ما زال النظام الانقلابي يستغفل الشعب المصري ببيانات وتصريحات بعيدة عن الواقع، فرغم اعتراف جميع المراقبين والخبراء بفشل الجولة التاسعة للمفاوضات التي جرت بالقاهرة السبت والأحد الماضيين، حول سد النهضة، ولم تحسم بها الخلافات، وأحالتها إلى قمة سداسية بحضور وزراء خارجية الدول الثلاثة، إلا أن وزير الري المصري حسام مغازي، خرج ليتلو بيانا صحفيا من طرف واحد ، فلم توقع عليه إثيوبيا أو السودان، وبثته وكالة الأنباء الرسمية، اليوم الاثنين، ليؤكد نجاح المفاوضات. الحقيقة المرة التي يعلمها النظام المصري، ويريد الالتفاف عليها واستعماء الشعب المصري خوفا من ردات فعل شعبية إزاء فشل العسكر، أنّ إثيوبيا تقوم حاليًا، وفي تعتيم شديد، بإنشاء 5 سدود جديدة على النيل في غفلة من الجميع، وأن فشل المباحثات كان متوقعًا، بعد انتهاء التفاوض على مستوى الوزراء ورفعه إلى مستوى رؤساء الدول الثلاث إثيوبيا ومصر والسودان، وسط ترجيحات بفشل كافة المفاوضات حول السد، وخصوصًا أن أديس أبابا نجحت في ما يقارب من أكثر من 60 % من بناء السد، وأنّ المباحثات لن تنتهي إلى شيء جديد. وحول هذا الفشل يقول وزير الري الأسبق نصر علام، في تصريحات صحفية، اليوم: "إثيوبيا لن تتراجع حتى يكتمل بناء السد، ما يضع مصر في أزمة مائية في المستقبل". مضيفا "إلغاء المؤتمر الصحفي المشترك في ختام الجولة التاسعة لاجتماع وزراء الري الثلاثة، يؤكد أن مصر بدأت من المربّع الصفر في ما يخصّ السد، وهو ما سيتيح للجانب الإثيوبي المراوغة باستكمال المشروع"، لافتاً إلى أنّ "رفع قرارات الاجتماع لقيادات الدول، يؤكد أنّ الأمور تسير في الاتجاه العكسي، خصوصاً وأنّ مصر تتحرك في 3 نقاط؛ التمسك بحصة مصر التاريخية في مياه النيل، وعدم قيام مكتب واحد بتنفيذ الدراسات، وأنّ ما يتم إنجازه في بناء سد النهضة، يسبق سير المفاوضات وهو ما ترفضه إثيوبيا". ويوضح علام أنّ هذا الاجتماع "يؤكد أنّ مصر فشلت في إدارة ملف سد النهضة، وهذا يعكس ضعف الحنكة السياسية لإدارة الملفات ذات الحساسية الهامة"، مشيراً إلى أنّ "هناك خضوعاً مصرياً أمام المفاوض الإثيوبي سيؤدي إلى عواقب وخيمة لا يستطيع تخيّلها المسؤولون الحاليون، لأنهم لا يدرون بمستقبل السد وتأثيره". خطايا السيسي ولعل بداية الانهيار والفشل المصري، جاء مع توقيع مصر- السيسي على وثيقة سد النهضة المعروفة ب"إعلان المبادئ"، التي لا يمكن أن توصف إلا بأنها خطأ استراتيجي، اعترفت به مصر بحق سد النهضة، وبحقها في استخدام مياه النيل الأزرق والنيل الرئيسي، ويعني الاعتراف بحصة مائية لإثيوبيا خصماً من حصة مصر والسودان، وبناء عليها "أعطت مصر لإثيوبيا اليد العليا في إقرار ما تريد فعله في مياه السد، واستخدام هذه المياه في أغراض مختلفة، مثل الصناعة والشرب والزراعة، بعدما كانت كل ما تطالب به هو استخدام السد في توليد الكهرباء فقط، في المقابل لم تحصل مصر على أي مكاسب". كما لم يتطرق "إعلان المبادئ" إلى النص على عدم بناء أي سدود جديدة على النيل الأزرق، وإلى سعة وحجم السد موضع الخلاف مع أديس أبابا، "فالسعة التخزينية للسد التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب تمثّل كارثة لمصر، لأنها ستؤثر على حصتها المائية، وتساعد على تبوير آلاف الأفدنة من الأراضي الزراعية، فضلاً عن التأثير على الكهرباء المتولدة من السد العالي". واكتفى السيسي بحركات البهلوانات التي يعتمدها، باحتفالات برتوكولية في البرلمان الإثيوبي في زيارة الخضوع والإذلال التي لم تلفت إليها إثيوبيا. فعلى الرغم من أن الدراسات العلمية، أكّدت أن السد الأصغر يستطيع توليد كمية كهرباء السد الضخم ذاتها بتكلفة أقل كثيرًا، أبدت إثيوبيا تعنّتًا كبيرًا من جانب إثيوبيا واستمرارًا في عمليات البناء.. مستقبل قاتم ومع استمرار المفاوضات حول بناء السد 15 شهراً من دون أي جديد، والتعاقد مع المكتب الاستشاري الهولندي الذي سيقوم بإجراء الدراسات على سد النهضة لقياس تأثيره على دولتيْ المصب مصر والسودان، باء بالفشل، فمن المرجح طرح الدراسات لمكاتب استشارية أخرى تستهلك 6 أشهر أخرى، قد ترفض نتائج دراساتها إثيوبيا.. الأمر الذي من الممكن أن يؤدي إلى تصاعد الأزمة بين البلدين، ولا تجد مصر أمامها إلا أن تلجأ إلى مجلس الأمن وتقديم شكوى باعتبار أنّ السد سيؤثر على السلام والأمن الإقليميين في حوض النيل، وأنها تخشى من تداعياته، ومع ذلك سيزداد الوضع المائي في مصر هشاشة مع استكمال السد، "فنصيب مصر من المياه ثابت منذ العام 1952 وهو 55,5 مليار متر مكعب، وزاد عدد السكان من 26 مليونًا إلى 90 مليونًا، والمساحة الزراعية زادت من 5,5 ملايين فدان إلى 9 ملايين فدان، وهناك توسعات هائلة في مجال الصناعة، وزيادة كبيرة في مياه الشرب، وبناء السد سيؤدي إلى تدهور الحياة وزيادة الفجوة الغذائية وتدهور في الرقعة الزراعية.