العَلمانية (secularism) مذهب مضاد للأديان، يعنى (كما جاء بمعجم المورد الحديث) عدم المبالاة بالدين أو الاعتبارات الدينية، أو هو باختصار (اللا دينية). وقد اشتق مصطلح العَلمانية من العالَم، أى الدنيا (وليس من العِلم كما يحاول البعض أن يخدعنا)، ولذلك فبعض المعاجم تفضل مصطلح (الدنيوية). ولا ينكِر الدنيويون بالغرب هذا المعنى، الذى يدل على أن منهجهم يتطابق مع قول الحق تبارك وتعالى: {إِنْ هِى إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}.. ولكن الدنيويين بالدول العربية والإسلامية يتحرجون من مجتمعاتهم المسلمة فيلجئون إلى النفاق واللف والدوران واللعب بالمصطلحات، ومنهم من يهرب وراء مصطلحات أخرى مثل الليبرالية والشيوعية والاشتراكية أو اليسار عموما، وبدلا من الجهر بمهاجمة الدين فهم يهاجمون المتدينين باصطناع حجج واهية. وعندما تنامت الصحوة الإسلامية وصعد الإسلام السياسى وجد الدنيويون ضالتهم وأعلنوها حربا على المنهج الإسلامى، بحجة أنهم يحاربون الإسلاميين، وليس الإسلام!. وعلى الرغم من يقين العَلمانيين أن الإسلام يحارب الدولة الدينية (الثيوقراطية).. فهم لا يكفون عن الكذب وخداع البسطاء بادعاء أن وصول الإسلاميين إلى الحكم يعنى قيام دولة دينية!. ولا شك أن الغرب المعادى للإسلام يحاول منذ زمن تربية جيل من العَلمانيين، ويقوم بدعمهم ماديا وسياسيا وإعلاميا، بل عسكريا، للوصول إلى الحكم، أو لضرب الاستقرار وإبقاء بلادنا فى حال من الصراع الدائم الذى يُلهى عن التنمية والتقدم. ولا يُخفى العَلمانيون عمالتهم للغرب، وقد تعاونوا معهم ضد شعوبهم وضد مصالح الوطن كلما حاول الإسلاميون تطبيق المنهج الإسلامى.. والأمثلة كثيرة: تركيا (نجم الدين أربكان)، الجزائر (جبهة الإنقاذ)، غزة (حماس).. والآن مصر. والشىء المؤسف أن العلمانيين المصريين لا يتحرجون من الاستعانة بالغرب، بل ينافقون الحلف الصهيوأمريكى ليساعدهم (مثل الترويج للهولوكوست!)، ولكن الأخطر أنهم يوقعون الفتنة داخل الصف الوطنى بادعاء الحرص على حقوق المسيحيين مثلا، وكأن عَلمانيتهم تعادى الإسلام فقط، وليس الدين كله!. ويعلم المسيحيون جيدا أن حقوقهم ظلت مصونة طوال فترة الحكم الإسلامى، وأن هذه الحقوق لم تُمَس إلا فى ظل الحكم العَلمانى.. أليس من واجب المسيحى المتدين أن يتحالف مع المسلم المتدين بدلا من العلمانى الكاره للأديان؟. ليعلم الإخوة المسيحيون أن المسلم المتدين أقرب إليهم وأحرص على حقوقهم من (المسلم) العَلمانى؛ لأن المتدين يمنعه دينه من الظلم.. والقرآن الكريم حافل بالآيات الدالة على ذلك. وليتهم يدركون أنه ليس مطلوبا ولا معقولا أن يترك أحد الطرفين دينه ليرضى الطرف الآخر.. هذا غير منطقى، والتحالف المتكرر للمسيحيين مع العلمانيين ضد الإسلاميين -دون أسباب منطقية- يضر بالجميع ويضع مصر على حافة الهاوية. وما يحدث حاليا خير مثال.. فقد تحالفت الكنيسة مع العَلمانيين المحاربين لمشروع الدستور الجديد، على الرغم من أنه أول دستور ينص صراحة فى مادته الثالثة على حقهم فى الاحتكام إلى شرائعهم!. لقد كشفت الأزمة التى افتعلها العَلمانيون وفلول النظام المخلوع ومن يتحالفون معهم، بمناسبة الدعوة للاستفتاء على الدستور وإنهاء المرحلة الانتقالية، كشفت حقيقتهم وإصرارهم على استبعاد الإسلام من حياتنا.. وتبين بما لا يدع مجالا للشك أنهم شاركوا فى وضعه ووافقوا على كل مواده، ثم انقلبوا فجأة بحجة أنهم لا يقبلون عبارة (بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية)؛ أفحكم الجاهلية يبغون؟. وليتهم يستخدمون الوسائل الديمقراطية فى المعارضة والاحتجاج أو إدارة الخلاف، ولكنهم يريدون فرض رؤاهم المُختلف عليها على الأغلبية!. ولا ندرى كيف لمن سقطوا فى الانتخابات، وقال الشعب كلمته فيهم، كيف لهم أن يتجرءوا ويتحدثوا باسم الشعب الذى لفظهم؟ ألا تخجلون؟ أليس فيكم رجل رشيد؟!. لو كان هؤلاء القوم لديهم ثقة فى تأييد الشعب للتخاريف التى يطلقونها أو أنه لا يوافق على سياسة الرئيس المنتخب.. فلماذا يتهربون من الصندوق؟ لماذا لا يدعون الشعب إلى عدم الموافقة على الدستور فى الاستفتاء المقبل ويحققون أغراضهم الدنيوية بأسلوب متحضر وديمقراطى؟ الحقيقة أنهم يعلمون أن الشعب يلفظهم ولن يستجيب لهم، وهم لا يخجلون من ترديد المقولات الخائبة بأن هذا الشعب (الذى يزعمون أنهم يتحدثون باسمه) شعب أهبل لا يجيد الاختيار!. إذا كان هذا رأيكم فى الشعب، فلا تتمسحون فيه، أو ابحثوا لكم عن شعب آخر يقبل هذا التهريج. وليس هناك شك أن التهريج الذى يقوده العَلمانيون والفلول لا يستند إلى أية مصداقية أو تأييد شعبى، وإنما هى ظاهرة صوتية، ما كان لها أن تُسمع لولا الميراث الردىء للمخلوع من إعلام الفتنة الذى جعل من حَبّة العلمانيين قُبّة. ينبغى أن يعلم الجميع أن مصر لن تستقر أو يكون لها مستقبل مشرق إلا إذا اعترفت كل الأطراف بحاكمية الصندوق واحترام الأقلية لرأى الأغلبية. وإذا لم يحمِ الشعب قراره واختياره فلن يكون هناك استقرار لأى مسئول منتخب، ما دام للغوغاء رأى مسموع و(فيتو) على كل قرار!. إننا نطالب الرئيس محمد مرسى بتطبيق القانون بكل حزم، ومحاكمة كل من ينشر الشائعات والأكاذيب، وكل من يستخدم العنف أو يدعو إليه، وكل من يستثمر حرية الإعلام فى السب والقذف، وأن يطهر البلاد من إعلام الفتنة الذى رباه المخلوع وسمّنه صفوت الشريف.. لقد حان الوقت لوقف هذا التهريج السياسى واحترام رأى الأغلبية.