غريب أمر هذه الطائفة من المصريين، ممن يسمون أنفسهم «القوى المدنية»، وهم قلة دأبوا على الشقاق والخلاف، وإثارة البلبلة، لا لمصلحة وطن، ولا لإنقاذ دولة تنهار، وإنما لتحقيق مصالح شخصية، ولتنفيذ (أجندات) خارجية تهلهل الوطن وتقسِّم أركانه وتضع الفوضى بين بنيه. ما الذى يجمع (الشامى على المغربى) واليمينى على اليسارى، والبلطجى على الرأسمالى، سوى إيجاد تحالف شيطانى لحرب الفضيلة والصلاح، وملاحقة الفكرة الإسلامية، والاستماتة فى سبيل استمرار الرذيلة والفساد، والحيلولة دون إقامة نظام ديمقراطى عادل قائم على الأخلاق والقيم. لقد شهدت البلاد أحداث عنف خطيرة، خلال الأيام الماضية، وتلك الأحداث تم تنفيذها بدقة وفى توقيت واحد، لتوصيل رسائل معينة إلى الشعب وإلى النظام الحاكم، مفاد تلك الرسائل: نحن أو الدمار، وهذه سلوكيات لا يقوم بها إلا معدومو الضمير، ممن تجردوا من كل معانى الإنسانية، وصاروا على استعداد لفعل أى شىء فى مقابل تنفيذ أهدافهم الدنيئة. هناك مخطط لتعجيز مصر، وإدخالها فى دائرة الاضطرابات والفتن حتى تصير صومال أخرى، وهذا المخطط يقوم بتنفيذه -للأسف الشديد- مصريون، لكنهم لا ينتمون فعليا لبلادنا، وإنما ينتمون لمبادئ وأفكار هدامة، ولمذاهب شعارها «الغاية تبرر الوسيلة»، فهم لذلك لا يبقون على وعد، ولا يعرفون عهدًا، ولا يرقبون فى مؤمن إلًّا ولا ذمة. ولو أسقط لهم النظام الحالى كسفًا من السماء أو جاء لهم بالملائكة، ما هدءوا وما لانوا، ولن يرضوا عن النظام حتى يكون على شاكلة النظام الذى سبقه، مغلول اليد مع الصهاينة والأمريكان، مستبدًّا مع الإخوان، محاربًا للدين والإسلام، سلامًا معهم ومع تيارات العلمانية والإباحية وغيرها من الطرائق والمذاهب الفاسدة. وأود أن يدلنى أحد على حقيقة ما يجرى منذ فترة فى شوارع: يوسف الجندى، محمد محمود، قصر العينى، وما يجرى فى ميدان التحرير منذ يوم الجمعة الماضى، وما يجرى فى محافظات مصر، من حرق مقرات الإخوان المسلمين ومقار حزبهم (الحرية والعدالة)، والاعتداء على أعضاء الجماعة وتهديدهم.. إن هذا كله هو المخطط الذى أتحدث عنه وتشارك فيه تلك الفئات الضالة التى يأتيها المدد الخارجى من كل فج عميق، وتتساقط عليها الأموال من بين أيديها ومن خلفها؛ لتخريب المؤسسات، وإحراق الممتلكات، وبذل المحاولات لاقتحام وزارة الداخلية؛ فإن سقطت سقطت معها هيبة الدولة وصارت حرب شوارع لا تبقى ولا تذر. فى البداية قالت تلك العصابة إن الرئيس مرسى خارج نطاق الزمن، لا يشعر بما يشعر به المصريون، ولا يتخذ قرارات ثورية؛ مثل إقالة النائب العام أو إكرام الثوار والمصابين، فلما صدرت تلك القرارات قالوا هذا استبداد وفساد وما قلنا بهذا إن هذا إلا فعل قبيح، وتنادوا فيما بينهم أن اخرجوا عليه، وحطموا كل ما يقع تحت أيديكم، وأعلنوا العصيان، ولتذهب مصر إلى الجحيم.. والناس فى حيرة مما يجرى، فهم -بحكم فطرتهم- يعلمون المصلح من المفسد، لكنهم -فى الوقت ذاته- يقعون تحت سطوة الإعلام الفاسد، الذى جعل المنكر معروفًا والمعروف منكرًا، والذى حوّل الأبطال إلى جناة، وجعل من الأقزام قادة وأبطالا.. غير أننى على ثقة أن الغالبية العظمى من شعبنا البطل عندما توضع على المحك فإنها تستطيع التمييز بسهولة ويسر بين الصالح والطالح، والغث والسمين، ولسوف تختار الأصلح لزعامتها، خصوصًا أن أحداث الفترة الماضية أظهرت من يتاجر بالبلد، ومن يبذل دمه وماله فى سبيل بقائه واستقراره.. والأيام كفيلة بفضح هؤلاء المرتزقة المتلونين السائرين فى ركب أعداء المسلمين يعدونهم ويمنونهم وما يعدونهم إلا غرورا. لقد جرب الناس مذاهب وسياسات تلك العصابات، على مدار عقود، واكتووا بنارهم، فما رأوا منهم إلا فقرًا وخرابًا، وفساد ذمم وضياع أخلاق، وهل ما نحن فيه من همّ وغمّ وبلاء من صنع الإخوان؟! أم من صنع: الناصرى والعلمانى والشيوعى والليبرالى، الذين ما إن تطأ أقدامهم أرض بلد حتى يجعلوها مستنقعًا للفقر والتخلف والمرض. لن يلدغ الشعب من هؤلاء مرة أخرى، ولن يمكن لهم فى الأرض، ولن يسمح بأن يتولوا سلطة؛ لأنها ستكون سلطة بلا دين ولا هوية، بل سلطة قائمة على أفكار لشخصيات غير سوية تعادى الدين وتفتقر إلى أدنى مستويات الخلق. ولسوف يأتى يوم فاصل، أظنه قريبًا، يوم يتولى كل حزب بما لديه، بعدما تدب بينهم الخلافات وتقع المعارك والانشقاقات، ولن يبقى سوى الصالح المصلح، وهذا وعد الله، فإنه لا يكون تمكين حتى يكون بلاء، وهل هناك بلاء أشد من أن يتسلط عليك الناصريون والشيوعيون والليبراليون والعلمانيون وسائر تلك الوجوه الغبرة ممن لا يريدون لشمس الحقيقة أن تسطع ولدولة الإسلام أن تعود. ----------------- عامر شماخ [email protected]