تعانى الأسرة فى ظل الظروف المعاصرة ولا سيما الأسر الفقيرة التى تعيش دون خط الفقر من مجموعة من المشكلات التى جعلت حياتها بؤسا وضنكا، من أهم هذه المشكلات: ارتفاع أسعار الحاجات الأصلية المعيشية مثل: الطعام والملبس والمأوى والعلاج والتعليم ونحو ذلك مما أدى إلى زيادة النفقات مع محدودية الدخل، بمعنى زيادة النفقات وضعف الإيرادات، وهذا أدى إلى عجز فى ميزانية الأسرة. وكان من تداعيات هذه المشكلات: التظاهرات، والاحتجاجات وأحيان لجوء البعض إلى سبل غير مشروعة للحصول على مزيد من الدخل، ولجوء البعض (الشريف) إلى البحث عن مصادر مشروعة لتنمية الدخل، بينما استسلم البعض إلى الواقع وبدأ يستدين أو يتقبل الزكاة والصدقات وما فى حكم ذلك. ولقد أثارت هذه المشكلات العديد من التساؤلات، منها: "كيف ننمى اقتصاد الأسرة فى ظل الأزمات المعاصرة بطرق حلال ومشروعة؟" هذا ما سوف نتناوله فى هذه المقالة. - تشخيص أثر الظروف المعاصرة على ميزانية الأسرة: يعانى الاقتصاد فى هذه المرحلة الصعبة من مشكلات عدة: منها على سبيل المثال: البطالة، والغلاء، وتعثر العديد من الشركات وضعف الدخول والاستثمارات، وانخفاض فى بعض موارد الدولة السيادية ونحو ذلك، وهذا بدوره أثر تأثيرا مباشرا على ميزانية الأسرة ونجم عنه ما يلى: - زيادة النفقات على الضروريات والحاجيات. - انخفاض الدخل الأساسى. - انكماش المدخرات أو انعدامها. - قلة موارد الدخل الإضافية. - العجز فى ميزانية الأسرة. - الاستدانة من الغير. وهذا أدى إلى حالات التذمر والقلق والمظاهرات وعدم استقرار المجتمع، فما الحل؟ وعلى مستوى الأسرة، كيفية الخروج من هذه الأزمة؟ وكيفية النهوض باقتصادها؟ هذا ما سوف نتناوله فى البند التالى. سبل النهوض باقتصاد الأسرة فى ضوء الأزمة الراهنة: يرى علماء الاقتصاد الإسلامى أنه يمكن الخروج من هذه الأزمة باتباع السياسات الاقتصادية الآتية: - الاقتصاد فى النفقات: ويقصد بذلك الرشد فى الإنفاق وتجنب الإنفاق على الكماليات، وهذا ما يطلق عليه سياسة التقشف، ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها. - إعادة ترتيب أولويات الإنفاق؛ بحيث يتم التركيز فقط على الضروريات والحاجيات من الطعام والشراب والملبس والعلاج والتعليم، وتجنب الكماليات. - تأجيل بعض بنود النفقات غير المستعجلة التى لا يترتب على تأجيلها خلل فى سير الحياة. - تنمية الموارد الذاتية للأسرة، ومنها قيام الزوجة بضبط وترشيد تكاليف المعيشة أو القيام ببعض الصناعات المنزلية التى تحقق بعض الموارد. - قيام الزوجة بممارسة بعض الأعمال الإنتاجية فى البيت مثل: التصنيع بدلا من الشراء الجاهز. - قيام الزوجة بممارسة بعض الأعمال للغير لتحقيق بعض الإيرادات: مثل صناعة التجميع، تصنيع وتسويق الأشياء الصغيرة (المشروعات المتناهية فى الصغر). - قيام بعض الأولاد القادرين على العمل بممارسة بعض الأعمال للغير بأجر دون أن يؤثر ذلك على واجباتهم التعليمية والاجتماعية والدينية. - قيام الزوج بالبحث عن أعمال إضافية فى أوقات فراغه بشرط عدم المساس بواجباته الوظيفية والأسرية. - المشاركة مع الغير بالجهد فى مشروعات صغيرة أو متناهية فى الصغر لزيادة الدخل. - أى سبل أخرى ممكنة ما دامت لا تتعارض مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية. محاذير شرعية لتنمية دخل الأسرة يجب تجنبها من أهم هذه المحاذير الشرعية ما يلى: - عدم اللجوء إلى الاقتراض إلا لضرورة معتبرة شرعا، لأن تراكم الديون يزيد من الأعباء على الأسرة، ويقول الحكماء: حمل الصخور أخف من حمل الديون. - عدم اللجوء إلى سبل غير مشروعة لحل الأزمة مثل: طلب الرشوة أو الاختلاس، أو السرقة، أو التزوير، أو التكسب من الوظيفة بغير حق، أو القيام بعمل حرام خبيث ونحو ذلك لأن هذا مما يمحق البركة فى الأرزاق. - عدم ممارسة مهنة التسول وقبول أى عمل حلال طيب ما دام مشروعا حتى ولو لا يتوافق مع المؤهل. - عدم القيام بأى عمل فيه مساس بالدين أو بالعرض أو بالوطن مهما كانت الضغوط الحاجية للمعيشة. وصايا إلى الأسرة للخروج من الأزمة المعاصرة: إذا قامت الأسرة بالأساليب المشروعة لترشيد النفقات وتنمية الإيرادات، وتجنبت الحرام الخبيث، سوف يجعل الله لها من هذه الأزمة مخرجا، مصداقا لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَن يَّتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (سورة الطلاق 2 -3). ونوصى الأسر الفقيرة التى تعانى من ضيق الرزق بعد الأخذ بالأسباب بوصية سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام إلى قومه، كما وردت فى القرآن الكريم: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا} (سورة نوح 11-12). والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.