أقل ما يوصف به حال المشهد المصري حاليا هو أنه زمن توفيق عكاشة ومرتضى منصور، بعدما انقلب الجيش على الرئيس الدكتور محمد مرسي برعاية وتشجيع من جماعات المصالح وأنصار النظام القديم ونخبة اليسار ومن لف لفيفهم. وفي خضم الفوضى الانقلابية وعلى أعتاب الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، تستعد مصر لموجة استشهاد جديدة، بعدما هدد غعلام الانقلاب بالقتل والفوضى في كل مكان بفعل زبانية الانقلابيين من البلطجية تارة ، أو من قبل عناصر الشرطة والجيش تارة أخرى، وفي كل مرة فان الضحية هم أنصار الرئيس المنتخب. حلمك يا شيخ علام! مفتي الانقلاب الشهير بسرقة الأبحاث والمقالات والكتب العلمية، شوقي علام، أفتى بعدم جواز "إطلاق لقب شهيد على قتلى التظاهرات بدعوى أنها تدعو إلى الفتنة"، واعتبر علام خلال رده على سؤال ما حكم إطلاق وصف الشهادة على قتلى التظاهرات والاعتصامات؟، أن "إطلاق وصف الشهيد على المسلم الذي مات في معركة مع الأعداء، أو بسبب من الأسباب التي اعتبرت الشريعة من مات به شهيداً، لا بأس به - كما يقال: "المرحوم فلان"، ويراد الدعاء له بالرحمة- ما دام لا يقصد القائل القطع بشهادته، وإنما قصد بإطلاقه الاحتساب أو الدعاء". وشدد على أن "من ذهب للتظاهر أو الاعتصام المشروعين، فحصلت حوادثُ تؤدي لمقتله، فيجوز وصفُه بالشهادة دعاءً أو احتساباً، ما لم يكن معتدياً أو كان سبب هلاكه معصية؛ كمخالفة القانون، أو الخروج للدعوة إلى فتنة، أو العمل على إذكاء نار فتنة، أو الاعتداء على الأرواح أو الممتلكات العامة أو الخاصة، ونحو ذلك، فمن كان كذلك فليس بشهيد، ولا يجوز إطلاق هذا الوصف الشريف عليه"! منابر ضد الثورة وكانت وزارة الأوقاف قد دخلت هى الأخرى على خط معركة الانقلاب مع معارضيه، وخصصت الأسبوع الماضي خطبة الجمعة في المساجد للتصدّي لدعوات إحياء الذكرى الخامسة للثورة بالتظاهر. ونبّهت الوزارة على خطباء المنابر، بضرورة "توعية المصلين بخطورة الدعوات الهدامة، التي أطلقتها جماعة الإخوان المسلمين للتظاهر في ذكرى ثورة 25 يناير"، بحسب منشور أصدرته الوزارة. وتضمنت عناصر الخطبة، التي تم توزيعها على خطباء وأئمة المساجد قبل يوم الجمعة الماضية، خطوطاً عامة أهمها "نعمة الاستقرار والأمن"، وتأكيد أن استقرار الوطن ضرورة شرعية، وتذكير المصلين بما آلت له الأوضاع في عدد من الدول المجاورة لمصر في المنطقة، مثل سورية والعراق وليبيا، بعد تعريض أمن بلادهم للخطر بسبب رغبة البعض في تغيير الأنظمة. خوف وغضب وتعيش أذرع الانقلاب العسكرية والسياسية والاعلامية خلال الأيام الأخيرة حالة من التوتر والقلق، مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير، في ظل حجم الغضب المكتوم بين الشعب المصري، وتلجأ السلطات لوسائل القمع المتنوعة لكبح دعوات اللتظاهر، بتصريحات القيادات الأمنية حول مواجهة التظاهرات ب"الضرب في المليان". كما استحضرت الداخلية صورة اللواء مدحت المنشاوي، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأمن المركزي، وقائد عمليات فض اعتصام رابعة، الذي وضعته منظمة "هيومان رايتس ووتش" ضمن المسؤولين عن مجزرة فض "ميدان رابعة"، حيث هدد السبت الماضي، بأن "أي واحد هيفكر في الخروج عن القانون أو ترويع المواطنين الآمنين فى يوم 25 يناير، لا يلوم الا نفسه، لأننا عندنا استعداد نضحي بأرواحنا لحماية المواطن اللي ائتمنا على حياته وسلامته، وإحنا قد الأمانة ده". وغالبا ما تستعين داخلية الانقلاب بشخصية المنشاوي، قبيل الأحداث المهمة، حيث تصدرت تصريحاته العام الماضي فيما عُرف ب"انتفاضة الشباب المسلم" التي أعلنت عنها الجبهة السلفية وعدد من الحركات الثورية الجمعة 28/11/2014. تداعيات الانقلاب تطور الوضع في مصر الى ما هو أسوأ مع مرور كل ساعة يظل فيها الانقلابيون في سدة الحكم، إذ لم يكتف الانقلابيون بجرائمهم المتتالية، فلم يترك مسيرة داعمة لشرعية الدكتور مرسي، إلا وهاجمها أذناب وزارة الداخلية ، أو عناصر الشرطة نفسها بأزياء مدنية، في الوقت الذي لم تمنع الرصاصات الغادرة والأسلحة البيضاء المسيرات من التواصل للمطالبة بعودة الشرعية، في تحد واضح لكل ما يمكن أن يعوق مسار هذه المسيرات والاعتصامات. المفارقة أن من يخرج مرة ويرى الرصاص بين عينيه ثم يطيشه، يخرج مرة أخرى لعله تصيبه رصاصة فينال بها الشهادة، حتى خرجت الملايين الهادرة الى الشوارع منذ أكثر من عامين، تطالب بحريتها، واستعادة حقوقها التي جرى السطو عليها. إنها البطولة والاستبسال واستعذاب كل الصعاب التي عززها المصريون، وخاصة من داعمي الشرعية في وقفاتهم وهباتهم وانتفاضاتهم ، لم يهزهم الرصاص، ولم ترعبهم الأسلحة البيضاء للبلطيجة، كما لم تمنعهم حملات التهديد والوعيد الصريح من قبل الأجهزة الأمنية، أو حتى التفويض الذي منحه أنصار الانقلاب ودعاته الى قاتله لمكافحة ما وصفه بالارهاب. إنه صمود الأبطال، الواثق بنصر الله، الذي لايعرف سوى العزيمة والإرادة التي لا تلين، وهو الصمود الذي تفوقت فيه النساء على كثير من الرجال داخل ميادين القاهرة والمحافظات المصرية، حتى الأطفال أنفسهم قدموا نماذج بطولية في الاستبسال مع ذويهم، بل كان منهم من قضى نحبه، ونحتسبهم جميعا شهداء. ارهاصات الصمود تؤكد أن المصريين سيبلغون مرادهم بعون الله، مهما كانت العقبات في طريقهم، أو العراقيل في مسيرتهم ، كونهم على ثقة ويقين في ربهم، ما داموا قد أخذوا بأسباب النصرة، وضحوا من دمائهم وأوقاتهم، وكل من يملكون بغية تحقيق حريتهم، واستعادة كرامتهم.