لم يحدث في التاريخ أن حظي انقلاب عسكري بالدعم الذي حظي به السفيه عبد الفتاح السيسي، كل المحاور معه بداية من أمريكا، والصين، والهند، وروسيا، وأوروبا. وإسرائيل طبعا، وذلك ما ظهر جلياً في الصمت الدولي عن المهزلة التي شهدتها مصر في الأيام الثلاثة الأخيرة. المشهد المسرحي البائس أثار الجدل مجدداً حول الموقف الغربي والأوروبي خصوصاً من ملف الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر. الصمت الأوروبي عنوانه المصلحة وأعاد إلى الأذهان ما اعتبره البعض موقفاً سلبياً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما قال في مؤتمر صحفي مع السفيه السيسي في باريس قبل ثلاثة أشهر أنه لن يعطي السيسي "دروساً" في حقوق الإنسان، مبدياً تفهمه في الوقت نفسه ل"الظروف الأمنية التي يتحرك فيها السيسي"!. يقول الباحث والمحلل السياسي أسامة المناور:" أمريكا ودول أوروبا وحتى الإتحاد الأفريقي كانوا يسارعون بشجب الانقلابات العسكرية فأين هم الآن ؟ أتراهم لم يسمعوا عن انقلاب السيسي ؟". يقول الناشط عدنان الصيرفي:" صمت الإعلام العالمي عن ما يحصل في انتخابات مصر يؤكد قوة اللوبي الصهيوني في أمريكا و أوروبا رغم أن ما يفعله السيسي لم يجرؤ عليه أي رئيس أو ملك منذ بدء الخليقة حتى باحتساب خوفو و خفرع . لا حول ولا قوة إلا بالله . ليس للشعب المصري عذر للسكوت على هكذا ظلم". احنا بتوع القمع ويرى شتيفان رول الخبير في معهد الاقتصاد والسياسة في برلين، أن الدول الغربية، بما فيها الدول الأوروبية، لديها موقف "غير ناقد" تجاه السفيه السيسي، ويتابع: "الدول الغربية تساعد النظام على البقاء، من خلال تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة لمصر، ودون أن تضع له بالمقابل أية شروط سياسية، ومن شأن ذلك أن يكون عاملا مساعدا لبقاء السيسي". ويعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبد الشافي، أن سبب "الصمت الأوروبي" تجاه السفيه السيسي مرتبط بالدرجة الأولى بشبكة من المصالح الإستراتيجية التي تربط حكومات بعض الدول الأوروبية والعسكر، ويتابع: "بعض الدول الأوروبية ترى في السيسي شريكاً استراتيجياً لتوفير الأمن و الاستقرار في منطقة حوض البحر المتوسط، من منطلق أن المنطقة في غنى عن انحدار الأوضاع في ظل وجود عدم استقرار حقيقي في دول أخرى مثل ليبيا وسوريا". ويضيف: "يراهنون على نظام السيسي لأنهم يرون فيه ضماناً للأمن والاستقرار وخاصة للحد من موضوع الهجرة غير الشرعية، التي تعاني منها أوروبا". من جانبه يقول "محمد شوبير"، المنسق العام لحركة "غربة" وأحد أبرز المعارضين للسيسي في أمريكا، إن دول أوروبا فقدت ثقتها في جنرال الانقلاب بمصر، بعد فضائح وجرائم قتل مواطنين أوربيين في سجون العسكر، وإن السفيه السيسي أحرج تلك الأنظمة التي دعمت الانقلاب على محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب في البلاد. صفقات بالمليارات ويؤكد عبد الشافي أن الجانب الاقتصادي أيضاً يلعب دوراً في التقارب بين حكومات الدول الأوروبية والسفيه السيسي، ويقول: "هناك صفقات بمليارات الدولارات أبرمها السيسي مع كل من ألمانيا وفرنسا، وبالإضافة إلى ذلك فإن دولاً خليجية تقوم بدفع الأعباء المالية للسيسي، وتقوم بحملات واسعة من العلاقات العامة لتلميع هذا النظام في الرأي العام". من جهته يشدد رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية محمود رفعت على دور الإمارات في "التسويق" للسفيه السيسي لدى الدول الأوروبية، ويضيف: "رغم أن الجميع يعرف أن ما يجري في مصر ليست سوى مسرحية هزلية، إلا أن الدول الأوروبية صامتة لأن ما يهمها هو الجانب الاقتصادي بالدرجة الأولى". لكن رفعت يعتقد أن الصمت الأوروبي لن يستمر، ويقول: "هناك مشاكل تشغل الداخل الأوروبي الآن وهي مرحلية، وسيأتي فيه وقت تعطي أوروبا اهتماماً للانتهاكات الخطيرة التي تحصل في مصر". ضغط سياسي إلا أن "عبد الشافي" لا يعتقد أن الدول الأوروبية ستغير موقفها من السفيه السيسي، ويقول: "إذا تحدثنا ربط ثنائية القيم والمصالح الإستراتيجية، فإن الثانية هي التي ترجح لدى الدول الأوروبية"، مؤكداً في الوقت نفسه أن المؤشرات تشير إلى تدهور قادم في مصر، ويتابع: "إن تفجر الوضع في مصر فإن ذلك سيؤثر على الدول الأوروبية أيضاً وخاصة الدول التي تقع في جنوبها بسبب موجة لجوء محتملة". لكن "رول" يرى في الوقت نفسه أن حصول جنرالات الانقلاب على المساعدات المالية من المؤسسات المانحة الغربية، سيتيح لتلك الدول فرصة ممارسة الضغط السياسية عليهم مستقبلا، ولا يعتقد الخبير في شؤون الشرق الأوسط أن تصل حدة هذه الضغوط للمطالبة بسقوط الانقلاب، إلا أنها ستؤكد على التزام العسكر بديمقراطية صورية والقليل جدا من الحريات المشروطة المقننة. وحذر الخبير الألماني من مغبة استمرار القمع والتنكيل والإجرام في مصر، ويقول: "عندما يقوم المرء بإغلاق جميع فضاءات المجتمع المدني القانوني والمشاركة السياسية.. وهذا هو الحال في مصر.. فإن بعض الناس سوف يحاولون أن يوصلوا أصواتهم بطرق أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى فتح باب التطرف".