نشر أحد أعضاء حملة "استرجل" لمكافحة التحرش على صفحة الحملة بموقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" واقعة حدثت لفتاة صغيرة من جيرانه بأحد الأحياء بالقاهرة، حين خرجت طالبة الإعدادى من منزلها قاصدة محلا للأدوات المكتبية وسلكت فى طريقها شارعا هادئا لتجنب مضايقات العاملين فى الورش التى يمتلىء بها شارعها، إلا أن هروبها لم يجنبها الأذى حيث تتبعها أحدهم لنفس الشارع وضربها على رأسها لتفقد وعيها فيسحبها إلى مدخل إحدى العمارات السكنية ويعتدى عليها ولا ينقذها من الاغتصاب سوى أحد السكان الذى تصادف نزوله فى الوقت نفسه. راوى القصة اختتم ما نشره بتعبيره عن خوفه من أن يسكت والد الفتاة، وأن يظل أسير نظرة المجتمع التى تصم ابنته بالفضيحة والعار، فهذا السكوت هو الذى كان سببا وراء تعرض طفلة أخرى للاغتصاب فى أواخر الشهر الماضى، ففى القصة الشهيرة ب"طفلة أسوان" تعرضت تلميذة فى الصف الأول الابتدائى للتحرش الجسدى من مدرس الفصل، ورغم أن الصغيرة أبلغت والدها بما حدث وبلغ الأمر علم مدير المدرسة؛ إلا أن الوالد اكتفى بتسوية الموقف وديا مع المدرس، وكانت النتيجة أن قام المدرس باغتصاب الصغيرة بعد عدة أيام من واقعة التحرش. الوقاية أولا الصمت والسكوت على الجرائم مثل تغطية الشرارة لا تلبث إلا أن تتحول إلى نيران تحرق كل من سكت عليها؛ وهذا ما حدث فى أسوان وما يمكن أن يحدث إذا سكت والد فتاة باب الشعرية، وخطر السكوت ليس فقط بعد العلم بالجريمة وإنما يبدأ من جهل الطفل بتلك اللمسة السيئة النية وعدم فهمه لها ثم خوفه من الإبلاغ عنها ثم سكوت الأهل وإساءة تصرفهم بعد العلم بالواقعة. توضح سمر عبده –المستشارة النفسية– أن التحرش من شخص قريب للضحية أو من الدائرة المحيطة بها هو الأخطر، فالجانى فيه غالبا ما يقوم بالتودد للضحية والتقرب لها وهو يبدو شخصا مأمون الجانب للأهل، ولهذا لا بد من توعية الطفل منذ بداية خروجه للعالم الخارجى بما يساعده على الحفاظ على سلامته. وتنصح المستشارة النفسية الأهل باتباع الخطوات التالية لحماية أطفالهم من التحرش: - نعلم الطفل أن هناك أماكن لا يمكن ملامستها، ويمكن أن نشرح له ذلك بطريقة المثلثات الافتراضية التى تمثل أعضاءه التناسلية.. فنقول له أن المثلث الأول قاعدته لأعلى ورأسه لأسفل هو من الأمام، والثانى قاعدته لأسفل ورأسه لأعلى وهو من الخلف، وأن هذه الأماكن مميزة لكنها تخص كل إنسان وليس من حق أى أحد أيا كان أن يلمسهم سوى الشخص نفسه أو الأم إذا لم يكن الطفل يستطيع تنظيف نفسه بنفسه. - والأهم أن يشعر الطفل بالأمان مع والديه وأنه لا يوجد شىء على الإطلاق يمكنه خدش علاقته بهما أو انتقاص حبهما له.- أن نوضح له أن التعامل مع أى شخص قد يحاول لمسنا يجب أن يكون بحسم وهدوء وتدريج، فى البداية نقول "لا" بحسم، ثم نرجع خطوة أو اثنين للوراء بعدها نجرى فى اتجاه أقرب شخص كبير نعرفه، ويمكن أن نطلب المساعدة، بداية من زملائه أو الناظر والمدرسين وفراش المدرسة، أو أحد الأقارب الكبار أو من الجيران، حسب طبيعة الموقف. - ومن المهم أن نعلم أولادنا أن هذه القواعد تنطبق على الجميع؛ الغريب والقريب أيا كان خالا أو عما أو عمة أو خالة، ونبين له أن هذه المناطق يجب عدم لمسها؛ ليس لأنها عار أو دنس أو قذارة، ولكن لأنها مكرمة وخاصة ومهمة وجميلة ونظيفة وتستحق العناية، وهذا التوضيح مهم حتى لا نشوه صورة الطفل الذهنية عن جسده، فيجب أن تحب البنت جسدها وجنسها ويحب الولد جسده وجنسه. معاقبة الجانى وتستكمل المستشارة موضحة دور الأهل بعد وقوع حادثة الاعتداء والذى يبدأ منذ لحظة إخبار الطفل بما حدث قائلة: "من المهم جدا أن يعرف الآباء أنه فى حالات التحرش والاغتصاب ليس لدى الأطفال قدرة على الكذب أو الادعاء أو الخداع، لأن الفعل صادم ولم يصل بعد لإدراك الطفل، كأن يصف الوضع أو شكل التلامس، ويجب أن يتسم رد فعل الأبوين بالدعم، فالخطأ الأكبر فى مثل هذه الحوادث أن نقلب الحقيقة ونلوم الضحية بأى صورة من الصور من أمثال: انتِ السبب، لو ماكنتيش بتعملى حاجة غلط مكنش آذاك أنت، اشمعنى أنت من دون أصحابك" إلى آخره من عبارات. وأول ما يجب على الأهل فعله كما تؤكد سمر هو الإصرار على عقاب الجانى، وألا يتنازلوا أبدا عن حق طفلهم، فالجانى يجب أن يعاقب وعلنيا، فأول عقاب للمتحرش هو فضحه، خاصة إذا كان من دائرة المحيطين، وجريمة التحرش ليست عارا على الطفل، ولدا كان أو بنتا، يجب أن نستره، بل هى عار على المتحرش وعلى المجتمع الصامت كله، فالإيذاء الجنسى لا يخرب الجسد فقط، بل يخرب العقل والروح ويشوهه الإدراك ويمرض ضحيته ما لم يعالج ويستمر أثره طول العمر وأقوى ما يمكن أن يحد من الآثار النفسية للإيذاء هو معاقبة الجانى. وثانى خطوة فى التعامل مع موقف الاعتداء كما تقول المستشارة: "لازم أبدأ أحمى ابنى، ولكل موقف تصرفه، فإذا كان عاملا فى الحضانة أو المدرسة أبلغ عنه وأعزله من الوظيفة، وأعلن السبب حتى لا يذهب لبيت آخر بنفس الكارثة، ولو من داخل دائرة الأهل أفضحه فى العائلة على الأقل لأحمى بنتى أو ابنى منه، وربما يكون ذلك سببا لقطيعة بدأها هو، وفى جميع الأحوال لا بد أن أنهى الموقف بحكمة وبالتدريج؛ فعلى كل أسرة موائمة التصرف وفق فقه الحالة الذى يختلف من مكان لآخر ومن أسرة لأخرى ومن فرد لآخر، بالشكل الذى تضمن به كل أسرة حماية أبنائها". وثالث خطوة هى التعامل بعد الموقف وذلك من خلال تقديم الدعم النفسى اللازم للابن أو الابنة، وقد يحتاج الأمر إلى طبيب أو معالج نفسى ليتم عمل برنامج للتعامل مع الآثار النفسية الظاهرة، وقد يتطلب الأمر التعهد لزيارة الطبيب النفسى كل فترة حسب تقييمه للحالة وتشخيصه لها، بالإضافة إلى محاولة تعويض الطفل نفسيا من خلال السعى لتعزيز ثقته بنفسه بلعب رياضة، أو حضور دورات فى مهارات الحياة والتنمية الشخصية، أو تعلم بعض الفنون الإبداعية كالرسم أو الموسيقى؛ لأن هذه الفنون تقوم بعمل شكل من التفريغ النفسى، وتحسن الحالة المزاجية، وتمنح الطفل الإحساس بأن الحياة ما زالت مستمرة. كذلك من المفيد أن يدرك الأب والأم أنهما أيضا قد يكونا فى حاجة للدعم والعون النفسى لفترة بسيطة إذا كان لديهم صعوبة فى تقبل الحدث بشكل يعوق ممارستهم لحياتهم.