مع تفاقم أزمة سد النهضة الأثيوبى وفشل حكومة الانقلاب فى اجبار اديس ابابا على توقيع اتفاق ملزم لإدارة وتشغيل السد بما يحافظ على الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل بجانب وجود أزمة مياه تهدد بتبوير ملايين الأفدنة من الأراضى الزراعية تعلن حكومة الانقلاب عن التوسع فى مشروعات تحلية مياه البحر كأحد الحلول الاستراتيجية لمواجهة العجز المائى دون الكشف عن التكاليف الكبيرة التى تحتاجها مثل هذه المشروعات ما يؤكد أن هذا الإعلان ليس أكثر من محاولة لتفادى غضب الشارع المصرى من ضياع حقوق مصر فى مياه نهر النيل دون اتخاذ موقف حاسم من حكومة الانقلاب . الخبراء يؤكدون أن مشروعات التحلية تُعد من أغلى تقنيات إنتاج المياه العذبة فى العالم ولا تتواافق مع امكانات البلاد التى تغرق فى مستنقع الديون بسبب السياسات العشوائية التى تتبناها عصابة العسكر كانت حكومة الانقلاب قد زعمت أنها تستهدف الوصول إلى تحلية أكثر من 3.5 مليون متر مكعب يومياً من مياه البحر بحلول عام 2030، من خلال إنشاء عشرات المحطات على سواحل البحرين الأحمر والمتوسط، بالشراكة مع القطاع الخاص وصناديق استثمار خليجية.
تقنيات معقدة
فى هذا السياق قال الخبير الاقتصادى الدكتور صالح عزب، إن تحلية مياه البحر رغم كونها خياراً استراتيجياً لمواجهة الفقر المائى، إلا أنها تظل واحدة من أكثر العمليات تكلفة واستهلاكاً للطاقة، فضلاً عن آثارها البيئية الممتدة. وأوضح عزب فى تصريحات صحفية أن مشروعات التحلية تعتمد على تقنيات معقدة تتطلب كميات هائلة من الطاقة، سواء كهرباء أو وقود أحفوري أو طاقة نووية، ما ينعكس مباشرة على ارتفاع الانبعاثات الكربونية، مشيرا إلى أن كل متر مكعب من المياه المحلاة يقابله حرق وقود يزيد من تركيز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، وهو ما يجعل التحلية فى صورتها الحالية عبئاً بيئياً لا يمكن تجاهله. واشار إلى أنه فى حال الاعتماد على الطاقة النووية، يضاف إلى ذلك مخاطر التسريبات الإشعاعية المحتملة، وما قد تسببه من أضرار طويلة الأمد للإنسان والبيئة. وكشف عزب عن مشكلة بيئية أخرى لا تقل خطورة عن استهلاك الطاقة، وهى المحلول الملحى المركز الناتج عن عملية التحلية، والذى يُعاد ضخه مرة أخرى إلى البحر، موضحا أن هذا المحلول غنى بالأملاح والمواد الكيميائية المتخلفة عن العمليات الصناعية، وبالتالى يؤدى إلى رفع نسبة الملوحة فى المياه الساحلية، ما يؤثر على الكائنات البحرية الحساسة ويهدد التنوع الحيوى .
القطاع الزراعى
وأكد أنه فى كثير من المناطق التى شهدت توسعاً سريعاً فى محطات التحلية، ظهرت مؤشرات واضحة على تراجع الشعاب المرجانية والأسماك والكائنات الدقيقة، نتيجة اختلال توازن النظام البيئى محذرا من أن تكلفة إنشاء وتشغيل محطات التحلية من أعلى التكاليف فى قطاع البنية التحتية، إذ تصل تكلفة بناء محطة واحدة إلى أكثر من مليار دولار، بحسب حجمها وموقعها وتصميمها ونوعية التحلية المطلوبة،. وقال عزب ان تكلفة المرحلة الأولى من محطة تحلية شرق بورسعيد بلغت نحو 3 مليارات جنيه بطاقة 150 ألف متر مكعب يومياً، وتُظهر تلك الأرقام ضخامة الاستثمارات المطلوبة، خاصة إذا كانت دولة العسكر تستهدف إنشاء العشرات من المحطات الجديدة على البحرين الأحمر والمتوسط. ولفت إلى أن تكلفة إنشاء المتر المكعب الواحد من الطاقة الإنتاجية قد تصل فى بعض الحالات إلى 15 ألف جنيه ، خاصة فى المحطات التى تستخدم تقنيات متقدمة أو تحتاج إلى تجهيزات خاصة للبيئة البحرية أو عمليات ربط مكلفة بالشبكة القومية، أما تكلفة إنتاج المتر المكعب من المياه الجاهزة للاستخدام فتتراوح وفقاً للتقديرات الحالية بين 15 و50 جنيهاً، وهى تكلفة تفوق بكثير تكلفة المياه العذبة التقليدية من نهر النيل أو المياه الجوفية. وأوضح عزب أن تحلية المياه تظل خياراً اقتصادياً مقبولاً للاستخدامات المنزلية والصناعية والسياحية، حيث تكون القيمة المضافة أعلى، والاستهلاك أقل مقارنة بالزراعة، أما فى القطاع الزراعى، فإن استخدام المياه المحلاة يصبح غير اقتصادى تماماً، لأن الزراعة فى مصر تستهلك ما يزيد على 70% من إجمالى الموارد المائية، وهو ما يجعل تكلفة الزراعة بالمياه المحلاة غير قابلة للتحمل لا من دولة العسكر ولا من المزارعين. وقال : هناك تفاوت فى تكلفة الإنتاج بين المناطق الجغرافية المختلفة؛ فتكلفة تحلية مياه البحر الأبيض المتوسط قد تكون أقل بنحو 10–50% مقارنة بمياه البحر الأحمر، بسبب الفروق فى درجات الملوحة وعمليات التنظيف والمعالجة المطلوبة قبل التحلية.
مصادر جديدة
فى المقابل أكد خبير الموارد المائية، الدكتور ضياء القوصى، أن تحلية مياه البحر أصبحت الخيار الاستراتيجى الأول لمصر خلال المرحلة المقبلة موضحاً أنها ليسا بديلاً طارئاً أو حلاً استثنائياً، بل ضرورة وطنية لا غنى عنها، حتى وإن استمرت مياه النيل فى التدفق بالمعدلات الحالية . وقال القوصى فى تصريحات صحفية : مصر تواجه زيادة سكانية سريعة تحتاج إلى توسع مماثل فى الموارد المائية، وهو توسع لن يتحقق ألا عبر مصادر جديدة بالكامل، وليس من خلال إعادة تدوير الموارد القائمة. وأوضح أن إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى والصحى، رغم أهميته، لا يمثل مورداً مائياً جديداً، لأن هذه المياه تُعاد إلى دورة الاستخدام مرة أخرى ولا تُضيف إلى إجمالى حجم الموارد مؤكدا أن التحلية هى السبيل الوحيد لزيادة الرصيد المائى الكلى وإنتاج مياه إضافية تلبى احتياجات الشرب والصناعة والتوسع العمرانى المستقبلى. وشدد القوصى على أن العامل الحاسم فى تخفيض تكلفة التحلية وتحقيق الاستدامة الاقتصادية يكمن فى استخدام الطاقة المتجددة، فمحطات التحلية التقليدية تعتمد على كميات هائلة من الكهرباء أو الوقود لتشغيلها، ما يرفع تكلفة إنتاج المتر المكعب ويضع عبئاً على الموازنة، أما الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، خاصة فى مناطق مثل البحر الأحمر ومطروح التى تتمتع بإشعاع شمسى مرتفع وسرعات رياح كبيرة، فيمكن أن يخفض التكلفة التشغيلية ، ويجعل مشروعات التحلية أكثر جدوى على المدى الطويل. واعتبر أن تحلية المياه لم تعد اختياراً يمكن تأجيله، بل ركيزة محورية فى استراتيجية الأمن المائى لمصر خلال العقود المقبلة، موضحا أنه مع تزايد السكان وثبات حصة مصر من نهر النيل، لا بد من خلق مصادر مائية جديدة، تكون التحلية فى مقدمتها، مدعومة بتقنيات حديثة وطاقة نظيفة تضمن كفاءة الإنتاج واستدامته.