السؤال يبدو غريبا لكنه مطروح بإلحاح بين قطاعات واسعة من المواطنين ممن يؤمنون بنظرية المؤامرة, أو يستمعون لخطاب نسخ ثورة30 يونيو لثورة25 يناير, رغم أن الأولي تكمل الثانية ولا يوجد تناقض بينهما إلا في أذهان بعض رجال دولة مبارك والمستفيدين من عصره, هؤلاء يروجون بنشاط وافر ومن خلال الإعلام لادعاء لا تثبته الحقائق أو الوثائق بأن25 يناير لم تكن سوي مؤامرة إخوانية مدعومة من حماس وقطر وحزب الله وواشنطن وأحيانا إيران وإسرائيل. ورغم تناقض مصالح الأطراف الخارجية التي يقال إنها كانت وراء المؤامرة إلا أن أنصار المؤامرة لا يلتفتون إلي هذه التناقضات ويجمعون بينها, ويحاولون استغلال مشاعر الرفض الشعبي والكراهية للإخوان المسلمين فيحملونهم كامل المسئولية عن تنفيذ المؤامرة في الداخل وإحراق أقسام الشرطة واقتحام السجون, ومع أن اتهام الإخوان باقتحام السجون أمام القضاء العادل إلا أن تحميلهم كامل المسئولية عن إحراق أقسام الشرطة يظل محل شك ولم تثبته التحقيقات, وأنا هنا لا أدافع عن الإخوان أو أي طرف يثبت تورطه في مهاجمة المنشآت العامة والمصالح الحكومية, ولابد أن يحظي الجميع بتحقيق عادل ومحاكمة نزيهة, لكني أدافع عن المنطق والحقيقة, لأنه من غير المعقول أن يدفع العداء للإخوان البعض لتحميلهم دورا أكبر من حجمهم حتي وإن كان هذا الدور يتعلق بتنفيذ مؤامرة أو مخططات تخريبية, فالحراك الشعبي الهائل في25 يناير كان أكبر من الإخوان وأي فصيل سياسي آخر. فرضية المؤامرة لا تستند إلي أدلة أو نتائج لجان تحقيق مستقلة, علما بأن هناك لجنة تقصي حقائق شكلت بعد ثورة يناير برئاسة المستشار عادل قورة, وأنهت أعمالها دون أن تشير إلي مؤامرة وأطراف خارجية دبرت الأحداث وحركتها, كما أن المجلس العسكري الذي قاد المرحلة الانتقالية الأولي لم يعلن أو يناقش فرضية المؤامرة, والتي يروج لها الآن رجال دولة مبارك, خاصة بعض قيادات الأجهزة الأمنية, وبالطبع يمكن أن نتفهم دوافع هؤلاء ورغبتهم في تبرئة أنفسهم وتبرئة نظام مبارك بأكمله, لذلك نجدهم يركزون علي تشويه شباب الثورة واتهامهم بالمشاركة بوعي أو بدون علم في تنفيذ مؤامرة الثورة علي نظام مبارك, ويدعي هؤلاء أن شباب الثورة لعبوا الدور الثاني بعد الإخوان في تنفيذ المؤامرة, كما أن الحماس وقلة الخبرة مكنت الإخوان من توظيف الشباب وسرقة الثورة منهم, كما ساعدت أطرافا أجنبية علي التغرير بالشباب وتوريطهم في أعمال لا تخدم المصلحة الوطنية, وفي هذا السياق يجري تشويه عدد من رموز شباب الثورة واتهامهم بتلقي أموال من جهات أجنبية, والادعاء بأنهم طابور خامس لأعداء الوطن, ولاشك أن هذه الاتهامات لا يمكن قبولها بعد ثورة يناير لأنها تفرض نوعا من الوصاية الوهمية علي الشباب, كما تحاول اغتيال المخالفين في الرأي معنويا باتهامهم بالخيانة أو الكفر, وهي أمور لابد من التخلص منها. رسالتي أنه لا داعي لإطلاق حديث المؤامرة أو التخوين أو التكفير بدون أدلة وبدون تحقيق وأحكام قضائية نهائية, وما إطلاق الاتهامات والترويج لفرضية25 يناير مؤامرة كبري إلا محاولة فاشلة لإعادة كتابة أحداث قريبة عشناها ولاتزال حاضرة, وعملية تشويه وتلاعب بوعي الناس تستهدف من وجهة نظري:- 1- التشكيك في قدرة الشعب المصري العظيم علي الثورة, لأن التسليم بفرضية أن25 يناير مؤامرة خارجية, وظفت الشعب من دون أن يدري لتحقيق مصالحها, يعني عدم قدرة الشعب علي القيام بفعل مستقل اعتمادا علي إرادته الذاتية ومعاناته من نظام مبارك.2- تبرئة رجال ومؤسسات نظام مبارك من تهم الفساد أو التقصير, فالنظام كان يعمل بكفاءة ويحقق الاستقرار ومعدلات تنمية مقبولة, وكان يمكن أن يستمر لولا المؤامرة الخارجية التي أسقطت النظام, وأعتقد أن هذه الادعاءات لا تصمد أمام منطق أو برهان, فهي غير صحيحة ومتناقضة وتدين الفلول أنفسهم, لأننا إذا سلمنا بصحة فرضية المؤامرة فإن المعني الوحيد لنجاحها في الإطاحة بمبارك هو تردي الأوضاع العامة وفشل الأجهزة الأمنية في كشف المؤامرة وحماية الأمن القومي, رغم ما كان ينفق عليها من أموال طائلة, ورغم الادعاء بقوتها وفاعليتها! 3- التقليل من شأن الانتفاضة الشعبية الهائلة في25 يناير لصالح30 يونيو, فالأولي مجرد مؤامرة أدت لحكم الإخوان الفاشل, بينما الثانية كانت ثورة وطنية حقيقية خلت من التآمر أو التأثيرات الخارجية, وهذا الافتراض غير سليم من الناحية المنطقية لأنه: أولا: يتعارض مع حقائق التواصل والتكامل بين انتفاضتي25 يناير, و30 يونيو وسعيهما المشترك للتحول إلي ثورة تقضي علي نظام ونهج مبارك, وتؤسس لدولة الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني, وهي أهداف لم تتحقق حتي اليوم. ثانيا: يتعارض مع منهج ونظرية المؤامرة الذي يؤمن بأن كل الأحداث هي مؤامرة بمعني من المعاني, ولا يوجد فعل سياسي وطني ومستقل تماما, لذلك إذا استمعنا إلي حديث الإخوان عن ثورة30 يناير فسنجد فيه كلاما كثيرا متهافتا وسطحيا عن مؤامرة الجيش ودول الخليج علي حكم الإخوان, وكيف أن شباب تمرد كانت تحركهم أجهزة الأمن والمخابرات إلي آخر تلك الاتهامات التي لا تستند إلي أدلة وبراهين, تماما كتلك التي يطلقها القائلون بأن25 يناير مؤامرة! لمزيد من مقالات محمد شومان