أهمل المشرّع المصرى طوال الأعوام الماضية، وضع نص قانونى صريح يعاقب على جريمة التحرش ضد المرأة وعقوبته، على الرغم من تصنيف القانونيين للظاهرة على أنها جريمة، وقد صدر طوال تاريخ مصر القضائى حكم واحد فقط فى عام 2008 ، وكان بحق مواطن تحرش بمخرجة أفلام وثائقية ، وقضى بسجنه 3 سنوات وكان حكماً استثنائياً طبقت فيه المحكمة القانون الخاص بجريمة هتك العرض، ونظراً لتنامى ظاهرة التحرش الجنسى ضد المرأة باعتبارها شكلاً من أشكال العنف، فقد دعا نشطاء وحقوقيون وقانونيون إلى تعديل تشريعى لقانون العقوبات ليشتمل على جريمة التحرش الجنسى، التى تختلف عن الفعل الفاضح ، وهتك العرض ، والاغتصاب، بهدف الحد من انتشار الظاهرة الدخيلة على مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، وهو ما دعا «أكتوبر» للقاء كافة الأطراف المهتمة بالقضية ، لاستطلاع آرائهم فى كيفية تحقيق ذلك من خلال التحقيق التالى : بداية ظهر العديد من المبادرات الشبابية للتصدى لظاهرة التحرش الجنسى ومن تلك المبادرات مبادرة «فؤادة watch» التى اتفقت فيها الناشطات والحقوقيون على تأسيس جبهة موحدة لمناهضة ظاهرة التحرش الجنسى كما تم الاتفاق فيما بينهم على التواصل مع عدد من المؤسسات والخبراء القانونيين والاجتماعيين للوقوف على مسودة قانون تقدم لرئاسة الجمهورية من خلال مسيرة نسائية حاشدة. وأكدت د. عزة كامل رئيس مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية ( أكت) والذى تنبثق عنه مبادرة فؤادة watcأن وسائل الإعلام البديلة والتقليدية كان لها ردود أفعال غير منطقية من قبل بعض المشايخ والدعاة المتشددين الذين ألقوا بمسئولية تنامى هذه الظاهرة السلبية وانتشارها على عاتق النساء وحدهن متهمين عموم النساء والفتيات بالتعرى والإباحية مما يثير غرائز الشباب والصبية مشددين على معالجة الأمر بمنع الاختلاط بين الجنسين والدعوة على استحياء بزى موحد للنساء بمرجعية إسلامية حسب وصفهم، كما اتهموا المناهضين للظاهرة والمتمسكين بحق الفتيات والإناث بشوارع آمنة خالية من التحرش بالدياثة. وشددت د. عزة على ضرورة استصدار تشريع عاجل من قبل رئيس الجمهورية بمعاونة الخبراء النفسيين والاجتماعيين للحد من ظاهرة التحرش الجنسى فى الشارع المصرى والإعداد والتنظيم لحملات وتوعية إعلامية بمخاطر تلك الظاهرة والعمل على التصدى لها. مشيرة إلى أن مبادرة فؤادة أعلنت عن وجود غرفة عمليات تعمل على مدار الساعة لتلقى أى بلاغات عن وقائع تحرش جنسى أو لفظى أو انتهاك يتعلق بالمرأة خاصة بالأماكن العامة والمتنزهات والحدائق، وأمام دور العرض السينمائية. وقال الناشط الحقوقى فتحى فريد منسق مبادرة فؤادة: إن غرفة العمليات تلقت عشرات المكالمات للإبلاغ عن وقائع وتم التأكد من أغلبها، غير أن أغلب اللاتى تعرضن للتحرش رفضن اتخاذ الإجراءات القانونية خوفاً من تضييق الأهل عليهن فيما بعد، أو الخوف من تعرض المتحرش وأهله لهن بالانتقام ومنهن من خشيت الوصمة من قبل المجتمع ورأين أنه من الممكن لومهن واتهامهن بإثارة غرائز الشباب. الفيس بوك واللجان الشعبية وقد كان لمواقع التواصل الاجتماعى على الإنترنت كالفيس بوك دور فى إثارة القضية، فظهرت صفحات «ضد التحرش»، «أنا مش هاسكت على التحرش»، «قطع إيدك»، «ثورة البنات»..و مبادرة «امسك متحرش فى العيد» ووصف القائمون على هذه المبادرة عيد الفطر ب «موسم التحرش». كما تم تشكيل لجان شعبية بدأت تطوف شوارع القاهرة ودور السينما والحدائق العامة ومترو الأنفاق كى يتم رصد حالات التحرش. قام عدد من الشباب فى المنيا بتنظيم وقفة تحت عنوان «استرجل.. واحميها بدل متتحرش بيها» للتأكيد على رفضهم للتحرش الجنسى الذى تتعرض له السيدات والفتيات. وقد أكد المشاركون أن تلك الوقفة تأتى بداية لتنظيم فعاليات أخرى مثل تنظيم ندوات توعية للشباب بخطورة العنف ضد المرأة، ومشاكل التحرش الجنسى، بالإضافة إلى ندوات أخرى للفتيات لتعريفهن بطرق الدفاع عن النفس ومقاومة التحرش، كما طالبوا أيضا بتفعيل قوانين لمناهضة التحرش الجنسى، للحد من انتشار هذه الظاهرة. كما تجمع مؤخرا أكثر من 20 شاباً وفتاة فى القاهرة من أعضاء حركة «بنات مصر خط أحمر» لإطلاق أول فعالية مشتركة لمواجهة التحرش فى وسط البلد بتنظيم حملة طرق أبواب تستهدف التوعية والتعريف بأهداف الحملة . الوقاية خير من العلاج وقد قال الدكتور حمدى يس أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس إن التحرش هو عدوان يمارسه طرف على آخر نتيجة تربية خاطئة وعدم اتباع أساليب التربية الصحيحة وعدم وجود بيئة سليمة وايضا عدم فصل الأولاد عن البنات من سن السادسة. موضحاً أن الطفل يبدأ فى الاحساس بذكورته منذ السادسة فهى فطرة واختلال لنموذج الأب والأم فى البيت. أضاف د. يس أن المجتمع هو الذى يدعو لظاهرة التحرش الجنسى بسبب المواد التى يتم عرضها على شاشات التليفزيون الذى يقدم الإثارة الجنسية. مؤكداً على أهمية التوعية بخطورة تلك الظاهرة ومراقبة الأطفال فيما يشاهدونه على الإنترنت والتليفزيون. وأشارت الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية إلى أن المجتمع هو الذى صنع ظاهرة التحرش بسبب ضعف فرص العمل وازدياد نسب البطالة بين الشباب وعدم استطاعة الشباب الزواج ووجود طاقة لدى الشباب يعجز المجتمع عن توظيفها بشكل جيد. وأضافت أنها لاحظت أنه خلال أيام ثورة 25 يناير لم يقدم أى شاب على حالة تحرش واحدة.. ومعنى ذلك أنه عندما يكون هناك تغيير حقيقى فى المجتمع يصبح لدى الشباب أمل وهدف ويزول إحساس الاحباط واليأس. موضحة أن الأخلاق والتنشئة الدينية الصحيحة عامل أساسى فى الحد من انتشار التحرش. وأكد أستاذ الطب النفسى محمد المهدى على ضرورة التقليل من الإعلانات المثيرة للشهوة، كذلك تعديل الخطاب الدينى الذى يتعامل مع المرأة على أنها جسد شيطانى شهوانى يجب تغييبه عن الحياة وعزله بالكامل بعيداً عن أعين الرجال، موضحاً أن ظاهرة التحرش الجنسى هى رد فعل طبيعى للنظرة الدونية للمرأة وللتشدد الدينى حيث يجب العمل على توعية النشء بأن المرأة مساوية للرجل . وكشفت د. آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أنه رغم انتشار مظاهر التدين فإن المجتمع يئن من الفساد موضحة أن ظاهرة التحرش الجنسى ظاهرة خطيرة ولكن تناولتها وسائل الاعلام بسطحية ولم تقدم أية إفادة حقيقية للمجتمع. واشارت الدكتورة آمنة إلى أن علاج هذه الظاهرة يبدأ أساساً من داخل الأسرة لما لها من دور كبير فى تنشئة أبنائها؛ مؤكدة على ضرورة تشديد العقوبات فى جرائم التحرش واختطاف الإناث. و أكد د. أمين مصطفى، أستاذ ورئيس قسم القانون الجنائى بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية أن المشكلة فى المجتمع الذى يلقى باللوم على الفتاة وكأنها هى المسئولة. كما أن الفتيات اللاتى يتعرضن للتحرش لا يقمن بالإبلاغ، ومن ثم فهناك حاجة إلى حملات توعية لتشجيعهن على عدم الصمت على ما يتعرضن له، إضافة إلى أهمية أن يكون لدينا ثقافة مجتمعية تجعل من يشهد واقعة التحرش يساعد فى الإمساك بمرتكبها قبل الهروب لسهولة إثبات واقعة التحرش فى محضر الشرطة . وأوضح د أمين أن قانون العقوبات المصرى الحالى يكفى بما حواه من مواد لمواجهة الظاهرة. فالمادة 306 مكرر من قانون العقوبات تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن 200 جنيه ولا تزيد على 1000 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو بالفعل فى طريق عام ، كذلك يعاقب القانون على المساس بجسد المرأة أو بعورة من عوراتها، ويعتبر ذلك جريمة هتك عرض، وتشكل جناية يعاقب عليها. كما تنص المادة 268 من قانون العقوبات بالسجن المشدد مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات، فيما تصل العقوبة إلى 15 عاماً إذا كان عمر الفتاة أقل من 16 سنة، وهى المادة التى استند عليها الحكم القضائى الشهير الذى صدر عام 2008 ضد شخص تحرش بإحدى الفتيات حيث حكم عليه بالسجن 3 سنوات. وأوضح د. نبيل مدحت سالم أستاذ القانون كلية الحقوق جامعة القاهرة أن مصر فى مقدمة الدول التى تنتشر بها الجرائم الجنسية فى الوقت الذى لا توجد فيه جريمة تعرف باسم التحرش الجنسى على المستوى القانونى ولا يوجد تعريف للتحرش فى القانون، ولكن هناك نصوص فى القانون يمكن أن تعتبر أفعالا معينة من قبيل التحرش الجنسى مثل هتك العرض وعقوبة هتك العرض 15 عاما. ولكن تعزف الفتيات عن الإبلاغ عن تلك الأفعال. مؤكداً أن هناك مشاكل كثيرة نواجهها فى حالات التحرش الجنسى منها مشكلة الدليل وهى العائق الأول والأهم عند تطبيق أى من هذه القوانين. كما أن للسيدات فرصة واحدة للقبض على المتحرش فى الوقت المناسب، وغالبا ما يجب أن يكون بمساعدة المحيطين بها، ولا تستطيع السيدات أن تقدمن بلاغا إلا إذا توافر هذا الدليل كما ان التحرش الجنسى غير محدد أو مذكور بصراحة فى القانون، ولذلك ينبغى على المحيطين بالضحية مساندتها بالشهادة ضد المتحرش. دور الأحزاب وعن دور الأحزاب يقول نادر بكار المتحدث الرسمى لحزب النور السلفى إن حزبه بدأ بمواجهة ظاهرة التحرش الجنسى بعمل حملات توعية للأطفال وشباب المراهقين بتجريم هذا الفعل وتوضيح خطورته، فضلا عن توعيتهم بالموعظة الحسنة وضرورة الدفاع عن الأعراض والتى تعد حرمتها كحرمة الدم والمال، موضحاً أن التوعية ستتم من خلال دروس المساجد واللقاءات الفكرية والثقافية وعمل حملات توعية فى الشوارع بالإضافة إلى طبع ملصقات دعاية توضح مدى جرم هذا الفعل وحرمانيته. وأكد بكار أيضا أن مواجهة تلك الظاهرة تحتاج إلى تكاتف وتعاون كل فصائل المجتمع وليس الأحزاب وحدها مطالباً بوجود تشريع قانونى صارم لمواجهة تلك الظاهرة ولكن هذا التشريع لابد أن يعمل أيضاً على تقويم سلوك المتحرش وليس العكس حيث لا توجد أية فائدة من إلقاء من يتم القبض عليه بهذا الفعل فى مصلحة أحداث مثلا لأنها ستزيد من طاقة الشر عنده وإنما الأفضل أن يعاقب بخدمة اجبارية سواء فى الجيش أو أية جهة حكومية أخرى .