أقرأ استقالة النائب العام فى إطار "ترتيبات ما بعد نعم".. وبناء المؤسسية فور إقرار الدستور. المدقق فى استقالة السيد المستشار طلعت إبراهيم عبد الله النائب العام "المكلف" الذى جاء فى أعقاب "إطاحة الثورة" بالمدعو عبد المجيد محمود، يجد أنها مذيلة بتاريخ الأحد 25 ديسمبر 2012، أى صبيحة انتهاء المرحلة الأخيرة من الاستفتاء على الدستور، أى إنها أشبه ب"استقالة بروتوكولية" تعقب إقرار مشروع الدستور، باعتبارها تعبر عن "مسئولية سياسية" من مسئول محترم بالدولة يضع استقالته تحت تصرف مجلس القضاء الأعلى ورئيس الجمهورية، على الرغم من أحقيته دستوريا وقانونيا فى الاستمرار بمنصبه، حيث إن النص الحالى بمشروع الدستور يتيح له شغل المنصب حتى الاستقالة أو إنهاء 4 سنوات من تاريخ تعيينه. أرى استقالة النائب العام بعد إقرار الدستور –بإذن الله- تأتى فى هذا الإطار من "المواءمة السياسية" لامتصاص "آخر حبات الغضب" من "إعلان نوفمبر"، حيث لا تزال عدة شرائح سياسية وطنية معارضة –من بينهم العبد لله- يرون أن تعيين رئيس الجمهورية للنائب العام مباشرة يخدش شرعية الأخير، وأنه إن كان من المقبول "تمرير" ذلك فى ظل أزمة عاتية كانت تستوجب الإطاحة بالمستشار عبد المجيد محمود نائب عام مبارك "بأى شكل"، فإنه لم يعد من المقبول استمرار المستشار طلعت عبد الله فى منصبه. وعليه كنت أتوقع وأتمنى أن يبادر النائب العام الجديد بتقديم استقالته فور إقرار الدستور، بحيث تعود الكرة إلى ملعب مجلس القضاء الأعلى بترشيح 3 أسماء إلى الرئيس، ليس مستبعدا أن يكون طلعت عبد الله أحدهم، وذلك "ترميما" لشرعية نائب عام يجب أن يكون مستقلا تماما عن السلطة التنفيذية. أرى أن استقالة النائب العام هى أول "ترتيبات ما بعد نعم"، حيث يحتاج "البيت الوطنى" إلى "ترميم وتنظيف وتجميل وصيانة"، ويخطئ من يظن أن "نعم" وحدها ستفتح باب الاستقرار، بل يجب أن تتبعها عدة إجراءات فورية لإعادة الهدوء إلى الشارع، وإحداث أكبر درجة من التوافق، طالما عز الاتفاق، وشح الإجماع. سلسلة الترتيبات التى أدعو إليها تبدأ بإصرار الرئاسة على "وثيقة التعديلات الدستورية" التى تقرها القوى الوطنية، ليعرضها الرئيس على البرلمان فى أول جلسة، حتى يبدأ العمل على أرضية وطنية مشتركة. يتزامن مع ذلك "تعيينات الشورى" باعتماد قائمة يغلب عليها المستقلون من الكفاءات الوطنية، فى ظل إحجام أحزاب المعارضة عن تقديم مرشحين، واستحالة الاستعانة بعناصر من القوى الإسلامية. أضف إلى ذلك استكمال جلسات الحوار الوطنى، حتى بعد إقرار الدستور، للوصول إلى "حلول سياسية" لما يتيسر من مشكلات، بحيث تتسع دائرة المشورة والاقتراحات وتبنى المبادرات عن الفريق الرئاسى أو القوى السياسية المحسوبة على الرئيس، مثلما حدث فى الإعلان الدستورى الأخير (د. سليم العوا نموذجا). ترتيبات ما بعد "نعم".. ربما تكون أهم من "نعم" نفسها.