عندما توشك على الانتهاء من دراستك الجامعية، تظن أنك قاربت على الخروج من عنق زجاجة التعليم، حتى تتنفس الصعداء بعد رحلة دراسية طويلة أخذت من عمرك قرابة 16 سنة حسب طبيعة الكلية ونوع التعليم الذى التحقت به، إلا أن الحقيقة التى تواجهها بعد خروجك تجعلك تكتشف بأن بعد كل هذه السنوات فى معظم الأحيان لا تفقه شيئًا مما تعلمته! تكشف معظم المقابلات الشخصية للالتحاق بالوظائف عن تدهور مستوى تعليم خريجى الجامعات، فمعظمهم قد يقرأ بصعوبة، فضلًا عن أخطاء الكتابة، فبعضهم يحول الثاء إلى سين، والآخر يكتب التاء المربوطة فى كلمة آخرها تاء مفتوحة، وآخر يضيف حرف ألف إلى كلمة لكن لتصبح (لاكن)، هذا غير رفع المفعول به ونصب الفاعل، ونماذج كثيرة تكشف عن مدى ضعف مستوى التعليم.. فما هى الأسباب التى أدت إلى ذلك وهل يمكن تداركها قبل التخرج؟.. أساس ضعيف يحكى مصطفى عبد الرحمن -شاب حديث التخرج- عن تجربته عند التقدم لشغل إحدى الوظائف: "تبين لى بعد سنوات الدراسة الطويلة أن ما تعلمته شىء، وما أحتاجه للعمل هو شىء مختلف تمامًا، وقد زادت حيرتى عندما قال لى الشخص المسئول فى المقابلة: انسى كل اللى اتعلمته فى الكلية، الشغل حاجة تانية خالص!". وتضيف نور محمد -مصحح لغوى فى إحدى الصحف-: "أندهش كثيرًا عندما تقابلنى أخطاء إملائية لخريجين من كليات القمة كما يلقبونها، فأضطر فى كثير من الأحيان إلى إعادة صياغة الموضوع من البداية مع توضيح الأخطاء لهم حتى لا تتكرر ولكن القليل منهم من يدرك ذلك". واجهة اجتماعية وترى فاطمة محمد -صحفية- أن الأسباب ترجع إلى أن هؤلاء الشباب فى مراحل التعليم الأولى لم يتلقوا تأسيسًا جيدًا، وبالتالى ففى مرحلة الجامعة يكون تكملة البناء على أساس ضعيف، كما أن الثقافة العامة فى المجتمع من حولهم تأتى من خلال الأفلام الهابطة، وتعلى قيمة الممثلين والمطربين ولاعبى كرة القدم، مع إغفال قيمة العلماء والأدباء والمفكرين، كل هذا أفقد الشباب القابلية لتحمل التعب والاجتهاد من أجل تحقيق تميز علمى وأصبحت الشهادة مجرد واجهة اجتماعية ولا تدل على محتوى بعينه. وتكمل: "ولكن يمكن للشباب أن يعوضوا هذا النقص حين يغيروا رؤيتهم للتعليم، فالإرادة لذلك لا بد أن تنبع من داخلهم أولًا، يلى هذا تحديد أهدافهم وطموحاتهم فى الحياة وطبيعة ونوعية العمل الذى يرغبون فيه، وبعد ذلك تأتى القراءة والتعلم والحصول على دورات ولقاءات حرة وحتى دبلومات، ولكن المهم هو توظيف ذلك فى الهدف المفترض حتى ينجحوا". خطيئة النظام السابق وتؤكد الكاتبة الروائية وعضو اتحاد الكتاب هبة زكريا، أن التعليم جزء أساسى من منظومة متكاملة تساهم فى إخراج عنصر نافع للمجتمع، يجد فرصة مناسبة له فى دائرة الحياة، كما يمثل إضافة لوطنه وأمته، وأكبر خطيئة للنظام السابق كانت أنه عمد إلى تخريب المصرى سيكولوجيا وصحيا وفكريا، ولذا كان إفساد التعليم ركنا أساسيا من هذه الخطة المحكمة والتى تظهر نتائجها فى ضعف التحصيل العلمى للخريجين فى المراحل المختلفة مهما ارتفعت تقديراتهم المعتمدة على نتائج الاختبارات، بالإضافة إلى الإحباط فى إمكانية الحصول على فرص عمل مناسبة، والتى لا تدع مجالًا للعمل أو التفوق والبروز إلا لأنصاف الكفاءات وأصحاب الوساطة. وتضيف هبة: "وبرغم هذه الصورة المأساوية لما مضى إلا أننى واثقة أن القادم أحسن، والفرصة متاحة لكل من أراد التزود والتقدم وإبراز مهاراته، ولتحقيق هذا ينبغى الاستفادة بالمنح والدورات خاصة فى مجال التخصص واللغات الأجنبية، وخوض سوق العمل بمجرد الالتحاق بالجامعة ولو بدون مقابل أو بوقت جزئى أو فى أيام الأجازات فقط، ومتابعة تطورات مجال التخصص والاحتكاك برموزه والخبراء والمهرة فيه، فالجامعة تمثل مرحلة التخصص، لذا يجب أن يكون الالتحاق بها هو بداية التخطيط للمستقبل العملى لا بعد التخرج منها". بطالة ونقص عمالة! ويوضح أحمد سمير -مدرب تنمية بشرية- أن أسباب تخرج الشباب دون علم حقيقى تتمثل فى تفعيل التعليم النظرى أكثر من العملى لأنه أقل تكلفة، أما المعامل والمختبرات فهى مكلفة جدا وتحتاج إلى معيدين كثيرين وأدوات كثيرة، كذلك استسهال بعض الشباب فهم لا يريدون دراسة حقيقية لأن الكلية بالنسبة لكثير منهم تعد مثل ناد اجتماعى يقضون فيه الوقت بعيدًا عن رقابة الأهل، ويترتب على هذا تخرج شباب بشهادات معتمدة ولكن ليس معهم من العلم إلا القليل، وهذا ينتج عنه بالضرورة ضعف الأداء المهنى بعد ذلك عند دخولهم سوق العمل. ويشير إلى أن مصر تعانى فى الحقيقة من ظاهرتين متضادتين وهما: البطالة وسط الشباب لأنهم لا يجدون عملًا منسابًا بعد التخرج، وقلة العمالة المهنية المدربة، فالعديد من المصانع والشركات تشتكى من عدم وجود عمالة مدربة أو متعلمة بحق؛ فهم ينشرون إعلانات يطلبون بها كفاءات معينة فيفاجأون أن لا أحد يتقدم لشغل الوظيفة!! فهل يُعقل أن وطنًا مثل مصر يعانى من ظاهرة نقص العمالة والبطالة فى آن واحد؟!. تغيير الصورة الذهنية ويوضح سمير أن الحل المؤقت لهذه الظاهرة هو التدريب التحويلى، أى أن يقوم الدارس بالتدريب وتعلم مهارات جديدة خلال فترة دراسته أو بعدها مباشرة ليكتسب معلومات ومهارات جديدة تساعده على الخوض فى سوق العمل، ويحذر الشباب من مشكلة الاتجار بالشهادات التى يلجأ إليها أصحاب المصالح فنجد السيرة الذاتية للشاب بها عشرات الشهادات ولكنها فى حقيقة الأمر لم تكسبه أى مهارة على الإطلاق لأنه ببساطة اشترى الشهادة ولم يتعلم بها. النجاح بالتمرير ويتفق د. رشاد لاشين -المستشار التربوى- مع كل ما سبق من أن أمية خريجى الجامعات هى نتاج لركام طويل من الإهمال والتراخى والضعف العام فى مستوى التعليم، ومع غياب المعايير السليمة للتقييم اعتمدت المدارس على أسلوب النجاح بالتمرير، فيحصل التلاميذ على الدرجات النهائية وهم راسبون، وهذه تعد جريمة كبيرة ارتكبت فى حق هؤلاء الأبناء وفى حق الوطن كله، وهذا ما أدى إلى وصول الشباب إلى المرحلة الجامعية والتخرج وكثير منهم لا يعرف أسس الكتابة الصحيحة. وينصح د. رشاد الشباب ليتجنبوا هذا الخلل بما يلى: 1- عدم التقيد بالوسائل التعليمية المتأخرة التى تعتمد على الحفظ والتلقين فقط، والاهتمام بالبحث العلمى والتفكير الإبداعى والابتكارى. 2- عدم الاستسلام للأمر الواقع، ومحاولة اكتشاف المهارات والقدرات وصنع روح الباحث بشكل ذاتى عن طريق الوسائل التعليمية الحديثة والمبتكرة والمشوقة، وهى متوفرة الآن بشكل كبير بين يدى الشباب. 3- خلق روح الدافعية وحب العلم وتحديد الأهداف والدوافع للتعلم واكتساب الخبرات الجديدة مبكرًا، وإلا فلن تجدى الضغوط الخارجية من الأهل والمجتمع. 4- تجنب البيئة المحيطة المليئة بالشواغل مثل التليفزيون والإنترنت وتضييع الوقت فيما لا يفيد، والعمل على استثمار الطاقات والإمكانيات والأوقات فيما يفيد وبشكل جاد وعملى.