أعلم أن بداخل كل فرد من جماعة الإخوان المسلمين مرجلا يغلى بالغضب، خصوصًا الشباب؛ لما وقع على إخوانهم من غدر وإيذاء طال كبار السن قبل الشباب، وللجميع الحق فى الغضب والهمِّ، شريطة أن يكون ذلك فى إطار العقل، بعيدًا عن العاطفة التى قد تدفع صاحبها إلى العدوان والانتقام دون تمييز.. وليتذكر الإخوان الغاضبون: - أن ما جرى أمر متوقع من تلك الفئة الضالة التى تريد حرق الوطن حفاظًا على مصالحها الضيقة، فلا يجوز أن نعطيها المسوغ لذلك، بمجاراتها فيما تقوم به من عنف وإرهاب. وفى المقابل لا نسمح بأن نكون إمعات مفعولا بنا، بل يجب أن نقطع يد من يعتدى علينا فى دورنا، لكن لا نبادر بعدوان على أحد، ولا نروع أحدًا فى مقره أو فى مسكنه أو فى الطريق العام. - الإيذاء ليس طارئًا على أصحاب الدعوات، فهو سنة الله الماضية فى الرسل والصالحين من عباده {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام: 34]، وهذا ليس انتقاصًا من شأنهم، ولكن اختبارًا لإيمانهم وهل يصلحون لحمل الدعوة أم لا، وهل يحتملون الضر فى سبيل الله أم لا يستطيعون الصبر على تطاول وأذى الآخرين {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109]. - الاعتداءات التى جرت لا تنتقص من كرامة أحد من الإخوان، بل تدين فاعليها، فكم من نبى قُتل، وكم من نبى عُذِّب، وكم من نبى طورد وأخرج من بلده، فكان خطاب الله لهم ولأتباعهم عقب تعرضهم لمثل هذه النكبات {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ 139 إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ 140} [آل عمران]. - ما أسهل أن يرد الأخ الصاع صاعين إلى الذين مزقوا إخوانه، لكن من يتحمل دماء هؤلاء الذين لا يزالون يرددون الشهادة ويقولون إننا مسلمون؟!.. ناهيك عن أن العنف ليس منهج الإخوان المسلمين، كما لم يكن منهج الصحابة والتابعين، وقد استقر فى عرف الإخوان أن من يتخذ العنف وسيلة فليبحث له عن لافتة أخرى غير لافتة الجماعة.. لقد بلغ الإمام الهضيبى رأى أحد الإخوان الذى اقترح أن يميلوا على الحراس ويقتلوهم ويخرجوا من السجن الحربى حتى يتخلصوا من هذا الجحيم؛ فى مغامرة مجنونة، فرفض وقال: الذى يقوم بهذا العمل لا يكون من الإخوان. إن (ظُفر) أى واحد منكم أغلى من رقبة عبد الناصر نفسه. حذارِ أن يعطى أى واحد منكم الفرصة لهؤلاء الكلاب ليتخذوها فرصة للقضاء على هذه الفئة المؤمنة، احرصوا على أنفسكم.. واصبروا وصابروا حتى يأتى الله بأمره. - ولو قُتل أحد من هؤلاء البلطجية لأرعدت له أنف، ولسوف يقال: كان وكان. والأوجب أن يُتركوا ليُعذبوا فى الدنيا، ثم ليموتوا فيلاقوا حتفهم كما تهلك البعير؛ لأنه لو قُتل أحدهم فسوف يُنعى شهيدًا، وسوف تولول عليه لميس وزوجها وسعد ووائل ومنى وريم، وغيرهم من لاطمى الخدود الرويبضات المستأجرين. - الذى يراجع تاريخ الدعوة والجماعة يجد أنصع صفحاتها هى تلك الفترات التى مدت قيادتها أياديها إلى الآخرين بالصفح والعفو، وقرّبت المسافات بينها وبين المخالفين، أما أصعب فتراتها فكانت تلك السنوات التي اعتدى فيها نفر من شباب الإخوان -من وراء ظهر الجماعة- على خصومها السياسيين، فما زالت الجماعة تُكوى بنار هذه التصرفات حتى اليوم، ومازلنا نعيّر بقتل فلان وعلان، حتى اتهمنا فى أسماء وشخصيات لا نعرفها، كانوا يبحثون لها عن قاتل. - هذا الحادث ليس أول اعتداء يقع على الجماعة، ولن يكون آخر اعتداء، ولقد مرت على الإخوان أيام وليال ظنوا أنهم لن تقوم لهم قائمة، بل ظن بعضهم أن الإسلام نفسه قد انتهى من مصر، من شدة ما وقع عليهم من أهوال، ومع ذلك لم يبادروا بعنف، ولم يثأروا ممن قتلهم وعذبهم.. فليذكر شباب الإخوان كل هذا، وليعلموا أن هذه الأحداث لن تنتهى ما بقى الحقد فى قلوب قوم يرون الإسلام غولا يفترس أحلامهم الدنيئة. - يجب أن يراجع الإخوان قراراتهم، وأن يبحثوا عن مخارج وحلول غير التى دأبوا عليها، ويجب أن يستمع القادة والمسئولون إلى اقتراحات وآراء الشباب؛ إذ هم ألصق بهؤلاء المعتدين منهم، ويعرفون كيف ومتى يردعونهم. - وأخيرًا: «اللهم أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين؛ أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى؟!؛ إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى؟!، إن لم يك بك غضب علىَّ فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى.. أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن ينزل بى سخطك أو يحل علىَّ غضبك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».. والله المستعان.