لأول مرة يصطدم مجلس الشعب بأحكام الشريعة الإسلامية بعد أن اضطر أعضاء البرلمان إلي تأجيل مناقشة اتفاقية قرض ب 300 مليون دولار من البنك الدولي خوفا من شبهة الربا بسبب الفائدة علي القرض. ثار جدل بين الأوساط السياسية والاقتصادية والاجتماعية حول قضية الاقتراض من صندوق النقد الدولي لتمويل العجز في الموازنة ولتمويل بعض المشروعات الضرورية والهامة واختلفت الآراء ولكل وجهة نظره حسب الأيديولوجيات والمذاهب والمشارب ونحو ذلك. ناقشنا هذه القضية مع الدكتور حسين حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر لتوضيح الحكم الفقهي ونظر الاقتصاد الإسلامي وما البدائل الموضوعية المتاحة.. وما موقف الاقتراض بفائدة في ميزان الاقتصاد الإسلامي. يقول د. حسين شحاتة إن جمهور الفقهاء يري أن فائدة القرض هي عين الربا المحرم شرعا ومن أدلتهم علي ذلك حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - "كل قرض جر نفعا فهو ربا" ويقول الرسول - صلي الله عليه وسلم - "لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه". أضاف د. شحاتة أن علماء الاقتصاد الإسلامي يرون أن الاقتراض بفائدة يقود إلي التخلف والفقر ولا يحقق أي تنمية فعلية. بل يحمل الأجيال القادمة بالتزامات ليست سبب فيها. وهذا من الظلم الاقتصادي. وهناك من البدائل المالية العديدة التي يمكن الاعتماد عليها في تمويل التنمية وعلاج قضية العجز في الموازنة علي النحو الذي سوف تعرضه في الفقرات التالية. أشار د. شحاتة إلي عدة بدائل لعدم الاقتراض من صندوق النقد الدولي من منظور الاقتصاد الإسلامي من بينها: * ترشيد الإنفاق الحكومي "النفقات العامة" والتركيز علي الضروريات والحاجيات التي تهم أكبر طبقة من الفقراء الذين هم دون حد الكفاية وتأجيل المشروعات الترفيه والكمالية لحين ميسرة. أي تطبيق فقه الأولويات الإسلامية. وهذا سوف يوفر موارد للدولة. * ضم موارد الصناديق الخاصة إلي موارد الدولة العامة وهذا سوف يضيف إلي موازنة الدولة المليارات التي كان يستولي عليها المفسدون في مصر. * محاربة الفساد المالي المستشري في ربوع مصر ومن بقايا النظام السابق ولاسيما في المحليات والأجهزة الحكومية. وهذا سوف ينمي الموارد التي كانت تضيع سدي. * تطبيق نظام الضريبة التصاعدية علي الأغنياء وإعفاء الفقراء ممن هم دون حد الكفاية من الضرائب الظالم. وهذا سوف ينمي من موارد الدولة وبشرط أن تحصل هذه الضريبة بالحق وتنفق في الحق وتمنع من الباطل. * إعطاء الأمان والأمن لأموال المصريين في الخارج التي هربت بسبب قهر وظلم وفساد النظام السابق. فعندما يثق هؤلاء في الحكومة ورئيس الجمهورية ويتوافق فيهم الأمانة والمصداقية والإخلاص والكفاءة والحنكة والبصيرة والمواطنة سوف يستثمرون أموالهم في وطنهم. * تطبيق نظام الحد الأقصي للأجور بما يحقق العدالة الاجتماعية. وتطبيق قاعدة لا كسب بلا جهد. ولا جهد بلا كسب. هذا بكل تأكيد سوف يوفر موارد كبيرة للدولة. * إعادة النظر فيما يعطي للمستشارين الموجودين في الوزارات والمصالح الحكومية بدون منفعة. الذين يقبضون ولا يعملون. ولقد تم اختيارهم علي أساس المجاملات والمحسوبيات والحزبيات ونحو ذلك. * فرض ضريبة علي المعاملات قصيرة الأجل الوهمية والصورية في البورصة التي لا تحقق تنمية اقتصادية. ومن أمثلة هذه المعاملات: - التعامل بنظام الشراء والبيع في نفس اليوم بهدف المضاربة علي الأسعار. - التعامل بنظام الهامش عن طريق الاقتراض بربا من الغير. - التعامل بنظام الاختيارات والمستقبليات التي تدخل في نطاق الميسر. * تطبيق نظام الزكاة والوقف الخيري للمساهمة في التنمية الاجتماعية عن طريق المساهمة في رفع مستوي الفقراء والمساكين وتشغيل العاطلين من الفقراء ومن في حكمهم. * ترشيد نظام الدعم بحيث يوجه إلي مستحقيه بالعدل ومنعه من أن يستفيد منه رجال الأعمال بدون وجه حق. وهذا سوف يوفر المليارات لخزينة الدولة. وإذا لم تكف هذه الموارد لعلاج قضية عجز الموازنة حينئذ يمكن الاقتراض بفائدة تطبيقا لفقه الضرورة بالضوابط الشرعية. خلاصة الرأي كما يقول د. حسين شحاتة إنه إذا سددت كافة أبواب الحلال السابقة أو لم تكف للضروريات والحاجيات يطبق فقه الضرورة وهو الاقتراض بفائدة. وفقهاء الاقتصاد الإسلامي يوقنون بأن في هذه البدائل الحل.. تطبيقا لقول الله عز وجل: "ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض". وقوله سبحانه وتعالي: "فمن اتبع هداي فلا يضل ولايشقي. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا".