قبل أيام تفصل المصريين عن الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، أطلق الانقلاب العسكري غربانه في الإعلام والسياسية تنعق بأن الثورة كانت "مؤامرة"، من بين هؤلاء محمد نبوي، المتحدث باسم حركة "تمرد" التابعة للمخابرات العسكرية، الذي قال اليوم الأربعاء، إن :"25 يناير كانت ثورة عظيمة قام بها الشعب المصري لتنفيذ بعض المطالب، ولكن جزء من الثورة كان «مؤامرة» من جهات آخرى، سواء الجماعة الإرهابية أو من الخارج"، مضيفًا: «اللي مبيشوفش من الغبرال يبقى أعمى». وأضاف نبوي، بحسب التعليمات العسكرية، خلال مداخلة هاتفية في برنامج «حضرة المواطن»، مع الإعلامي سيد علي، عبر فضائية «العاصمة»، «الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير كانت من أجل أن تكون البلاد أفضل، لم تنطلق من أجل أن تكون فوق مصر، مصر أكبر من كل الثورات، وعلينا أن ننظر للمستقبل وننسى الماضي بكل ما فيه». وفي نهاية التعليمات المكلف بها "نبوي"، وجه الشكر والتقدير لقيادات الانقلاب في الجيش والشرطة، زاعماً أن القوى السياسية المنتمية ل«25 يناير أو 30 يونيو»، ترفض دعوات التظاهر في ذكرى الثورة! هل كانت مؤامرة لا دليل لهؤلاء "العميان" الذين يطعنون "25 يناير" إلا فيما قاله "صقر" المخابرات فلان، أو "أسد" أمن الدولة علّان، وغيرهم من القادة العسكريين والأمنيين فى فترة مبارك والشهور التى قضاها المجلس العسكرى فى السلطة، وهى شهادات مردودة على أصحابها المطعون في ولائهم للشعب، ما يستدعى إعادة قراءتها والرد عليها. يقول الكاتب الصحفي المتطرف في عشق قائد الانقلاب، محمد الكردوسي، بعد اعتراف السيسي بأن 25 يناير ثورة شعبية :" بالنسبة لى.. لن تغير تصريحات السيسى -رغم فاشيتى فى محبته- من قناعتى، بل يقينى، بأن ما جرى فى هذا اليوم الأسود كان «مؤامرة» بكل ما سبقه من مقدمات ولحقه من نتائج.. «واللى ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى»، وإذا كان يظن أنه ليس أعمى فإننى على استعداد أن «أقرطس» له عشرات الوثائق التى تدينه، وأفقأ بها عينيه". أغلب شهادات سلطات الانقلاب (القادة فى الجيش والمخابرات والأمن القومى، والأجهزة الأمنية وحبيب العادلى نفسه) تتحدث عن المؤامرة، ولا تكتفى بذلك لكن تذهب إلى أنها مؤامرة لم تأت بغتة ولم تفاجئ أحدًا، لأنه وبحكم هذه الشهادات، كل قادة ورجال مبارك كانوا يرصدونها، ويعرفون أن "أجندات" خارجية أرادت إحداث تغيير كذلك الذى حدث فى تونس، وأنها دربت عناصر مصرية فى الخارج، واستعانت بعناصر أجنبية لمساعدتها فى تنفيذ مخطط الفوضى، لكن كلا من هؤلاء لم يقل حتى هذه اللحظة، ولم يسأله أحد من أنصار نظرية "يناير مؤامرة" بوضوح: ماذا فعل بحكم مسؤولياته بعد هذا الرصد، إذا كانت مسؤوليته تنحصر فى حماية البلاد من مثل هذه المؤامرات؟! صامتون عن المؤامرة! كثير مما ورد فى هذه الشهادات يكفى لمحاكمة أصحابها، لا بتهمة الانقلاب فحسب، ولكن بتهمة التقصير الفادح الذى أدى إلى أضرار بالغة بالأمن القومى، ومحاكمة نظام مبارك كله باعتباره كان نظامًا هشًّا تافهًا يعرف الأخطار ويرصدها ويمسك بكل خيوطها، لكنه لا يتمكن من مقاومة هذه المخططات التى يعرفها سلفًا، ويتركها تنفذ إرادتها. تحدث أحد قادة الجيش السابقين عن "المؤامرة" و"العناصر الإخوانية" التى تحالفت مع عناصر فى الخارج لتمرير هذا وذاك، وعن المخلوع الذى لم يأمر بقتل المتظاهرين! ولسان حال هؤلاء العميان يقول :"25 يناير..هى إذن مؤامرة وواضحة من اليوم الأول لكننا انحزنا للمؤامرة، وتباهينا بأننا وقفنا معها وحميناها، ووضعنا أيدينا فى أيدي المتآمرين، ووجهنا التحية العسكرية لشهداء هذه المؤامرة"! تحدث قادة الانقلاب –فيما بعد- فى شهاداتهم عن أن التوريث كان "شائعة"، لكن قادة أعضاء فى المجلس العسكرى السابق لهم تصريحات تليفزيونية تتحدث عن موقف الجيش من التوريث ووقوفه ضده، أحدهم وهو يصف دور أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى يناير، قال: "لو لم تنجح هذه الثورة لكانت رقابنا كلنا قد طارت -يقصد أعضاء المجلس العسكرى أو كنا سنؤدي التحية لجمال مبارك". فيما يقول رئيس جهاز أمنى كبير، عن ثورة 25 يناير: "رصدنا أبعاد المؤامرة وفشلنا فى التعامل معها"، لكنهم يحاولون إخراج الثورة من مضمونها بإيحاءات متتالية كونها مؤامرة، لم تكن لها أى دوافع حركت الغضب فى عقول المصريين، ولا يحاولون فى الوقت نفسه الاعتراف بمسؤولية مباشرة عن التقصير لو أرادوا أن يقتنع أحد بهذه الروايات. المدهش أن إعلام الانقلاب العسكري الذى يتبنى رواية أن 25 يناير مؤامرة، ويدافع عن ذلك، ما زال يخلع على رموز عصر مبارك صفات البطولة، فيصف رجلاً بأنه "الصقر"، لكن من شهادة الرجل نفسه فهو لم يكن صقرًا ولا يحزنون، بدليل أنه لم يستطع التعامل مع "المؤامرة"، وترك العملاء الأجانب والمتآمرين فى الداخل يمزقون البلاد! ويصفون آخر بأنه "الرجل القوى"، ومن شهادة هذا الرجل القوى نفسه تكتشف أنه عجز عن مواجهة 25 يناير "المؤامرة"، التى من نص شهادته لم تكن مفاجأة، لكن خيوطها كلها كانت مرصودة، ولم يفلح كل ما تحت يديه من أجهزة ومعدات وقوات فى التصدى لها، واستسلم بعد ساعات قليلة بالقوات المسلحة! مواجهة ذكرى المؤامرة! تقول مخرجة مشاهد الإباحية، الداعية إلى ترخيص الدعارة في مصر، إيناس الدغيدي، إنها ترى أن ثورة 25 يناير جزء من مؤامرة دولية تعرضت لها مصر، والدول المحيطة في المنطقة العربية! إعلام الانقلاب وقبيل أيام تفصل المصريين عن الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، يسعى ويلح من أجل عودة سياسات حبيب العادلى الأمنية، رغم أن هذه السياسات فشلت فى أن تحمى البلاد من 25 يناير "المؤامرة"، وكل الذين يرددون هتافات عن المؤامرة والتمويل والاختراق، لا يسألون أنفسهم للحظة واحدة: ما مستوى كفاءة أذرع العسكر وقتها، إذا كانت مؤامرة نجحت فى الإطاحة برأس نظام كامل ومحاكمته وإدخاله السجن وإدانته بالفساد؟! إن كانت ثورة 25 يناير مؤامرة..من المسؤول عنها؟ ومن الذى لا بد أن يحاكم بتهمتي التقصير والإهمال باعتباره علم ولم يحاول حماية البلاد؟ ومن الذى لا بد أن يحاكم بتهمة الخيانة العظمى، إذا كان هؤلاء جميعًا من مبارك إلى من هم أسفل منه أقسموا على الحفاظ على حدود الوطن وسلامة أراضيه، فإذا بهم يرصدون المؤامرة ويمسكون خيوطها ويفشلون فى منعها؟! إعلام الانقلاب المعادي لثورة 25 يناير، يطالب ليل نهار بمحاكمة كل من شارك فى " المؤامرة" أو منحها بعض التأييد، لكنه لا يطلب محاكمة المقصرين المتخاذلين، أو الاعتراف بأن من يحن لقوتهم وحسمهم من هذا الصقر وذاك الفهد، وذلك الأسد كانوا أهش وأضعف وأتفه من المتصوَّر عنهم، ولم يكن فيهم من يستحق موقع المسؤولية. وصف ثورة 25 يناير ب"المؤامرة" من طرف الانقلاب وأذرعه السياسية والإعلامية بل والدينية، يكفى ويفيض لمحاكمة العسكر وقائدهم الذي ترك الشعب يتآمر ويحلم بالديموقراطية، ووصل إلى حد انتخاب رئيس جمهورية مدني في انتخابات شعبية تآمرية شهد لها العالم بالنزاهة، وبعدها انقلب على المؤامرة في 3 يوليو 2013، طوبى للأغبياء!