ربما كان الإخوان المسلمون مثاليين أكثر من اللازم عندما ظنوا أن مشروعهم لنهضة مصر سيمر دون مقاومة من "قوى الشر" المناوئة للفكرة الإسلامية، وربما تعاملوا ببراءة مبالغ فيها عندما قدروا أن الانتشار بين الناس من خلال ما يعرف إعلاميا ب"الاتصال المواجهى"، والاكتفاء بالدروس المسجدية وخطب الجمعة، كفيل بنشر الفكرة والرد على الخصوم، دون أن ينتبهوا لخطورة الميديا الجديدة، خصوصا فى عصر ما بعد الثورة. كانت العضلة الإعلامية الإخوانية، والإسلامية عموما، ضامرة فيما مضى، وكان لهذا أسبابه الموضوعية والمنطقية، أما الآن فقد أصبح من فروض الوقت أن ينشط الإعلام الإسلامى وينطلق بأقصى ما لديه من طاقة وقوة، بعدما أدرك الجميع أن تأثير الإعلام المضاد يمثل خطورة داهمة على المشروع الإسلامى، وبعدما أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الإعلام يسهم فى صناعة القرار السياسى بنسبة لا تقل عن 40%، والقرار الاقتصادى بنسبة 60%. وبدهى بعدما رأيناه من حالة القصف الإعلامى المركز على الرئيس وجماعة الإخوان والمشروع الإسلامى، أن ندرك أن كل موجات العنف فى الشارع يتم التمهيد لها وتسليط الأضواء عليها عبر فضائيات وصحف بعينها؛ لأن أصحاب التوجهات المعادية يعدونها معركة وجود، ولذلك يجندون لها كل ما يمكن من طاقات وإمكانات ووسائل مشروعة وغير مشروعة؛ خشيةَ أن يحقق المشروع الإسلامى نجاحات ويثبت أقدامه على الأرض، وبعضهم قالها صراحة: "الإخوان يعملون لمشروعات حقيقية بناءة لخدمة الوطن وسوف ينجحون، لكننا لن نمكنهم من ذلك وسنقاومهم بكل ما لدينا، خشية أن يبقوا فى السلطة لمدة قد تطول أكثر من اللازم". وبنظرة شاملة سنجد أن إعلام "الفتنة"، يعمل وفق أجندة واضحة تعتمد بالأساس على الكذب والشائعات وأنصاف الحقائق، ومن خلال أدوات وتجهيزات تقنية متطورة، وموارد بشرية عالية الكفاءة، وتدفقات مالية غير محدودة تقف وراءها دول وأجهزة مخابرات ورجال أعمال فاسدون. هذا الإعلام المضلل، يعمل بإستراتيجيات ما زال الإعلام الإسلامى يفتقدها، أو لا يمكنه العمل بها لأسباب مهنية وأخلاقية، ومنها: تمهيد الأرض والضربات الاستباقية (التهيئة)، إشعال الحرائق (الهجوم)، اغتيال الخصوم (التصفية)، إطالة أمد الصراع (الاستمرارية)، إبداع أنماط جديدة (الاختلاق). ويعمل (ببغاوات) هذا الإعلام بطبيعة الحال ب(تكتيكات) صارت معروفة للجميع، منها مثلا: الجمل الاستفهامية المطولة والمركبة (لماذا؟)، صيغ الطلب الإلحاحية (قولوا لنا، عايزين نعرف)، الأسئلة والكلمات الاستنكارية ذات المعلومات الملغومة (هل يعقل أن يقول فلان كذا؟ أو يفعل كذا؟ أنا غير مصدق!)، التأطير (بث الكذب وتكراره حتى يصدقه الناس)، التبرير (الجريمة حق إنسانى وثورى)، وذلك فى سياقات من الجرأة و(البجاحة) والثقة الزائدة بالنفس، والتمثيل المصطنع أحيانا. أعود إلى ما بدأت به، فأقول: مهم جدا أن يدرك الإخوان والإسلاميون الأهمية القصوى لوسائل الإعلام الجماهيرى ووسائل التواصل الاجتماعى (الميديا الجديدة) ويوظفونها بأقصى الطاقات لخدمة مشروعهم والرد على خصومهم، بل وفضح هؤلاء الخصوم، وأعتقد أن كثيرا من الإسلاميين المهمومين بالشأن العام والسياسيين منهم بدءوا يدركون هذه الأهمية، وذهبوا إلى أبعد من (تشخيص الداء) وأصبح لديهم الإصرار والعزيمة على أن يولوا هذا الجانب قدره، لكن العقبة الكبرى التى تواجه هؤلاء جميعا هى التمويل. وإذا ما تم التغلب على مشكلة التمويل سنجد أننا أمام مطالب أخرى من بينها التأهيل، ووضع رؤية متكاملة وإستراتيجيات واضحة للعمل، وابتكار حلول إبداعية لتقديم المشروع الإسلامى وفضح خصومه، نابعة من الأطر الأخلاقية والمهنية التى يؤمن بها ويطبقها كل العاملين لهذا المشروع والغيورين عليه. ليس مطلوبا بعد ذلك سوى التكامل العضوى بين مؤسسات صنع القرار والمؤسسات الإعلامية، لضمان الحصول على معلومات موثقة، والتمتع بأكبر قدر من الشفافية، وبيان الحقائق للناس دون مواربة أو التواء.