لماذا اعتاد الناس على شراء الحلوى فى ذكرى ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد اعتاد المسلمون منذ العهد الفاطمى صنع وشراء الحلوى ونحو ذلك فى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ربما لا يدرى معظمهم ما القصد أو الغاية من ذلك، فأغلب الظن أنهم توارثوها جيلًا بعد جيل، "بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ" (الزخرف: 22) ، ومنهم من يقول لإدخال الفرح والسرور على الأطفال.. وهناك مبررات لا سند لها من الدين أو الشرع أو من حياة الصحابة ومن والاهم.. كما أن ليس له علاقة بالتأسى بقيم وخلق وسلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل فى نطاق الفرائض ولا الواجبات أو المندوبات أو المستحبات، ولكنها من العادات التى ليس لها دليل من الكتاب والسنة. حكم عادة حلوى ذكرى المولد الشريف فى الفقه الإسلامى الأصل فى الأشياء الإباحة إلا ما حُرم بنص صريح من القرآن والسنة، كما أن الحلوى وما فى حكمها لا يعتبر من الخبائث المحرمة فى الشريعة الإسلامية، ودليل ذلك من القرآن الكريم هو قول الله تبارك وتعالى: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِىَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (الأعراف: 32). وقوله تبارك وتعالى: "كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ" (طه: 81). كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا واشربوا وتصدقوا من غير مخيلة ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده" (أخرجه أحمد والنسائى). وتأسيسا على ذلك لا يوجد دليل قطعى الدلالة على أن صناعة وشراء الحلوى فى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم حرام؛ ولكن الأولى توفير ثمنها لإطعام البائس الفقير. عادة حلوى ذكرى المولد الشريف فى سلم الأولويات الإسلامية فى وقت الأزمات هناك أولويات إسلامية يجب الالتزام بها فى جميع حياة المسلم، ولقد رتب الفقهاء هذه الأولويات على النحو التالى: الضروريات، فالحاجيات، فالتحسينيات (الكماليات)، ولا يجوز شرعًا على المسلم أن ينفق على الحاجيات قبل كفاية الضروريات، وكذلك لا يجوز له الإنفاق على التحسينات قبل كفاية الضروريات والحاجيات، وإن فعل يكون تصرفه غير رشيد ويأثم، كما لا يجوز له أن يستدين أو يتسول أو يقتر فى الضروريات والحاجيات من أجل التحسينات، وإن فعل يكون سفها، ويدخل فى نطاق ما نهى الشرع عنه. فعلى سبيل المثال: ربة المنزل الفقيرة التى لا تجد ثمن الضروريات والحاجيات للمأكل والمشرب والملبس والمأوى، وثمن الدواء وتكاليف التعليم، ونحو ذلك وتقوم بالاقتراض واستبدال التحسينات بالضروريات يكون فى تصرفها هذا سفه، وإن كانت تقوم بذلك من أجل التقليد والمباهاة والمظهرية، فيكون هذا التصرف من الأمور المنهى عنها. أما بخصوص ربة المنزل الغنية التى وسع الله عليها فى الرزق، وحققت كفاية فى الضروريات والحاجيات، فليس عليها من حرج فى صنع أو شراء الحلوى ونحوه؛ بشرط أن لا يكون فى ذلك إسراف وتبذير وترف ومظهرية، منضبطة فى ذلك بقول الله تبارك وتعالى: "وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا" (الفرقان: 67)، ملتزمة بهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى يقول: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا" (رواه الطبرانى)، ويعنى ذلك أن ربة البيت المقتصدة غير المفسدة تؤجر على ذلك. وفى ظل الأزمات الاقتصادية المعاصرة؛ حيث لا يجد الفقير والمسكين الطعام والشراب والعلاج والملبس والمأوى، يقوم الأغنياء بالإنفاق على الكماليات والترفيات، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع.." الحديث، وقال صلى الله عليه وسلم: ".. إنما يشقى الفقراء بصنيع الأغنياء". وفى هذا المقام نناشد الأغنياء الذين يشترون الحلوى بأن ينفقوا ثمنها على شراء ضروريات الفقراء، ففى ذلك ثواب عظيم لهم. عادة حلوى المولد فى ضوء الاقتصاد الإسلامى من مقاصد الاقتصاد الإسلامى تحقيق الإشباع الروحى والمادى للإنسان؛ لكى يحيا حياة كفاية وأمن واطمئنان، ويقوى على عبادة الله عز وجل، ويجب أن يكون تصرف رب البيت رشيدًا فيما رزقه الله من الكسب الطيب؛ حيث يسأل عن ذلك يوم القيامة؛ يُسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وتعتبر عادة الحلوى فى ضوء الاقتصاد الإسلامى توجيهًا لجزء من موارد الأمة الإسلامية الأساسية، وهى الدقيق والسمن والسكر، ومن صنع الضروريات والحاجيات للناس مثل الخبز وصنع الطعام، ونحو ذلك إلى صناعة التحسينيات التى لا تتعلق بالعبادة، ويمكن الاستغناء عنها فى ظل ظروف دولة مثل مصر؛ حيث تستورد أربعة أخماس رغيف العيش، وتستورد الدقيق والسمن وكذلك السكر، وربما تقترض الدولة بالربا لكى توفر ذلك للناس، فهل يعتبر ذلك تصرفًا رشيدًا أن نهتم بالتحسينات وليس لدينا كفاية من الضروريات. وتأسيسًا على ذلك تؤثر صناعة الحلوى ونحوه على الضروريات والحاجيات، وبذلك تسبب إرهاقًا واضحًا على موازنة الدولة، وبالتالى على موازنة البيت.. كما أن هذه الصناعة لا تحقق التنمية الاقتصادية، ولا تمثل إضافة إلى الاستثمارات لتشغيل العاطلين. وأضعف الإيمان أنها فى نظر الاقتصاد الإسلامى تصرف غير رشيد لموارد ضرورية للناس، والأولى توجيه ثمنها لإطعام البائس الفقير أو لعلاج المريض الفقير أو لكسوة العريان الفقير. أثر عادة حلوى المولد على ميزانية البيت المسلم فى ضوء الاقتصاد الإسلامى على مستوى البيت لفئة متوسطى الدخل والفقراء تمثل صناعة وشراء حلوى المولد هذه إرهاقًا وعبئًا على ميزانية البيت، كما تسبب فى بعض الأحيان عجزًا يؤدى إلى الاقتراض أو تأجيل بعض النفقات الضرورية التى يكون البيت فى أشد الحاجة إليها.. وكثيرًا ما يحدث خلل واضح فى ميزانية البيت المسلم؛ بسبب النفقات التحسينية، ومنها ما ينفق على شراء الحلوى ونحوه. وفى هذا المقام يجب على ربة البيت أن تلتزم بالقواعد والأحكام الشرعية عندما تدبر شئون بيتها ومنها: إن الالتزام بهذه الضوابط الشرعية يحقق لميزانية البيت المسلم الاستقرار، وتجنبه الاقتراض إلا عند الضرورة، ويسوده السكينة والمودة والمحبة. وعلى مستوى ميزانية البيت لفئة الأغنياء الذين بسط الله لهم الرزق نجد أن الله عز وجل لا يحرم عليهم الطيبات؛ ولكن من باب الورع والتقوى والتكافل الاجتماعى يكون من الأفضل توجيه قيمة ما ينفق على الحلوى إلى الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل والمجاهدين فى سبيل الله. نداء إلى الأغنياء فى ذكرى المولد النبوى الشريف إن لكم إخوة فى الله من الفقراء والمساكين والمرضى، وممن أثقلتهم الديون، لا يجدون ما ينفقون على الضروريات، مثل رغيف الخبز والدواء والكساء والمأوى، فوفروا لهم ما يحتاجون، لا سيما أن الدولة عاجزة عن توفير الحياة الكريمة لهم؛ بسبب ما تمر به، من أزمة مالية طاحنة ناجمة من تراكمات الظلم الاجتماعى فى الحكم السابق، تذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم"، وقال أيضًا: ".. ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له" (رواه مسلم). إن هناك يتامى لا يجدون ثمن الطعام والشراب والملبس أو نفقات المدرسة، ألا تحبون أن تدخلوا عليهم الفرح والبهجة والسرور.. وإن لكم إخوة فى الدول الإسلامية يجاهدون فى سبيل الله، ألا تحبون أن تنالوا ثواب المجاهدين كما قال صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازيًا أو خلفه فى أهله بخير فقد غزا". أليس من الأروع والأثوب أن تحولوا ما ينفق على شراء أو صناعة الحلوى وغيره إلى الفقراء والمساكين والأرامل واليتامى والمجاهدين فى سبيل الله؛ حتى يكون لكم ثواب عظيم، ويكون ذلك فى ميزان حسناتكم "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا" (آل عمران: 30).. حقًّا إنما يشقى الفقراء بصنيع الأغنياء. والله يقول الحق وهو يهدى السبيل. ---------------------- الأستاذ بجامعة الأزهر والخبير الاستشارى فى المعاملات المالية الشرعية