاب الإسلامية وأن أعتقد أن الإخوان لا يهمها فى المرحلة الحالية إلا البرلمان فقط لإعادة النظر فى التشريعات التى كانت سببًا فى تدهور وتراجع مكانة مصر محليًا وعالميًا واقتصاديًا وسياسيًا وعلى كل المستويات وأنا على ثقة بأن الإخوان المسلمين لن تفكر فى هذه الدورة تحديدًا فى مسألة تشكيل الحكومة وقد يكون هذا هدفها فى الدورة القادمة أما رئاسة الحكومة فلن ترشح له أحد ولن تساند لهذا المنصب أى مرشح إسلامى على الإطلاق حتى لا يخاف العالم من الإخوان المسلمين وحتى تحافظ على مصداقيتها مع الشارع بعد أن وعدت بعدم المنافسة على هذا الرئاسة. تردد أن هناك اتفاقًا بين "الإخوان" والمجلس العسكرى ينص على أن البرلمان والحكومة للإخوان والرئاسة للعسكرى فما رأيك؟ هذا كلام غير صحيح ومجرد شائعات يروجها أعداء الإخوان والتيارات الإسلامية بهدف تشويه صورة المجلس العسكرى وإظهاره بصورة رجعية وبأنه لا يهمه الشعب وأن ما يهمه الصفقة مع الإخوان فقط وأنا أؤكد للشعب المصرى أنه لا توجد أى صفقة بين الإخوان والمجلس العسكرى، بل لا يوجد من الأساس أى علاقة أو تنسيق مع بين الإخوان والجيش وأن الظروف حتمت على المجلس العسكرى التعامل مع الإخوان المسلمين باعتبارها القوة المُنظَّمة والمؤهلة التى تؤدِّى دورها فى كل الظروف بنجاح ساحق وأنا أطمئن الشعب المصرى بأن رئيس مصر القادم لن يكون عسكريًا ولن يكون إسلاميًا أى من جماعة أو حزب إسلامى لأن كليهما لا يطمع فى السلطة. هناك من دعا إلى ثورة جديدة تحت اسم ثورة التصحيح وهناك من دعا إلى أعمال تخريب وشغب فى الذكرى الأولى لثورة 25 يناير فما حكم الدين فى ذلك؟ قلنا إن حرية الرأى والتعبير مكفولة للجميع وأن التظاهر السلمى مشروع ولكن لابد أن نفهم أن الثورة تكون ضد الفساد وليست مكلمة وغوغائية ودعوة للدمار والتخريب وإنما الثورة تكون للإصلاح فقط وإعادة البناء وعليه فإننى أرى أن يخرج للتظاهر والتخريب ويقتل فى يوم عيد الثورة فهو ليس بشهيد عند الله لأنه الأمة أجمعت على أن يوم 25 يناير هو يوم فرح واحتفال بنصر الله للثورة وليس يوم تظاهر وجهاد. وأنا أرى أن ثورة التصحيح الحقيقية يجب أن تبدأ داخل الثورة نفسها لأن الثورة المصرية تحتاج إلى ثورة تصحصح داخليًا لتطرد المتسلطين عليها من أبنائها ومن يحاولون وأد ثمرتها ونجاحها. هل تخشى على مستقبل الثورة المصرية؟ نعم أخشى عليها من الهجمة الإعلامية الليبرالية وهجمة القنوات الفضائية الموالية للنظام السابق وأخشى عليها من ائتلافات ميدان التحرير التى تجاوزت حتى الآن أكثر من 600 ائتلاف كل منها يحارب الائتلاف الآخر، ولذلك لابد من تشكيل جبهة رسمية لحماية الثورة وتبنى مطالبها حتى لا يقضى عليها المتسلقون ولا تطمس أهدافها الحكومات القادمة، خاصة أن الثورة عبارة عن مولودٍ مُبْتَسَر وغير مكتمل حتى الآن يحتاج إلى حضَّانة سياسية حتى يكتمل نُمُوُّه. بصفتك برلمانى سابق ما تقييمك لبرلمان الثورة؟ بصفتى كنت عضوًا مستقلاً فى مجلس الشعب 1990-1995 أرى أن برلمان الثورة الحالى ينقصه الخبرة البرلمانية والسياسية ومعظم النواب ينقصهم الإعداد والتأهيل وقد علمت أن معظم الأحزاب السياسية بدأت فى عمل دورات تدريبية لأعضاء مجلس الشعب التابعين لها.