5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أ.د. عبد الرحمن البر يكتب: حول فتاوى قتل المعارضين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه، وبعد؛
فقد تحدث إلىَّ عدد من الإخوان والمثقفين والإعلاميين، يسألوننى الرأى فيما ينسب إلى بعض الشيوخ من الإفتاء بقتل بعض رموز المعارضة، واعتبار مظاهراتهم ومطالبهم التى يرفعونها نوعا من الخروج غير المشروع على الإمام، يستوجب القتل، وهو ما ذكرنى بكلام مشابه طرحه أحدهم فى آخر عصر الطاغية المخلوع حين أهدر دم الدكتور البرادعى والشيخ القرضاوى، وقد رددت فى حينه على هذا الكلام الذى لا يستند إلى فقه صحيح وفهم مستقيم للنصوى الشرعية، وهو ما أرى أننا بحاجة لإعادة بيانه وتوضيحه، فأقول وبالله التوفيق:
يستدل أصحاب هذا القول ببعض الأحاديث النبوية، ومنها ما أخرجه الإمام مسلم فى كتاب: الإمارة، باب: الْأَمْرِ بالْوَفَاءِ بِبَيْعَةِ الْخُلَفَاءِ، الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ 3 / 1472 رقم (1844) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما، وفيه: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْشُدُكَ اللهَ آنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَهْوَى إِلَى أُذُنَيْهِ، وَقَلْبِهِ بِيَدَيْهِ، وَقَالَ: سَمِعَتْهُ أُذُنَاى، وَوَعَاهُ قَلْبِي.
ويستدلون كذلك بما أخرجه مسلم فى باب: حكم من فرَّق أمر المسلمين وهو مجتمع 3/1479 رقم (1852)، وفيه: عَنْ عَرْفَجَةَ رضى الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ (أى شرور وفتن)، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِى جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ». وفى رواية: «مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ، يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ، فَاقْتُلُوهُ».
وقد رأيتُ من الواجب على وعلى أهل العلم ألا يسكتوا على هذا الاستدلال الخاطئ، وأن يبيِّنوا الحقَّ للناس ولا يكتموه، عملا بما أوجب الله على أهل العلم ?وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ?، وحتى لا يسىء مثل هذا الفهم المغلوط إلى علماء الإسلام.
فهذا التوصيف والاستنباط فى غاية الخطأ، إذ معنى الأحاديث المشار إليها بوضوح: إذا اجتمعت الأمةُ على كلمةٍ واحدة فى الحق، ورضى الناسُ حاكمَهم، وجاء أحد من الناس ينازعه وينازعهم، ويدَّعى لنفسه أنه هو الحاكم، ويحشد أنصاره الذين يحملون معه السلاح فى الخروج على الأمة وحاكمها الشرعى فإنه يُقْتَل، درءًا لشره ووأْدًا للفتنة التى يريد أن يبعثها. وفعله هذا هو المنازعة المقصودة فى الحديث، وهو التنازع المؤدى إلى فشل الأمة المذكور فى قوله تعالى ?وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ?.
وهذا المعنى قد جاء فى أحاديث كثيرة، تدعو إلى الوفاء ببيعة الحاكم والصبر عليه إذا حصل منه جور أو ظلم، وعدم الخروج بالسيف عليه ما لم يأت كفرا بواحا لا تأويل له، ولكنها تتيح للأمة أن تسعى فى تغييره بالوسائل المشروعة إذا لم يستجب للنصيحة، ولم يَعْدِل عن المنكر الذى يأتيه، باعتبار الأمة هى مصدر الشرعية لحكمه، وهى صاحبة الحق الأصيل فى بقائه أو رحيله.
ومن هذه الوسائل المشروعة ما استحدثته الأمم من انتخابات واستفتاءات، وما قررته الدساتير والقوانين من مظاهرات وعصيان مدنى سلمى ونحوها، ما دام ذلك كله يتم بعيدًا عن العنف وحمل السلاح، فإن لم يستجب الحاكم للنصح والإرشاد جاز للأمة أن تقوم بعملية الخلع والاستبعاد له من خلال الوسائل المشروعة التى ذكرناها من غير استخدام للعنف ولا حمل للسلاح، وهذا ما فعلته ثورة الخامس والعشرين من يناير التى خلعت الطاغية المستبد بعد أن أصم أذنيه وأغمض عينيه أمام كل مطالب الأمة وأصر على تزوير إرادة الأمة والبطش بكل من يدعو للإصلاح، وقد كتبتُ فى هذا المعنى مقالا أثناء الثورة نشره موقع إخوان أون لاين وغيره بعنوان (مشروعية الثورة الشعبية على الظلم).
فإذا خرج من يرفض الحاكم الشرعى وينصب نفسه بدلا منه ويحشد معه طائفة من الناس تحمل السلاح وتخرج على الأمة وأرادوا الإفساد فى الأرض وجب قتالهم، وهم الذين يُسَمَّوْن (البغاة).
فهل يدخل فى البغاة المعارضون السياسيون أو ما يعرف فى هذه الأيام بأحزاب المعارضة وحركات الاحتجاج؟
يدرك من له أدنى إلمام بالشريعة ومقاصدها أنه لا يدخل فى البغاة مَنْ يُسَمَّوْن بالمعارضين من الأفراد أو الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة لنظم الحكم، ولا من ينصح، أو يوجِّه، أو يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، سواء وافق الإمام على قيامه بذلك أو لم يوافق، فذلك من النصيحة الشرعية المأمور بها، وهى سبب من أسباب خيرية هذه الأمة، وليس لأحد كائنًا من كان أن يمنع أحدًا من التعبير عن رأيه، طالما لم يخرج على الناس شاهرا سيفه وسلاحه.
بل أوجب الإسلام نصيحة الحاكم والمحكوم، واعتبر ذلك صلب الدين، ففى صحيح مسلم عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِى أَنَّ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَال: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
ولم يزل ذلك دأْبَ كثير من الصحابة والتابعين وأهل العلم على مرور الأيام وتعاقب الدول، إذ مارس كثير منهم هذا الواجب، فنصحوا الولاة والأمراء، وجهروا أمامهم بالحق، وعارضوهم فى كثير مما أبرموا.
ولذلك فلا بأس من معارضة الحكام، بل يجب ذلك إذا أخطئوا، ويجب تنبيههم ونصحهم والإنكار عليهم فيما خالفوا فيه أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ضيعوا فيه مصلحة الأمة، أو قصروا فى حماية الأوطان، أو بددوا ثروات الأمة، أو أساءوا للناس، أو غير ذلك من المنكرات التى قد تدفعهم إليها الحمية لآرائهم والتعصب لوجهات نظرهم مع ثبوت خطئها وفسادها، والقيام بهذا الواجب هو لون من ألوان التعاون على البر والتقوى.
نعم ينبغى أن يتم ذلك من غير إهانة لهم، أو تطاول عليهم، أو خروج بالسيف عليهم أو احتشاد لقتالهم، فإن الأمة إذا تقاتلت وخرج بعضها على بعض بالسيف، كانت فتنة عمياء دهماء لا يفرق الناس فيها بين الحق والباطل، والأفضل أن يكون ذلك سرًّا إذا كان الوصول إلى الحاكم ممكنًا، وكان نصحه متيسرًا، وكان قبوله للنصيحة مرجوًّا، لما رواه أحمد عن ‏هِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ،‏ عن رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَح لِسُلْطَانٍ بِأَمْرٍ فَلَا يُبْدِ لَهُ عَلَانِيَةً، وَلَكِنْ لِيَأْخُذْ بِيَدِهِ فَيَخْلُوَ بِهِ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلَّا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ لَهُ» وذلك ما فعله أسامة بن زيد مع عثمان بن عفان رضى الله عنهم جميعًا.
لكن لم يمنع الإسلام من إعلان هذه النصيحة متى كان الخطأ شائعًا والضرر واقعًا على العامة، بل أوجب الإسلام إعلان النصيحة والإنكار على الظالم إذا تجاوز حدود الشرع فى تأديب المخطئين، ففى صحيح مسلم: عَنْ هِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: مَرَّ بِالشَّامِ عَلَى أُنَاسٍ وَقَدْ أُقِيمُوا فِى الشَّمْسِ وَصُبَّ عَلَى رُءُوسِهِمُ الزَّيْتُ (يعنى يعذبون بذلك) فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قِيلَ: يُعَذَّبُونَ فِى الْخَرَاجِ (يعنى تأخروا فى دفعه أو ماطلوا فى ذلك). فَقَالَ: أَمَا إِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: «إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِى الدُّنْيَا» على أن هشامًا لم يكتف بهذا الإنكار العلنى، بل ذهب إلى الأمير الذى فعل ذلك فنصحه فانتصح، ففى رواية عند مسلم أيضًا: وَأَمِيرُهُمْ يَوْمَئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فِلَسْطِينَ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ، فَحَدَّثَهُ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا.
لكل ما سبق فإن ما تفعله بعض القوى السياسية والوطنية من التظاهر السلمى بأسلوب سلمى حضارى راقٍ أقرته المواثيق الدولية والدستور المصرى لا يمكن إدراجه بحال من الأحوال فى مفهوم الخروج على الحاكم أو المنازعة التى تبيح إهدار الدم.
كيف وقد نهت الشريعة عن السلبية وحذرت من الجبن عن إعلان الرأى الذى يرى صاحبه أنه من الحق، فقد أخرج أحمد وغيره بأسانيد صحيحة عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ؛ فَإِنَّهُ لاَ يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ وَلاَ يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ».
ولم يزل أهل العلم يعظِّمون العلماء الناصحين الذين اشتهروا بالجرأة فى وعظ الحكام والسلاطين، بل وُصِف العز بن عبد السلام بسلطان العلماء لمواقفه القوية الرائعة من أمراء المماليك الذين اضطروا للخضوع لما نادى به حين رأوا صدقه وجرأته ودعم جماهير الأمة له، وقد أخرج أحمد والبزار وصححه الحاكم والذهبى والهيثمى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمْ أُمَّتِى تَهَابُ الْظَالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: إِنَّكَ أَنْتَ ظَالِمٌ؛ فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُم»ْ ومعنى (فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُمْ) أى استوى وجودهم وعدمهم.
وحتى لو أن القائم بنصيحة الحاكم أخطأ فى حقه وأساء إليه بعبارات مسيئة فلا يبيح الإسلامُ أن تبلغَ عقوبتُه حدَّ قتله، أو الدعوةَ لقتله، فالوحيد الذى يستوجب سبُّه القتلَ هو رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الحكمُ من خصائصه، وليس لأحدٍ من الأمة كائنًا مَنْ كان أن يجعلَ لنفسه أو أن يجعلَ الناسُ له مثلَ ما كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام، بحيث يُعَدُّ سَبُّه مُوجِبًا لقتلِ السابّ، حتى لو كان الصديقَ أبا بكر رضى الله عنه أفضلَ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج أحمد، وأبو داود والنسائى وصححه الحاكم والذهبى عَنْ أَبِى بَرْزَةَ الأسلمى رضى الله عنه قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِى بَكْرٍ رضى الله عنه، فَتَغَيَّظَ عَلَى رَجُلٍ فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: تَأْذَنُ لِى يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَضْرِبُ عُنُقَهُ؟ قَالَ: فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِى غَضَبَهُ، فَقَامَ فَدَخَلَ فَأَرْسَلَ إِلَى، فَقَالَ: مَا الَّذِى قُلْتَ آنِفًا؟ قُلْتُ: ائْذَنْ لِى أَضْرِبْ عُنُقَهُ. قَالَ: أَكُنْتَ فَاعِلا لَوْ أَمَرْتُكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: لاَ وَاللَّهِ مَا كَانَتْ لِبَشَرٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
فهذا واضح من الصديق رضى الله عنه فى اختصاص النبى صلى الله عليه وسلم بقتل مَنْ يسُبُّه أو يُسِىء إليه، وعدمُ جواز ذلك لأحدٍ من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أيًّا كانت رتبتُه ومكانتُه.
ولا يعنى هذا إطلاقَ العَنان للناس ليسُبَّ بعضُهم بعضًا، أو ليتجرأَ العامَّة على أُولى الأمر، وتقتحمَ الجماهيرُ أعراضَ الحكام وأصحابَ السلطان، كما يفعل كثير من السياسيين والإعلاميين ويتابعهم بعض الشباب، بل تتكفل الأحكامُ الشرعيةُ والنصوص القانونية بردعِ كلِّ مَنْ يعتدى على أعراض الناس، أو رميهم بالإثم والبهتان، لكن غاية الأمر: أن السب أو الشتم -وإن كنا ننكره- لأى شخص -فضلا عن الاعتراض على أفعاله والمعارضة لسياساته- لا يصح أن يكون سببًا لقتله أو للدعوة إلى قتله على الإطلاق، سواء كان المعتدَى عليه من أشراف الناس أو سُوقتهم، رئيسًا كان أو ملكًا أو زعيمًا أو شخصًا عاديًّا، ولا يصح أن تتضمن الدساتير والقوانين الحاكمة نصوصًا تلحق الزعماء بالأنبياء، بَلْهَ أن تتضمن نصوصًا تلحقهم أحيانًا بالله عز وجل، وتجعل لذواتهم من التقديس ما لا يليق إلا بالله وحده، والله أعلم.
لكن ماذا لو تجاوز المتظاهرون واختلط بهم البلطجية وحاملو السلاح وشجعهم على ذلك بعض السياسيين والإعلاميين، وتم الاعتداء على الأفراد أو المنشآت أو الممتلكات العامة أو الخاصة؟ هذا ما نجيب عنه فى المقال القادم بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.