هو صاحب "رسائل النور" التى تعد واحدة من أشهر تفاسير القرآن الكريم، وهو أحد أبرز علماء الإصلاح الدينى والاجتماعى، وقد عاصر تكالب الاحتلال على القضاء فى الدولة العثمانية، وحمل هموم الأمة الإسلامية، ونذر حياته من أجلها. إنه سعيد النورسى المعروف ب"بديع الزمان نور الدين النورسى"، وهو كردى من عشيرة أسباريت، ولد عام 1294 هجرية 1877 ميلادية فى قرية نورس جنوب شرق تركيا فى فترة الخلافة العثمانية، والتحق فى طفولته بعدة كتاتيب، وكان سريع التلقى للعلم، درس التفسير والحديث وعلم الكلام وعلم النحو والفقه والمنطق. وكان نابغة فى سرعة الحفظ حتى حفظ 90 كتابا من أمهات الكتب عن ظهر قلب، وناظر وناقش العلماء فى عدة مجالس، وفى عام 1897 درس الرياضة والفلك والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والفلسفة والتاريخ، حتى وصل إلى درجة التأليف فسمى "بديع الزمان"؛ اعترافا من أهل العلم بذكائه وعلمه الغزير واطلاعه الواسع. وفى أحد تصريحات وزير "الاحتلال" البريطانى فى مجلس العموم قال: "ما دام القرآن فى يد المسلمين فلن نستطيع أن نحكمهم، لذلك فلا مناص لنا من أن نزيله من الوجود أو نقطع صلة المسلمين به"، فأقض ذلك التصريح مضجعه، وقال لأصحابه: "لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا تخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها"، ورحل إلى إسطنبول 1907، وقدم مشروع إنشاء جامعة إسلامية شرق الأناضول للسلطان عبد الحميد الثانى، وأطلق عليها مدرسة الزهراء على غرار الأزهر. وشكل بديع الزمان فرقا فدائية من الطلاب إبان الحرب العالمية الأولى، ووقع فى الأسر بالأراضى الروسية، حتى قامت الثورة البلشفية فخرج من الأسر، واستُقبل بحفاوة بالغة، وعينته القيادة العسكرية عضوا بدار الحكمة الإسلامية. وفى عام 1922 ألغيت السلطنة العثمانية، ثم ألغيت الخلافة بعدها بعامين، ومنع تدريس الدين بالمدارس، وبدلت الحروف العربية باللاتينية، وحرم الأذان وإقامة الصلاة بالعربية، حتى أصبح الناس يخفون القرآن عن أنظار موظفى الدولة التى أصبحت قوانينها الجديدة تحارب كل ما هو إسلامى. وكان بديع الزمان ممن طالتهم يد الاحتلال بالنفى عدة مرات حتى تغيرت حالته الروحية والفكرية، فوصف عمره الذى مضى بقوله "سعيد القديم الغافل عن قضية الموت الغارق فى الأوحال"، وعكف على تأليف "رسائل النور" التى بلغت 130 رسالة جمعها تحت عنوان "كليات رسائل النور" وعدها بداية سعيد الجديد. وقد توفى "النورسى" فى 25 رمضان 1379 هجرية الموافق 23 مارس 1960، ودفن فى مدينة أورفة، وبعد أربعة أشهر من وفاته نبشت السلطات العسكرية قبره ونقلت رفاته بالطائرة إلى جهة مجهولة! ومن أشهر مقولاته: "ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الحديثة، بامتزاجهما تتجلى الحقيقة، وبافتراقهما يتولد التعصب"، وكتب ونشر أغلب مؤلفاته باللغة العربية.