تصاعدت أزمة سد النهضة عقب تقدم أثيوبيا بطلب للاتحاد الأفريقي بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيسًا على اتفاقية عنتيبي التي اعترضت عليها مصر والسودان منذ نحو عقدين من الزمان، باعتبارها تمس حصتهما المائية التاريخية في نهر النيل . الخطوة الأثيوبية تكشف عن تحدي أثيوبيا لنظام الانقلاب الدموي بقيادة عبدالفتاح السيسي الذي فشل فى الدفاع عن حقوق مصر والمصريين في مياه النيل، حيث تسعى أديس أبابا إلى الغاء اتفاقيات توزيع مياه النيل القديمة، والتي تزعم أنها اتفاقيات استعمارية، وفي نفس الوقت تخطط للإستيلاء على مياه النيل وترفض التوقيع على اتفاق ملزم لتشغيل وإدارة سد النهضة، وها هي توجه الضربة الآخيرة لنظام السيسي الذي لا يهتم بالحفاظ على حقوق مصر في مياه النيل، ولا يعنيه استيلاء أثيوبيا على حصة مصر وتهديد الأمن المائي للمصريين.
الخبراء أكدوا أن الخطوة الإثيوبية مقصودة، وتأتي كرد على دخول الاتفاقيات العسكرية بين مصر والصومال حيز التنفيذ. وقال الخبراء: إن "إثيوبيا، وجهت خطابا لمجلس الأمن الدولي، يتضمن إيداع ما يسمى باتفاقية عنتيبي المائية أمام مفوضية الاتحاد الأفريقي بهدف دخولها حيز التنفيذ، ودعوة مصر للتصديق عليها، مؤكدة استعدادها لمواصلة المفاوضات المجمَّدة منذ ديسمبر 2023، بشأن سد النهضة". يشار إلى أن دول حوض نهر النيل تضم 11 دولة أفريقية تتمثل في دول المنبع : بوروندي، الكونغو، إثيوبيا، كينيا، رواندا، جنوب السودان، تنزانيا، أوغندا، إريتريا، فضلًا عن دولتي المصب مصر والسودان، وهما ترفضان اتفاقية عنتيبي، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان وترفض أي مشروع مائي على مجرى نهر النيل يلحق أضرارًا بالأمن المائي.
خيار عسكري
تعليقا على هذه الأزمة قال عبد الله أحمد إبراهيم، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي: إن "إثيوبيا تريد كسب الوقت وعدم عرقلة برنامجها تجاه سد النهضة، معتبرا أن تقدم أديس ابابا بطلب للاتحاد الأفريقي لإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيسًا على اتفاقية عنتيبي، سيناريو مماثل لمفاوضات البرنامج النووي الإيراني مع الغرب في الوقت الذي لا تزال إيران تطور فيه مشروعها" . وأكد إبراهيم في تصريحات صحفية أنه لم يعد أمام نظام الانقلاب الدموي خيارات سوى إما أن يجلس مع إثيوبيا للحوار أو يأخذ خيارًا آخر عسكريًا لوقف مثل هذه المشاريع. وحذر من أن الاتحاد الأفريقي مقره أديس أبابا وإثيوبيا لها نفوذ عليه، مؤكدا أنه لا يتشكك في أن الاتحاد سيقبل الطلب الأثيوبي رغم الرفض المصري والسوداني.
النصاب القانوني
وأكد محمد تورشين، المحلل السوداني خبير الشؤون الأفريقية، أن إثيوبيا تقدمت بطلب إنشاء المفوضية عقب وصول النصاب القانوني إلى 6 دول بعد انضمام جنوب السودان قبل شهرين ليس من بينهما دولتا المصب، مشيرًا إلى أنها تريد أن تجعل تلك المفوضية مرجعية لمواجهة أي اتفاقيات مائية سابقة تتمسك بها مصر. وتوقع تورشين في تصريحات صحفية أن تستخدم إثيوبيا نفوذها بالاتحاد لقبول تأسيس تلك المفوضية، لافتًا إلى أن خيارات مصر تتطلب القيام بتحركات دبلوماسية داخل أروقة الاتحاد لعدم تنفيذ ذلك.
خطوة استباقية
في المقابل، أكدت السفيرة منى عمر مساعدة وزير الخارجية الأسبق ، أن النصاب القانوني لإنشاء المفوضية يتحقق بالثلثين وهو 7 دول وليس 6 دول عقب انضمام جنوب السودان، وبالتالي لا أساس قانوني ستقوم عليه هذه المفوضية التي يجب أن تنضم لها مصر لاعتبارات كثيرة وهذا يحتاج إلى تفهم حقوق مصر قبل أي شيء وحوار حقيقي وتعاون بناء وليست محاولات إثيوبية استفزازية. وطالبت السفيرة منى عمر في تصريحات صحفية حكومة الانقلاب بأن تتحرك ضمن خيارات، بينها خطوة استباقية لعرض الموقف المصري بشأن المفوضية، ومخالفتها لقواعد القانون الدولي والحق المائي، وعدم اكتمال النصاب القانوني، وأهمية التعاون لا النزاع. وشددت على أن إثيوبيا هي مَنْ تصعد مع مصر، وليس العكس، مؤكدة أن موقف مصر منحاز للقانون ويجب الالتزام به والتجاوب معه . وحذرت من أن المسار الإثيوبي في سد النهضة غير مبشر، مشددة على ضرورة أن يعمل نظام الانقلاب على حماية حقوق مصر التاريخية في مياه النيل وحفظ أمنها المائي.
تصرفات أُحادية
وحذر الخبير الدولي في قضايا المياه الدكتور ضياء الدين القوصي، مما تقوم به إثيوبيا من تصرفات أُحادية، فيما يتعلق بملء وتشغيل سد النهضة وإنشاء مفوضية عنتيبي، مؤكدا أن أديس أبابا لا تقدر النتائج فيما يتعلق بأزمة سد النهضة. وقال القوصي في تصريحات صحفية: إنه "كان من المفترض أن ينفد صبر دولة العسكر ازاء تجاوزات أثيوبيا، مشيرا إلى أن إثيوبيا قامت بتخزين حجم كبير من المياه يتراوح ما بين 20 إلى 25 مليار متر مكعب منذ منتصف يوليو الماضي وحتى الآن، وهذا الحجم يمثل 40% من الإيراد الطبيعي للنيل الأزرق". واعتبر أن ما تقوم به إثيوبيا بمثابة لعب بالنار، مشددا على أن الحل الوحيد لكل هذه القضايا هو الجلوس مع دولتي المصب والاتفاق على كافة قواعد الملء والتشغيل، وهذا ما ينص عليه اتفاق المبادىء الموقع بين مصر وإثيوبيا والسودان . وأعرب عن أمله في أن يكون صبر دولة العسكر قد وصل لمرحلة النفاد محذرا من أن القضية لا تحتمل إصابة 100 مليون مصري بالعطش، ولا أحد بالعالم يقبل بذلك .