ب 1450 جنيهًا من البيت.. خطوات استخراج جواز سفر مستعجل إلكترونيًا (رابط مباشر)    «المحامين» تدعو ل«وقفة احتجاجية» غدًا وتواصل استطلاع الآراء حول «رسوم التقاضي»    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 22 يونيو 2025 محليًا وعالميًا    سعر الفراخ البيضاء والبلدي وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الأحد 22 يونيو 2025    بعد ارتفاعه.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 22 يونيو 2025 (تحديث الآن)    الدفاعات الجوية الإيرانية تتصدى لأهداف معادية في قم وأصفهان    استهداف مجمع نووي في أصفهان للمرة الثانية منذ بدء الهجمات على إيران    تفعيل أنظمة الدفاع الجوي في العاصمة الإيرانية طهران    أول تعليق من ترامب بعد ضرب إيران منذ قليل: قصفنا فوردو ونطنز وأصفهان    إنتر ميلان يحقق فوزًا قاتلًا على أوراوا الياباني في كأس العالم للأندية    فلامنجو والبايرن أول المتأهلين لدور ال 16    «هو عارف الحقيقة».. محمد بركات يرد على تصريحات ميدو بعد هجومه على الأهلي    شديد الحرارة ورياح.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس خلال الأيام المقبلة    انتهاء أعمال البحث.. العثور على جثمان «بدر» تحت أنقاض عقارات حدائق القبة وارتفاع عدد الضحايا ل 12    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 تظهر ب4 محافظات اليوم.. استعلم فور اعتمادها    التعجل في المواجهة يؤدي إلى نتائج عكسية.. حظ برج الدلو اليوم 22 يونيو    نرمين الفقي: عن قلة الأعمال الفنية: «ربنا بيعوضني خير»    رفقة والدها.. أول ظهور لملك زاهر بعد تعافيها من وعكتها الصحية (صور)    وجهات نظر    من غير مكملات.. أهم الأطعمة الغنية بفيتامين د    ابعد عنها بعد الساعة 10مساءً.. 6 أطعمة تسبب الأرق    الزمالك ينهي اتفاقه مع شركة ملابس جديدة    وزير الخارجية: إغلاق جزء كبير من المجال الجوي العراقي ألحق أضراراً اقتصادية جسيمة    مكي: تواجد جون إدوارد في الزمالك خطوة على الطريق الصحيح    مريم نعوم: كان هناك حيرة كبيرة على نهاية «لام شمسية» ومصير «وسام»    رسالة حاسمة من الخطيب للاعبي الأهلي قبل لقاء بورتو    بسبب حكم غيابي.. احتجاز زوجة مدرب منتخب مصر في الإسكندرية    تصل للمؤبد.. احذر عقوبات صارمة لبيع المنتجات المغشوشة    الوقت وحده سيخبرنا.. ترامب يعلق مجددا على ضرب إيران    إنطلاق امتحانات المواد الأساسية لطلاب الثانوية العامة بأداء اللغة العربية اليوم    نتيجة الشهادة الإعدادية بمطروح: الفتيات يتفوقن على البنين والمدارس الحكومية تتفوق على الخاصة    عاجل- السيسي لبزشكيان: مصر ترفض التصعيد الإسرائيلي ضد إيران وتؤكد أن لا حل للأزمة إلا بوقف النار ودولة فلسطينية مستقلة    كأس العالم للأندية| التشكيل الرسمي ل فلومينينسي وأولسان في الجولة الثانية    الملاعب الضخمة والمقاعد الفارغة: كأس العالم للأندية تواجه أزمة جماهيرية في أمريكا    وزارة التضامن الاجتماعي بكفر الشيخ يشهد فاعليات ختام البرنامج التدريبي    صبحي موسى ومأزق التنوير العربي    د.حماد عبدالله يكتب: السينما المصرية!!    تنسيقية شباب الأحزاب تعقد صالونًا حول مرور 7 سنوات على تأسيسها    رئيس مدينة دمنهور يقود حملة مكبرة لإزالة الإشغالات من شوارع عاصمة البحيرة.. صور    وزير الخارجية الإندونيسي: 97 مواطنا على استعداد للعودة من إيران    نقابة الأطباء تنعى الدكتورة نشوى بدوي شهيدة الواجب: رحلت وبقيت رسالتها تحيا بيننا    كيف تحافظ على برودة منزلك أثناء الصيف    حكاية خلاف دام 5 سنوات بين عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وانتهى بقبلة على اليد    أكاديمية الشرطة تستقبل الملتقى الثانى للمواطنة الرقمية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة    ننشر حيثيات وقف القضاء الإداري لعمومية نقابة المحامين اليوم    جاهزين لأسواء السيناريوهات.. خلية أزمات ومراقبة المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية وتوفير احتياجات الدولة من المواد البترولية والغاز الطبيعي    ارتفاع عدد المتوفين بعقار حدائق القبة المنهار ل 10 أشخاص    لإيمانها بأهمية دعم الاقتصاد الوطني.. طلعت مصطفى أبرز المكرمين من وزارة المالية لدعم تحديث منظومة الضرائب    باحث في الأمن الإقليمي: ضربات إسرائيل لإيران مقدمة لحرب أكبر ونطاق أوسع    ميناء دمياط يستقبل 11 سفينة ويغادره 8 خلال 24 ساعة    إدراج جامعة بدر في تصنيف التايمز لعام 2025 لمساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    يسرا ومصطفى شعبان في طليعة نجوم الفن العائدين.. هل سيكون النجاح حليفهم؟    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ.د. عبد الرحمن البر يكتب: حول فتاوى قتل المعارضين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه، وبعد؛
فقد تحدث إلىَّ عدد من الإخوان والمثقفين والإعلاميين، يسألوننى الرأى فيما ينسب إلى بعض الشيوخ من الإفتاء بقتل بعض رموز المعارضة، واعتبار مظاهراتهم ومطالبهم التى يرفعونها نوعا من الخروج غير المشروع على الإمام، يستوجب القتل، وهو ما ذكرنى بكلام مشابه طرحه أحدهم فى آخر عصر الطاغية المخلوع حين أهدر دم الدكتور البرادعى والشيخ القرضاوى، وقد رددت فى حينه على هذا الكلام الذى لا يستند إلى فقه صحيح وفهم مستقيم للنصوى الشرعية، وهو ما أرى أننا بحاجة لإعادة بيانه وتوضيحه، فأقول وبالله التوفيق:
يستدل أصحاب هذا القول ببعض الأحاديث النبوية، ومنها ما أخرجه الإمام مسلم فى كتاب: الإمارة، باب: الْأَمْرِ بالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ، الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ 3 / 1472 رقم (1844) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما، وفيه: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَاى، وَوَعَاهُ قَلْبِي.
ويستدلون كذلك بما أخرجه مسلم فى باب: حكم من فرَّق أمر المسلمين وهو مجتمع 3/1479 رقم (1852)، وفيه: عَنْ عَرْفَجَةَ رضى الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ (أى شرور وفتن)، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِى جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ». وفى رواية: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ».
وقد رأيتُ من الواجب على وعلى أهل العلم ألا يسكتوا على هذا الاستدلال الخاطئ، وأن يبيِّنوا الحقَّ للناس ولا يكتموه، عملا بما أوجب الله على أهل العلم ?وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ?، وحتى لا يسىء مثل هذا الفهم المغلوط إلى علماء الإسلام.
فهذا التوصيف والاستنباط فى غاية الخطأ، إذ معنى الأحاديث المشار إليها بوضوح: إذا اجتمعت الأمةُ على كلمةٍ واحدة فى الحق، ورضى الناسُ حاكمَهم، وجاء أحد من الناس ينازعه وينازعهم، ويدَّعى لنفسه أنه هو الحاكم، ويحشد أنصاره الذين يحملون معه السلاح فى الخروج على الأمة وحاكمها الشرعى فإنه يُقْتَل، درءًا لشره ووأْدًا للفتنة التى يريد أن يبعثها. وفعله هذا هو المنازعة المقصودة فى الحديث، وهو التنازع المؤدى إلى فشل الأمة المذكور فى قوله تعالى ?وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ?.
وهذا المعنى قد جاء فى أحاديث كثيرة، تدعو إلى الوفاء ببيعة الحاكم والصبر عليه إذا حصل منه جور أو ظلم، وعدم الخروج بالسيف عليه ما لم يأت كفرا بواحا لا تأويل له، ولكنها تتيح للأمة أن تسعى فى تغييره بالوسائل المشروعة إذا لم يستجب للنصيحة، ولم يَعْدِل عن المنكر الذى يأتيه، باعتبار الأمة هى مصدر الشرعية لحكمه، وهى صاحبة الحق الأصيل فى بقائه أو رحيله.
ومن هذه الوسائل المشروعة ما استحدثته الأمم من انتخابات واستفتاءات، وما قررته الدساتير والقوانين من مظاهرات وعصيان مدنى سلمى ونحوها، ما دام ذلك كله يتم بعيدًا عن العنف وحمل السلاح، فإن لم يستجب الحاكم للنصح والإرشاد جاز للأمة أن تقوم بعملية الخلع والاستبعاد له من خلال الوسائل المشروعة التى ذكرناها من غير استخدام للعنف ولا حمل للسلاح، وهذا ما فعلته ثورة الخامس والعشرين من يناير التى خلعت الطاغية المستبد بعد أن أصم أذنيه وأغمض عينيه أمام كل مطالب الأمة وأصر على تزوير إرادة الأمة والبطش بكل من يدعو للإصلاح، وقد كتبتُ فى هذا المعنى مقالا أثناء الثورة نشره موقع إخوان أون لاين وغيره بعنوان (مشروعية الثورة الشعبية على الظلم).
فإذا خرج من يرفض الحاكم الشرعى وينصب نفسه بدلا منه ويحشد معه طائفة من الناس تحمل السلاح وتخرج على الأمة وأرادوا الإفساد فى الأرض وجب قتالهم، وهم الذين يُسَمَّوْن (البغاة).
فهل يدخل فى البغاة المعارضون السياسيون أو ما يعرف فى هذه الأيام بأحزاب المعارضة وحركات الاحتجاج؟
يدرك من له أدنى إلمام بالشريعة ومقاصدها أنه لا يدخل فى البغاة مَنْ يُسَمَّوْن بالمعارضين من الأفراد أو الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة لنظم الحكم، ولا من ينصح، أو يوجِّه، أو يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، سواء وافق الإمام على قيامه بذلك أو لم يوافق، فذلك من النصيحة الشرعية المأمور بها، وهى سبب من أسباب خيرية هذه الأمة، وليس لأحد كائنًا من كان أن يمنع أحدًا من التعبير عن رأيه، طالما لم يخرج على الناس شاهرا سيفه وسلاحه.
بل أوجب الإسلام نصيحة الحاكم والمحكوم، واعتبر ذلك صلب الدين، ففى صحيح مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِى أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَال: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
ولم يزل ذلك دأْبَ كثير من الصحابة والتابعين وأهل العلم على مرور الأيام وتعاقب الدول، إذ مارس كثير منهم هذا الواجب، فنصحوا الولاة والأمراء، وجهروا أمامهم بالحق، وعارضوهم فى كثير مما أبرموا.
ولذلك فلا بأس من معارضة الحكام، بل يجب ذلك إذا أخطئوا، ويجب تنبيههم ونصحهم والإنكار عليهم فيما خالفوا فيه أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ضيعوا فيه مصلحة الأمة، أو قصروا فى حماية الأوطان، أو بددوا ثروات الأمة، أو أساءوا للناس، أو غير ذلك من المنكرات التى قد تدفعهم إليها الحمية لآرائهم والتعصب لوجهات نظرهم مع ثبوت خطئها وفسادها، والقيام بهذا الواجب هو لون من ألوان التعاون على البر والتقوى.
نعم ينبغى أن يتم ذلك من غير إهانة لهم، أو تطاول عليهم، أو خروج بالسيف عليهم أو احتشاد لقتالهم، فإن الأمة إذا تقاتلت وخرج بعضها على بعض بالسيف، كانت فتنة عمياء دهماء لا يفرق الناس فيها بين الحق والباطل، والأفضل أن يكون ذلك سرًّا إذا كان الوصول إلى الحاكم ممكنًا، وكان نصحه متيسرًا، وكان قبوله للنصيحة مرجوًّا، لما رواه أحمد عن ‏هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ،‏ عن رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَح لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ لَهُ» وذلك ما فعله أسامة بن زيد مع عثمان بن عفان رضى الله عنهم جميعًا.
لكن لم يمنع الإسلام من إعلان هذه النصيحة متى كان الخطأ شائعًا والضرر واقعًا على العامة، بل أوجب الإسلام إعلان النصيحة والإنكار على الظالم إذا تجاوز حدود الشرع فى تأديب المخطئين، ففى صحيح مسلم: عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ وَقَدْ أُقِيمُوا فِى الشَّمْسِ وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الزَّيْتُ (يعنى يعذبون بذلك) فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ فِى الْخَرَاجِ (يعنى تأخروا فى دفعه أو ماطلوا فى ذلك). فَقَالَ: أَمَا إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِى الدُّنْيَا» على أن هشامًا لم يكتف بهذا الإنكار العلنى، بل ذهب إلى الأمير الذى فعل ذلك فنصحه فانتصح، ففى رواية عند مسلم أيضًا: وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَحَدَّثَهُ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا.
لكل ما سبق فإن ما تفعله بعض القوى السياسية والوطنية من التظاهر السلمى بأسلوب سلمى حضارى راقٍ أقرته المواثيق الدولية والدستور المصرى لا يمكن إدراجه بحال من الأحوال فى مفهوم الخروج على الحاكم أو المنازعة التى تبيح إهدار الدم.
كيف وقد نهت الشريعة عن السلبية وحذرت من الجبن عن إعلان الرأى الذى يرى صاحبه أنه من الحق، فقد أخرج أحمد وغيره بأسانيد صحيحة عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلاَ يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ».
ولم يزل أهل العلم يعظِّمون العلماء الناصحين الذين اشتهروا بالجرأة فى وعظ الحكام والسلاطين، بل وُصِف العز بن عبد السلام بسلطان العلماء لمواقفه القوية الرائعة من أمراء المماليك الذين اضطروا للخضوع لما نادى به حين رأوا صدقه وجرأته ودعم جماهير الأمة له، وقد أخرج أحمد والبزار وصححه الحاكم والذهبى والهيثمى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِى تَهَابُ الْظَالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: إِنَّكَ أَنْتَ ظَالِمٌ؛ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُم»ْ ومعنى (فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ) أى استوى وجودهم وعدمهم.
وحتى لو أن القائم بنصيحة الحاكم أخطأ فى حقه وأساء إليه بعبارات مسيئة فلا يبيح الإسلامُ أن تبلغَ عقوبتُه حدَّ قتله، أو الدعوةَ لقتله، فالوحيد الذى يستوجب سبُّه القتلَ هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحكمُ من خصائصه، وليس لأحدٍ من الأمة كائنًا مَنْ كان أن يجعلَ لنفسه أو أن يجعلَ الناسُ له مثلَ ما كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام، بحيث يُعَدُّ سَبُّه مُوجِبًا لقتلِ السابّ، حتى لو كان الصديقَ أبا بكر رضى الله عنه أفضلَ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أحمد، وأبو داود والنسائى وصححه الحاكم والذهبى عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأسلمى رضى الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ رضى الله عنه، فَتَغَيَّظَ عَلَى رَجُلٍ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: تَأْذَنُ لِى يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِى غَضَبَهُ، فَقَامَ فَدَخَلَ فَأَرْسَلَ إِلَى، فَقَالَ: مَا الَّذِى قُلْتَ آنِفًا؟ قُلْتُ: ائْذَنْ لِى أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: أَكُنْتَ فَاعِلا لَوْ أَمَرْتُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِبَشَرٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
فهذا واضح من الصديق رضى الله عنه فى اختصاص النبى صلى الله عليه وسلم بقتل مَنْ يسُبُّه أو يُسِىء إليه، وعدمُ جواز ذلك لأحدٍ من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيًّا كانت رتبتُه ومكانتُه.
ولا يعنى هذا إطلاقَ العَنان للناس ليسُبَّ بعضُهم بعضًا، أو ليتجرأَ العامَّة على أُولى الأمر، وتقتحمَ الجماهيرُ أعراضَ الحكام وأصحابَ السلطان، كما يفعل كثير من السياسيين والإعلاميين ويتابعهم بعض الشباب، بل تتكفل الأحكامُ الشرعيةُ والنصوص القانونية بردعِ كلِّ مَنْ يعتدى على أعراض الناس، أو رميهم بالإثم والبهتان، لكن غاية الأمر: أن السب أو الشتم -وإن كنا ننكره- لأى شخص -فضلا عن الاعتراض على أفعاله والمعارضة لسياساته- لا يصح أن يكون سببًا لقتله أو للدعوة إلى قتله على الإطلاق، سواء كان المعتدَى عليه من أشراف الناس أو سُوقتهم، رئيسًا كان أو ملكًا أو زعيمًا أو شخصًا عاديًّا، ولا يصح أن تتضمن الدساتير والقوانين الحاكمة نصوصًا تلحق الزعماء بالأنبياء، بَلْهَ أن تتضمن نصوصًا تلحقهم أحيانًا بالله عز وجل، وتجعل لذواتهم من التقديس ما لا يليق إلا بالله وحده، والله أعلم.
لكن ماذا لو تجاوز المتظاهرون واختلط بهم البلطجية وحاملو السلاح وشجعهم على ذلك بعض السياسيين والإعلاميين، وتم الاعتداء على الأفراد أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الخاصة؟ هذا ما نجيب عنه فى المقال القادم بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.