خبيرة السلامة المهنية تحدد معايير الأمان: الأوتوبيس ملك المدرسة الكشف الدورى على السيارة اختبارات خاصة للسائق تناسب الأطفال مع عدد المقاعد استخدام حزام الأمان أولياء الأمور: ندفع "دم قلبنا" ل"الباص".. والاشتراك وصل إلى 3 آلاف جنيه فى "التيرم"! مطالب بتشريع ينظِّم انتقالات التلاميذ.. واتهام المدارس بالبحث عن الربح السريع "مسئول الأمن والسلامة".. الوظيفة الغائبة فى المدارس الحكومية والخاصة خبير مرورى: التوقف الدائم وطول الرحلة وصخب الأطفال.. عوامل تحتاج إلى سائق خاص كشف حادث قطار أسيوط النقاب عن خلل داخل منظومة نقل تلاميذ المدارس وأوضاع الأوتوبيسات والسائقين؛ حيث اتفق أولياء الأمور والمدرسون والخبراء والمتخصصون أن منظومة نقل تلاميذ المدارس لا تحكمها أى ضوابط أو معايير بل تحكمها العشوائية والمصلحة الخاصة للعديد من المدارس الخاصة التى اتخذت من "الباص المدرسى" وسيلة لتحقيق أرباح خيالية وسريعة رغم افتقار أغلب الباصات إلى معايير السلامة وتدابير الأمان. وأشاروا إلى أن المأساة الأكبر هى حالة بعض سائقى أوتوبيس المدرسة، فمع أن كثيرا منهم يتعاطى مواد مخدرة تجد أن أغلبهم غير مؤهلين للقيادة بدرجة كافية، كما أنهم يعتبرون عملهم فى المدارس عملا إضافيا، هذا فى ظل غياب دور الجهات الرقابية، سواء المديرية التعليمية أو الوزارة للمراقبة والمتابعة، لضمان سلامة أمن التلاميذ، وهو ما يزيد فرص التجاوزات واحتمالات تكرار الحوادث. "الحرية والعدالة" فى هذا التحقيق لا توجه أصابع الاتهام لسائق أوتوبيس تلاميذ معهد النور الأزهرى؛ لأن الأمر كله أمام النيابة العامة وقيد التحقيق، ولكنها تلقى الضوء على الطرف الآخر فى الكارثة وهو "أوتوبيس المدارس" بشكل عام، وهل هو أحد أسباب هذه الكوارث. خدمة متدنية فى البداية، كشفت لمياء حسين، مدرسة بمدرسة خاصة، أن الباص المدرسى من الأمور المليئة بالتجاوزات داخل أغلب المدارس؛ حيث إن التعاقد بين المدارس وأصحاب الأوتوبيسات الخاصة لا يتم على أساس مهارة السائق وخبرته أو مدى جودة الأوتوبيس، وغير ذلك من الأمور الهامة، وإنما يتم بناء على ما تحققه المدرسة من أرباح، فهى تتعاقد مع الأقل سعرا لا الأفضل. وأضافت: "لا توجد أى معايير لاختيار السائقين، فمنهم من يتعاطى المخدرات كحال أغلب السائقين فى الوقت الراهن، ومنهم من يكون خبراته فى مجال القيادة متواضعة للغاية، ويكون مرتبطا بأكثر من عمل فى آن واحد، وهو ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة أوتوبيس به الكثير من الأطفال الأبرياء". أما ممدوح إبراهيم، ولى أمر ويدفع 6000 جنيه فى التيرم الواحد اشتراك الباص لاثنين من أبنائه، فيقول إنه رغم الزيادة المضطردة فى أسعار اشتراك الباص سنويا إلا أن مستوى الخدمة متدن للغاية، وأصبحت هناك حالة من الاستهتار من قبل السائقين؛ حيث يكدسون عددا كبيرا من الطلاب بما لا يتناسب مع عدد المقاعد، فضلا عن أن كثيرا منهم لا يلتزم بتوصيل الطلاب إلى منازلهم وإنما يقوم بإنزالهم فى أماكن قريبة، ومنها تقاطعات الطرق، وهى أكثر المناطق خطورة. ويضيف أن دور المشرفة داخل الباص معدوم تماما، فلا تقوم بدورها الأساسى، وهو اصطحاب الأطفال إلى منازلهم بشكل مباشر، ويكون التلاميذ عرضة للخطر. من جانبه، يرى محمود، أحد سائقى أوتوبيس مدرسة خاصة، أن قيادة أوتوبيس ملىء بالتلاميذ مهمة صعبة للغاية؛ حيث إن ما يسببه الأطفال من صخب وشقاوة مفرطة يكون سببا فى إزعاج السائق وإصابته بالصداع من بداية اليوم وفقدان التركيز، مشيرا إلى أنه كان متعاقدا مع إحدى المدارس الخاصة، ولكنه اكتشف أنها تبخسه حقه فى الأجر؛ حيث لا يتعدى راتبه ثمن اشتراك واحد من مجموع التلاميذ المشتركين، وهو الآن متعاقد مع أولياء الأمور بشكل مباشر بعيدا عن المدرسة وبعيدا عن أى رقابة أو متابعة. معايير مفقودة وعن معايير وشروط الأمان فى الأوتوبيس تقول الدكتورة حنان عبد الرحمن، عضو لجنة السلامة والصحة المهنية بالمركز القومى للبحوث: إن هناك شروطا ومعايير عديدة لا بد من توفرها فى وسائل النقل المدرسى؛ لضمان عنصر السلامة والأمان للطلاب، منها أن تكون الحافلة المدرسية ملك للمدرسة أو يتم استئجارها بشكل رسمى، وتكون بحالة جيدة، ويتم الكشف عليها بشكل دورى، وأن يكون عدد الطلاب المشتركين متناسبا مع عدد المقاعد، وأن يكون لكل طفل حزام أمان، مضيفة أن سائق الأوتوبيس يجب أن يكون صاحب خبرة عالية وحاصلا على رخصة مهنية. وأوضحت د. حنان أن هذه المعايير غير مطبقة على أرض الواقع، إذ إن التعاقد مع الأوتوبيسات يتم بشكل عشوائى ودون التزام بأى معايير، سواء فى اختيار الحافلة المدرسية، فقد تكون متهالكة ولا تخضع لأى فحوصات، وهو ما يجعلها مصدرا للخطر، فضلا عن عدم خضوع السائقين أنفسهم لأى اختبارات للتأكد من مهاراتهم هذا، بالإضافة إلى أن السمة السائدة فى هذه الحافلات هى تكدس عدد كبير من الطلاب داخلها، بما لا يتناسب مع حجم المقاعد، ومن ثم لا يتم استخدام حزام الأمان -إن وجد- فى الأساس. وأشارت إلى أن مواجهة هذا الخلل يتطلب سن قانون ينظم آليات عمل النقل المدرسى فى إطار معايير وضوابط معينة لا يجب الإخلال بها كما يتطلب زيادة جرعة التوعية للأطفال وأولياء أمورهم، بحيث لا يقبلون مثل هذه الأوضاع السيئة؛ حيث إن تقبلها يعد إهدارا للحقوق الآدمية للطفل، كما أن لها أبعادا تربوية ونفسية سيئة مستقبلا. جمع الأموال وأكد توفيق عبد العاطى، مفتش مرور بإدارة مرور الجيزة، أن منظومة النقل المدرسى مليئة بالتجاوزات؛ حيث أصبح يحكمها جشع السائقين والمدارس على حد سواء، فالسائق يحمل الحافلة المدرسية فوق طاقتها، والمدارس لا تهتم بالمتابعة والإشراف بقدر ما تهتم بحصد أموال (الباص المدرسى)، التى تتجاوز قيمتها فى بعض المدارس 3000 جنيه للطالب الواحد. وأضاف أن استخدام بعض المدارس الأوتوبيسات الكبيرة، التى تتجاوز عدد الطلاب بها 90 طالبا، قد يزيد من وقوع الحوادث، كما أنه أمر فيه تجاوز شديد يتسبب فى مشاكل مرورية كبيرة، منها شغل الطريق مدة طويلة، نظرا لأن المسيرة المرورية للأوتوبيس المدرسى معقدة إلى حد بعيد؛ حيث يدخل شوارع وأحياء مختلفة لجمع الطلاب ثم توصيلهم فى نهاية اليوم. وأشار عبد العاطى إلى أن المدارس تلجأ إلى هذا النوع الكبير من الأوتوبيسات، توفيرا لعدد العمالة فى السائقين والمشرفين، وكذلك الوقود، رغم أن نسب الخطورة المحتملة فى الحافلات الكبيرة أكبر من نظيراتها الصغيرة، التى يكون فيها عدد الطلاب محدودا؛ حيث يكون من السهولة متابعتهم وتوفير الحماية لهم بشكل أكبر. وأوضح أن السائقين فى الحافلات المدرسية غالبا ما يكونون مرتبطين بعمل آخر، سواء بعد دورتهم الصباحية لتوصيل الطلاب، أو بعمل ثالث بعد إعادتهم إلى منازلهم، وهو ما يتسبب فى إجهاد كبير للسائق، ويحول دون تركيزه بالشكل المطلوب أثناء القيادة؛ مما ينذر بكوارث كبيرة، فى ظل عدم وجود معايير دقيقة لاختيار السائقين. وطالب بضرورة أن تكون هناك معايير محددة لاختيار سائقى الحافلات المدرسية، يتم فيها التأكد من حسن سيرهم وسلوكهم وإخضاعهم لاختبارات شديدة الصعوبة فى مجال القيادة مع ضرورة إلزامهم بالتفرغ للعمل داخل المدرسة، وذلك من خلال إعطائهم الأجر المناسب؛ وذلك ضمانا وتحقيقا لسلامة الطلاب. على الورق من جانبه، أكد عصام قمر، رئيس شعبة الأنشطة الاجتماعية بالمركز القومى للبحوث التربوية والتنمية بوزارة التربية والتعليم، أن هناك وظيفة هامة داخل المدارس؛ ولكنها ليس لها وجود على أرض الواقع، وإنما وجودها على الورق فحسب، وهى وظيفة مسئول الأمن والسلامة، وهى وظيفة منوط بها متابعة ومراقبة كل أمر له علاقة بسلامة وأمن الطلاب، ومنها الأوتوبيس المدرسى. وأشار إلى أن غياب هذه الوظيفة، فضلا عن غياب الرقابة من قبل الإدارات التعليمية والوزارة، أسهم فى ظهور تجاوزات كثيرة من شأنها تهديد سلامة الطلاب، ومنها وجود سائقين غير مؤهلين، بعضهم يتعاطى المواد المخدرة، فضلا عن عشوائية التعاقدات مع أوتوبيسات قديمة ومتهالكة. وأضاف قمر أن معايير اختيار سائق الأوتوبيس لا يجب أن تقتصر فقط على الجوانب المهنية، وإنما هناك معايير أخرى يجب أخذها فى الاعتبار، وهى أن يتمتع السائق بحالة من الاتزان الانفعالى؛ لأن مهمته صعبة، نظرا لأن التعامل مع الأطفال يحتاج إلى الصبر، نظرا لحالة الصخب المستمرة، وهو ما قد يؤثر بالسلب عليه ويفقده تركيزه إذا كان سريع الغضب. وأوضح أن كثيرا من المدارس تتخذ الأوتوبيس المدرسى كعملية تجارية بحتة، بهدف تحقيق أعلى معدلات للربح دون أن تراعى أرواح الطلاب، وعلى الرغم من أن كل هذه الأمور لها أسس تربوية معينة؛ ولكنها تضيع فى ظل البحث عن المكسب المادى. وشدد على أنه فى ظل غياب آليات الرقابة والمتابعة على هذه الأوتوبيسات لا بد من تفعيل دور أولياء الأمور، متمثلا فى مجلس أمناء الآباء والمعلمين من خلال طرح هذه القضايا الهامة، ووضع حلول جذرية لها وتصعيد الأمر إلى الجهات المسئولة فى حال استمرار الخلل.