أنا زوجة أعانى من عدم وجود زوجى وانشغاله عنى وعن الأبناء فترات طويلة، فهو لا يشاركنى تربيتهم وتوجيهم؛ مما يجعلنى أشعر بضيق بسبب ثقل المسئولية، خاصة أن الأولاد لا يستجيبون لتوجيهاتى فى أحيان كثيرة؛ مما يجعلنى أعانى معهم، لا سيما الابن الأكبر الذى لا يستجيب لدعوتى له بالمذاكرة، رغم أنه فى الصف الثالث الثانوى. أخشى على أبنائى من غياب الأب، خاصة أن زوجى منشغل بعلاقاته وزياراته مع أصدقائه وعائلته، فماذا أفعل لكى يشاركنى مسئولية الأبناء؟ يجيب عن هذه الاستشارة، أحمد زكريا، محرر باب "صوتك واصل" بالجريدة، فيقول: أختى الكريمة: حفظك الله وأبقاك، وبارك لك فى زوجك وأهل بيتك، وبعد: فإن الله عز وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (النساء: 1). ويقول أيضا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21). فلا شك أن الزوجة الصالحة من أعظم نعم الله تعالى على الرجل بعد نعمة الإسلام؛ ولذلك يجب على الرجل حفظها ورعايتها، وأن يشكر ربه على هذه النعمة. وقد جعل الله العلاقة بين الزوجين من أوثق العلاقات التى عرَفتها البشرية، فربما لا يوجد علاقة بين اثنين مثلما يوجد بين الزوجين، وقد ربط الله -تعالى- هذه العلاقة بالمودة والرحمة، فالمرأة لباس الزوج، وستره، وسكينته، وهدوء قلبه، وهى أم ولده، وشريكة حياته، فلها حقوق على الزوج، كما أن للزوج حقوقًا عليها؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 228)، ولقول النبى -صلى الله عليه وسلم- كما عند الترمذى: "ألا إن لكم على نسائكم حقًّا، ولنسائكم عليكم حقًّا". فعلى الزوج المسلم أن يتفهَّم هذه الحقوق، ويؤدى ما لها من حقوق، وأن يكون حريصًا على رضاها ومحبتها؛ حتى تدوم العشرة بينهما. ولعل من حسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف: طلاقة الوجه والكلمة الطيبة، فقد أخرج الإمام مسلم أن النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تَحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْقٍ".. ومن أحق من الزوجة بهذا المعروف، وهذه الصدقة؟! فاجعل -أيها الزوج الكريم- كلامك لزوجتك عبادةً. وأيضا منها أن يجلس مع زوجته وأن يؤانسها ويُسامرها: كما كان يفعل النبى -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجه، فقد كان النبى -صلى الله عليه وسلم- يصلى العشاء، ثم يذهب إلى بيته، ويدخل على أهله ويُحدثهم ويسامرهم، فلهن عليه حقوق، فالنبى -صلى الله عليه وسلم- يجلس مستمعًا إلى أمِّ المؤمنين عائشة -رضى الله عنها- وهى تقصُّ عليه حديث النسوة اللاتى جلسْنَ وتعاقَدن وتعاهَدن على ألا يَكْتُمن من خبر أزواجهنَّ شيئًا، وهذا الحديث معروفٌ بحديث "أم زَرْع"، وهو حديث طويل أخرجه البخارى "باب السَّمَر مع الأهل". فليَنتبه إلى هذا الذين يقضون سهراتهم على المقاهى، أو فى النوادى، أو عند الإخوة، ثم يذهب إلى بيته وزوجته نائمة، وربما خرج فى الصباح وهى نائمة أيضًا، فأين الود والأنس وحُسن العشرة؟ ومن حقوق الزوجة على الزوج أيضا أن يرعاها إذا مرِضَت، فقد غاب عثمان بن عفان -رضى الله عنه- عن غزوة بدر؛ لأن زوجه رقية بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت مريضةً، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أقم معها، ولك أجْر مَن شهِد بدرًا وسهمه" (أخرجه البخارى). كما يجب على الزوج أن يساعد زوجته إذا كانت مريضة، أو فيما ثَقُل عليها، أو عند الحمْل، أو عند الوضع، وهذا ليس عيبًا ولا نقصًا فى رجولة الرجل، وإنما هو المُروءة والكرم، والرحمة والشفقة، ومَن لا يرحم لا يُرحم، فقد قال النبى -صلى الله عليه وسلم- كما فى "مستدرك الحاكم" بسند صحيح: "الراحمون يرحمهم الله، ارحموا أهل الأرض، يرحمكم أهل السماء". ومن حق الزوجة على زوجها أن يشاركها فى المشورة، ويأخذ رأيها، خاصة فى الأمور التى تخص الزوجة والأولاد، وعليه أن يبادلها الآراء ويناقشها فى ذلك، حتى يخرج بالفائدة، فإذا قالت برأى صواب، فلا يتردَّد أن يأخذ به مع شكرها على ذلك. لذا فإنى أدعو كل زوج إلى أن يراعى زوجته وأولاده، ويحرص على منحهم الوقت وإشعارهم باهتمامه وحبه وحنانه، "فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته". وفى المقابل فإنى أوصيك يا أختاه بالصبر على زوجك ولزوم الاستغفار والدعاء لكما، والنظر فى حالك معه، والسعى حثيثا لتفادى ما يغضبه، والحديث إليه، وتذكيره بدوره وأهميته فى تربية الأولاد، خاصة فى هذه السن الحرجة. واعلمى أن فقدان الانسجام يعد أحد أسباب خروج الزوج من البيت بحجة انشغاله، إضافةً إلى عدم معرفة الكثير من الزوجات كيفية تهيئة جو عائلى ملىء بالمحبة، فضلا عن كثرة طلبات الزوجات والأولاد، خاصةً بالأسلوب المباشر الذى ينفر الزوج ويجعله دائم الهروب.. هدانا الله وإياك لما فيه الخير.