إنتاج مصر من التحلية زاد 12 مرة تقريبًا خلال 7 سنوات 20 جنيهًا أقل تكلفة لإنتاج المتر المكعب الواحد بخلاف مصاريف النقل والتوزيع 18 ألف محطة بالعالم.. والسعودية والإمارات فى صدارة الإنتاج الزراعة بالمياه المحلاة ممكنة إذا توافرت 4 شروط أساسية الأساليب الحديثة تسمح بالزراعة فى الصحراء أو على المسطحات المائية الصوب قادرة على مضاعفة الإنتاج 6 مرات باستهلاك مياه أقل فى ظل التحديات المتصاعدة التى يواجهها قطاع الموارد المائية، نتيجة للزيادة السكانية المطردة والتوسع العمرانى، وضعت الحكومة ملف تحلية المياه كأولوية استراتيجية، ووضعت خطة تستهدف الوصول إلى طاقة إنتاجية تبلغ 5 ملايين متر مكعب يوميًا خلال السنوات الخمس المقبلة، لعلاج الفجوة المتزايدة بين الموارد والاحتياجات المائية، واستخدام المياه المحلاة فى دعم الأمن الغذائى مستقبلاً. للوقوف على أبعاد هذا التوسع وقياس جدواه الاقتصادية والبيئية، أجرت «الشروق» حوارا مع محمد داود، الأستاذ بالمركز القومى لبحوث المياه ومستشار أول موارد المياه بهيئة البيئة فى أبوظبى، وأحد أبرز الخبراء الإقليميين فى تقنيات التحلية، حيث شارك فى وضع السياسات الخاصة بهذا الملف فى مصر، ويحمل رؤية واضحة حول مدى ضرورة التوسع فى التحلية بوصفها مكملاً لا بديلاً لمياه نهر النيل. خلال الحوار، يكشف داود أن التوسع فى إنتاج المياه المحلاة، يواجه 3 تحديات رئيسية تتمثل فى التكلفة المرتفعة، واستهلاك الطاقة، والآثار البيئية لنواتج التحلية. كما يفصّل الشروط الأربعة الأساسية التى يجب توافرها لنجاح مشاريع الزراعة بالمياه المحلاة، ويستعرض تجارب دولية ناجحة فى هذا المجال، ليقدم خارطة طريق متكاملة حول مستقبل تحلية المياه فى المنطقة العربية. بدايةً.. كيف تقيّم خطوات مصر فى ملف تحلية المياه؟ مصر توسعت فى التحلية خلال السنوات الأخيرة بشكل منظم، وهذا التوسع ضرورى لمواكبة الزيادة السكانية والتمدد العمرانى والاحتياجات المائية، ولا يمكن أن يكون بديلًا عن مياه النيل بلا شك. عندما شاركت عام 2018 فى إعداد الورقة البيضاء لسياسة التحلية، لم يكن حجم الإنتاج يتجاوز 70 ألف متر مكعب يوميًا، والآن وصلت القدرة الإنتاجية إلى مليون وربع المليون متر مكعب يوميًا، وننتج فعليا نحو 850 ألف متر مكعب يوميًا. ويذهب معظم هذا الإنتاج إلى المناطق التى يصعب أو يكلف كثيرًا نقل مياه النيل إليها، مثل منتجعات البحر الأحمر، وجنوب سيناء، والعريش، والساحل الشمالى، وعدد من المدن الجديدة السياحية والسكنية. ولا تناسب التحلية القرى الزراعية المعتمدة على الآبار أو محطات النيل؛ لأن التكلفة ستكون أعلى كثيرًا. فأقل تكلفة معروفة عالميًا الآن تتراوح بين 0.38 و0.40 دولار للمتر المكعب أى ما يقارب 18-20 جنيهًا، بخلاف تكلفة النقل والتوزيع، وفاقد المياه خلالهما. مع هذا التوسع.. هل يمكن الاعتماد على المياه المحلاة فى الزراعة؟ يمكن ذلك، إذا توافرت 4 شروط مجتمعة دون اختلال أى منها. الشرط الأول: استخدام تقنيات منخفضة التكلفة مثل التناضح العكسى، أو التقنيات المستقبلية الواعدة (التناضح الأمامى، والأغشية الخزفية الدقيقة، وأغشية الجرافين) والتى لا يزال معظمها قيد البحث. الشرط الثانى: الاعتماد على طرق الزراعة عالية الكفاءة مثل الزراعة المائية، والهوائية، والصوب الحديثة، والبيوت الظليلة المتطورة؛ لتقليل الفاقد من المياه. الشرط الثالث: اختيار محاصيل مرتفعة القيمة الاقتصادية، مثل: الفراولة، والطماطم الصغيرة، والتوت الأزرق، والكرز، والنباتات العطرية. الشرط الرابع: وجود سوق خارجية أو عقود تصديرية ثابتة؛ لأن منتجات الزراعة بالمياه المحلاة لا يمكنها منافسة أسعار المحاصيل التقليدية التى تعتمد على مياه منخفضة التكلفة، وبالتالى يجب أن يكون العائد من وحدة المياه مرتفعا ويحقق ربحا مناسبا. إذا توافرت هذه الشروط.. ما أنسب المواقع للزراعة بالمياه المحلاة؟ مع تطور الأساليب الحديثة لم تعد التربة وخصوبتها شرطًا أساسيًا للزراعة، أصبح بالإمكان إقامة مشاريع زراعية فوق أى أرض، صحراوية أو صخرية أو جبلية، بل وحتى على مسطحات مائية، فيما يعرف ب«المنشآت العائمة»، كما يحدث فى بعض مناطق هولندا. كما لم تعد الظروف الجوية عائقًا؛ لأن الصوب تتيح التحكم الكامل فى الحرارة والرطوبة وثانى أكسيد الكربون والإضاءة بما يناسب المحاصيل. الأهم هو توافر مساحة مناسبة، واستثمار قادر على تحمل التكلفة، وسوق قادرة على شراء المنتج بسعر مناسب. وما الفرق بين الإنتاج التقليدى وداخل الصوب؟ الفارق كبير جدًا، من حيث التكلفة والتكنولوجيا المستخدمة، واستخدامات الموارد المائية، ومعدلات الإنتاج. لنضرب مثالًا بالطماطم، فى الزراعة التقليدية ينتج المتر المكعب من المياه 4 5 كيلوجرامات فى المتر المسطح الواحد من الأرض الخصبة. أما داخل الصوب فينتج المتر المكعب بين 15 و30 كيلوجرامًا، وبعض الشركات الهولندية وصلت إلى 50 كيلوجرامًا فى الصوب عالية التقنية، وتشير دراسات حديثة إلى إمكانية تجاوز 70 كيلوجرامًا باستخدام الإضاءة الصناعية. لكن هل هناك تكلفة إضافية لبناء وتشغيل الصوب الزراعية؟ نعم هناك تكلفة مرتفعة، وحاجة إلى نظم تبريد وتدوير مياه ومتابعة دقيقة، لكن عائدها أعلى بكثير. وتشير تقارير إلى أن التكلفة الرأسمالية (البناء) للمتر المربع من الصوبة المتطورة تتراوح بين 100 و150 دولارًا. غير أن هذه التكلفة تسترد مع التشغيل الجيد، والصيانة المنتظمة، وزراعة محاصيل ذات عائد اقتصادى مرتفع. وتستمر الصوبة فى الإنتاج بكفاءة قد تصل إلى 20 عامًا أو أكثر، خصوصًا عندما يستهدف الإنتاج أسواقًا خارجية قادرة على دفع أسعار أعلى. ما أبرز التجارب العالمية فى استخدام المياه المحلاة للزراعة؟ هناك 4 تجارب شهيرة: أستراليا، والمغرب، وإسبانيا، ومالطا. فى أستراليا يعتمد مشروع كامل على مياه البحر المحلاة بالطاقة الشمسية لإنتاج الطماطم العضوية داخل صوب عالية التقنية، وينتج المتر المسطح 15 20 كيلوجرامًا باستخدام متر مكعب واحد من المياه. وقد زرت المشروع بنفسى، ويباع كيلو الطماطم هناك بما يزيد أحيانًا عن دولارين، وهو سعر مناسب للسوق الأسترالية ويدعم الجدوى الاقتصادية للتحلية. فى المغرب، هناك خطة للوصول إلى 1٫7 مليار متر مكعب من المياه المحلاة بحلول 2030، يخصص نحو 30% منها للزراعة، مع نجاح كبير فى تصدير الكرز والتوت الأزرق والأحمر إلى أوروبا. فى إسبانيا تعتمد الزراعة على المحاصيل عالية القيمة مثل الزيتون الفاخر والطماطم العضوية والتوت الأزرق والورقيات، وبلغت صادرات قطاعها الزراعى والغذائى 70٫43 مليار يورو عام 2023. أما مالطا، وهى جزيرة محدودة الموارد، فتستخدم التحلية فى زراعة محاصيل داخلية محدودة لتقليل الفجوة الغذائية. كل هذه التجارب تشترك فى توافر العناصر الأربعة التى ذكرتها: التكنولوجيا، والمحاصيل المناسبة، والطرق الزراعية المتطورة، والسوق القادرة على تحمل السعر. بشكل عام.. كيف يبدو وضع تحلية المياه فى العالم حاليا؟ هناك نحو 18 ألف محطة تحلية فى العالم اليوم، تنتج حوالى 100 مليون متر مكعب يوميًا فقط، أى 36 37 مليار متر مكعب سنويًا، وهى كمية ضئيلة مقارنة بحجم الاحتياجات العالمية للمياه، سواء للشرب أو الزراعة وغيرها من الاستخدامات. وتتصدر السعودية الإنتاج العالمى بنحو 4٫5 مليار متر مكعب سنويًا، تليها الإمارات بما يقارب 2٫5 مليار متر مكعب. وقد بلغ حجم سوق تقنيات تحلية المياه العالمى 26 مليار دولار فى 2024، مع توقعات ببلوغه 50 مليار دولار فى 2035. وتمثل تقنية التناضح العكسى 70% من السعة الإنتاجية العالمية. مع العلم بأن معظم مدخلات صناعة التحلية فى منطقتنا تستورد من الخارج. ولماذا لا يتوسع العالم أكثر فى التحلية رغم الحاجة الشديدة للمياه؟ هناك 3 تحديات رئيسية أولها التكلفة العالية لإقامة البنية التحتية والتشغيل لاحقًا. بشكل عام، لدينا طريقتان شائعتان لتحلية المياه: التحلية الحرارية، والتحلية باستخدام الأغشية (التناضح العكسى). تكلفة إنشاء محطات التحلية الحرارية تتراوح بين 1200 و1600 دولار للمتر المكعب، بينما تتراوح تكلفة محطات الأغشية بين 900 و1200 دولار. التحدى الثانى يتعلق باستهلاك الطاقة، فالتحلية الحرارية تحتاج إلى 15 21 كيلووات ساعة لكل متر مكعب، والأغشية إلى 4 6 كيلووات. أما التحدى الثالث فيخص الآثار البيئية المترتبة على التحلية فالمواد الكيميائية المستخدمة فى العملية تخرج مع المياه الراجعة عالية الملوحة، ولم نصل حتى اليوم إلى بدائل صديقة للبيئة. إضافة إلى انبعاثات ثانى أكسيد الكربون التى تتراوح بين 1 2 كيلوجرام للمتر المكعب فى الأغشية و7 15 فى التحلية الحرارية. كيف يمكن تجنب أو التخفيف من الآثار البيئية السلبية لعملية التحلية؟ باختيار وتصميم نقاط التصريف بطريقة علمية ومدروسة يمكن تلافى الآثار البيئية بشكل كبير. عند استخدام التناضح العكسى، يدخل للمحطة 100 متر مكعب من المياه، ويخرج 50 مترًا مكعبًا عذبًا و50 مترًا مكعبًا شديدة الملوحة، تكون تقريبًا ضعف ملوحة المياه الداخلة للمحطة، بخلاف المواد الكيميائية المضافة. فى المناطق الساحلية يمكن التخلص من هذه المياه بإعادتها إلى البحر عبر أنابيب مزودة بموزعات معينة تساعد على خلطها سريعًا بمياه البحر بحيث تنخفض ملوحتها دون الإضرار بالبيئة البحرية. أما تحلية المياه الجوفية المالحة داخل المدن أو الأراضى الزراعية؛ فالحلول محدودة ومكلفة، مثل إنشاء بحيرات تبخير تحتاج مساحات كبيرة جدًا، أو استخدام آبار عميقة لحقن المياه المالحة، وكلاهما مكلف ويؤدى إلى فقدان نصف المياه الداخلة. وماذا عن الحرارة المرتفعة لهذه المياه؟ فى التحلية الحرارية قد تصل حرارة المياه الراجعة إلى 50 70 درجة مئوية، ولذلك يجب تبريدها قبل إعادة الضخ فى البحر. عادة نحتاج إلى 7 أمتار مكعبة من مياه البحر لتبريد كل متر مكعب من المياه الراجعة، وقد نضطر لسحب 10 أمتار مكعبة لإنتاج متر واحد من المياه العذبة. وتطبق دول الخليج معايير لا تسمح بتصريف المياه إذا زادت حرارتها أكثر من 5 درجات فوق حرارة البحر. أما التحلية بالأغشية فلا ترفع درجة حرارة المياه، ولهذا يتجه العالم إليها.