* الاستيلاء 19 ألف متر مربع من أراضي طرح النهر بالقليوبية ولا إحصاءات رسمية * المسئولية الموزعة بين البيئة والري والزراعة سبوبة الحرامية
كتب - جميل نظمي: أكدت تقارير رقابية بمحافظة القليوبية أن 9 أندية أقيمت على أراضي طرح النهر بالمحافظة أغلب التعديات فيها تابع لوزارة الري.
وأنشأت الوزارة نادي الري، كما أقامت قاعة أفراح على كورنيش حي غرب شبرا الخيمة، بالإضافة إلى أن الأندية ال9 المشار لها جميعها شيدت دون ترخيص وتتبع مؤسسات حكومية ونقابات مهنية، على مساحة قدرها 19 ألف متر مربع على شاطئ نيل بنها، وتقدر قيمتها بنحو مليار جنيه. وأكد التقرير أن جميع النوادي والنقابات الموجودة والمقامة على نهر النيل ببنها صدر لها قرارات إزالة لتعديها على أملاك الشعب ولم تتحرك جهة للتنفيذ.
وكشفت تقارير رسمية، مساحة الأندية ببنها؛ حيث إن نادي المعلمين مساحته 2850 مترًا مربعًا، والزراعيين 2400 متر مربع، والتطبيقيين 1530 مترًا مربعًا مقامة على أراضي أملاك أميرية وري، كما أن نادي نقابة المهن الاجتماعية والمسنين مساحته 216 مترًا مربعًا، ونادي العمال مساحته 1680 مترًا مربعًا.
وأكد أنه توجد قرارات إزالة صادرة لعدد من النوادي منذ سنوات لكن لم يتم التنفيذ حتى الآن، كما أن جميعها ردمت النيل لإقامة ملاهي أطفال وقاعات أفراح ومؤتمرات تدر عليها آلاف الجنيهات يوميًّا، ولا تستفيد منها ميزانية الدولة.
وتعود أزمة أراضي طرح النهر لتفرق تبعيتها بين ثلاث وزارات هي الري والزراعة والبيئة، ومن هنا يمكن لأي إنسان أن يفعل به ما يريد دون مساءلة، ومن هذه الثغرة تعرض النيل طوال تاريخه لتعديات كثيرة وردم أجزاء كبيرة منه على اعتبار أنها أراض من طرح النهر ليس لها صاحب، وزادت هذه التعديات بعد الثورة حتى أنه خلال العام الماضي فقط، تم التعدي على أكثر من 100 فدان بالنيل، 70 فدانًا منها تمت إقامة مبان مخالفة عليها و30 فدانًا آخر تم التعدي عليها بالردم.
ولأن التعديات السابقة لم يستطع أحد الوقوف أمامها، خاصة قصور كبار مسئولي الدولة في العهد، والتي تطل على النيل مباشرة، بعدما اقتطعوا أجزاء منه لإقامتها ما زالت حتى الآن شاهد عيان على الفوضى التي يعاني منها النيل، وأراضي طرح النهر المحيطة به.
قانون 116 لسنة 1983
تعد أراضي طرح النهر واحدة من أجود الأراضي الزراعية التي تكونت بفعل تراكم الطمي على جانبي نهر النيل وعلى الجزر المنتشرة به، ووفقًا للقانون رقم 116 لسنة 1983، والقانون رقم 2 لسنة 1985 يحظر البناء على أراضي طرح النهر أو تجريفها أو تبويرها، إلا أن هذه الأراضي لم يحمها هذان القانونان، ولا تبعيتها لهيئة التعمير والمشروعات بوزارة الزراعة، فأصبحت مطمعًا لرجال الأعمال وكبار رجال النظام الذين استقطعوا مساحات كبيرة منها، وحولوها إلى قصور أشهرها قصر وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني الذي ردم أجزاء من النيل لتحويله إلى مرسى خاص ل"اللانش" الخاص به، ويجاوره قصر خاص بوزير إعلام دولة خليجية بمنطقة منيل شيحة بالجيزة وبجوارها قطعة أرض محاطة بأسوار عالية تمهيدًا للبناء عليها يقال إنها كانت ملكًا لعلاء مبارك نجل المخلوع.
ولأن الكبار فعلوا هذا بالنيل وبأجود الأراضي الزراعية، لم تستطع الحكومة أن تقف كثيرًا أمام تعديات الصغار، الذين تحولوا إلى حيتان يستولون على أراضى طرح النهر لإنشاء مبان سكنية منها 190 برجًا تمت إقامتهم دون ترخيص بمنطقة المعصرة بحلوان، يقع عدد كبير منها على أراضى طرح النهر الممنوع البناء عليها، كما شهدت المنطقة نفسها تعديات على أكثر من 8 أفدنة من أراضي طرح النهر من قبل المواطنين بإنشاء كافيتريات ومشروعات سياحية، وتدرس محافظة القاهرة الآن كيفية التعامل مع هذه المخالفات.
وتعد منطقة منيل شيحة بالجيزة واحدة من أكثر مناطق التعديات على النيل؛ حيث استولى رجل أعمال يدعى (ماجد...) على قطعة أرض وحولها إلى قاعة احتفالات وكازينو، رغم أنها أرض طرح نهر، والغريب أنه أثناء الثورة تم التعدي على المبنى ونهب بعض محتوياته، وحصل صاحبه على تعويض من وزارة السياحة، رغم أن المبنى مقام على أرض غير مخصصة لهذا الغرض.
كذلك تشهد ضفتا نهر النيل تعديات كبيرة بطول مساره من أسوان للقاهرة أشهرها إقامة نواد وملاه خاصة في مدينتي الأقصروأسوان، وإنشاء فنادق ومراس للفنادق على مساحات يتم استقطاعها وردمها من مياه النيل، وفي القاهرة والجيزة تشمل التعديات الكبار والصغار معًا، فبجوار القصور التي يمتلكها الكبار توجد تعديات لبعض المواطنين بإنشاء مبان سكنية على أراضي طرح النهر بجزيرة الوراق، وتحويل أجزاء منها إلى كازينوهات وكذلك تحويلها إلى مواقف عشوائية للسيارات وورش للإصلاح، بالإضافة لتدعى لإنشاء مبان سكنية في غيبة من الجهات المسئولة عن حماية أراضي الدولة وحماية النيل.
إحصاء رسمي
جدير بالذكر أنه لا يوجد إحصاء رسمي في مصر يوضح مساحة أراضى طرح النهر، ففي عام 1958 كانت هذه الأراضي تمثل 58 ألف فدان، إلا أنه طوال السنوات الماضية ونتيجة انحسار مياه النيل زادت هذه المساحات، لكن تشتت مسئولية حماية النيل بين وزارات الري، والزراعة والبيئة، أدى إلى ضياع المسئولية بينها حول هذه الأراضي والجهة المسئولة عنها.
ووفقًا لتقارير إدارة حماية النيل بوزارة الري بلغ حجم التعديات على النيل وأراضيه طوال الثلاثين عامًا الماضية 22 ألف حالة تعد، منها 1200 مبنى سكني لم تتم إزالة سوى 3300 حالة فقط، بينما استمرت باقي حالات التعدي كما هي، بل أصبحت أمرًا مسلمًا به، وما تشهده جزر الذهب ومحمد من محاولات رجال الأعمال للاستيلاء عليها حلقات ضمن هذا المسلسل المستمر للاستيلاء على أراضي طرح النهر، وتحويلها إلى مبان وقصور ومنتجعات سياحية.
والأمر لا يقتصر على التعديات على النيل بالقاهرة فقط، بل إنها حالة عامة يشهدها نهر النيل وأراضى طرح النهر في 17 محافظة وفقاً لتقارير وزارة الري، التي تسيطر فقط وفقاً للقانون على مسافة 30 مترًا فقط من خط المياه، وبعد ذلك تصبح أراضي طرح النهر مسئولية هيئة التعمير والمشروعات بوزارة الزراعة.
الغريب أن التعديات على أراضي طرح النهر ليست قاصرة فقط على تعديات صغار وكبار رجال الأعمال لتحويلها لكازينوهات، إنما امتدت لبعض المسئولين بالدولة الذين سهلوا لأنفسهم الاستيلاء على هذه الأراضي والبناء عليها، وهو ما حدث في محافظة الدقهلية، حيث سمحت الجمعية التعاونية للبناء والإسكان لمهندسي وزارة الري بالاستيلاء على أراضى طرح النهر بالمنصورة، وتمت إقامة مشروع سكني عليها.
تم تحرير محضر بالواقعة برقم 13080 جنح طلخا لسنة 2010 والمحضر رقم 270 لسنة 2010، بعد إبلاغ إدارة حماية النيل عن هذه المخالفات، وتبين أن بعض المساكن يقيم بها مواطنون، ومن ثم أصبحت إزالتها أمرًا صعبًا، وهذا هو المنطق الدائم للتعامل مع مثل هذه المخالفات؛ حيث يقوم المواطنون بالبناء في غيبة من المسئولين عن حماية النيل، ويقيمون في المباني، ومن ثم تصبح إزالتها أمرًا مستحيلاً، وبذلك يتم تقنينها، خاصة أن القانون الذي يتيح بيع هذه الأراضي يتيح التنازل عن حق الانتفاع مقابل مبلغ مالي يتفق عليه الطرفان، ويقوم المشترى فقط بسداد مقابل حق الانتفاع للدولة، والذي حددته وزارة الزراعة خلال رئاسة المهندس أمين أباظة لها ب20 جنيهًا سنويًّا للمتر، وهو ما اعترضت عليه اللجنة العليا لتنمية أراضى الدولة التابعة للوزارة وفقًا للقانون 100 لسنة 1964 والتي قضت بتحصيل 1000 جنيه كإيجار سنوي عن هذه الأراضي، خاصة أن معظمها يتم استغلاله كنواد سياحية، وكازينوهات أو قصور فارهة، على أن تتم إعادة تثمينها سنويًّا، بما يضمن حقوق الدولة.
يذكر أن دراسة مهمة لوزارة الري أكدت أن التعديات على النيل تهدد مستقبل الزراعة في مصر لتأثيرها في وصول مياه النيل إلى نهايات الترع، وتتسبب في حدوث اختناقات في مجرى النيل والترع والمصارف بالمحافظات.
وحذرت الدراسة من أن استمرار مسلسل الفوضى الأمنية سيؤدي إلى زيادة معدلات التعديات وتأثيراتها السلبية على الإنتاج الزراعي والبيئة، وأنها ستؤدى إلى زيادة معدل الفجوة في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والأرز.