بسبب السياسات الفاشلة التي يتبناها البنك المركزي المصري تحت لافتة "التعويم" أو التعامل وفق آليات السوق الحر "العرض والطلب" تراجع الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بصورة غير مسبوقة ليقترب من العشرين جنيها ، وهو ما يعيد نفس الكارثة التي شهدتها مصر إبان التعويم الأول للجنيه في مطلع نوفمبر 2016 ، ما تسبب في مزيد من ارتفاع الأسعار وحدوث حالة من الركود والكساد في الأسواق مع تراجع القدرة الشرائية وعجز المصريين عن شراء متطلباتهم الضرورية اليومية . كان الدولار الأمريكي قد قفز أمام الجنيه بعد قرارات البنك المركزي الأخيرة التي تسببت في تعويم جديد للعملة من مستوى 15.58جنيها ل 18.50 جنيها ، ثم قفز مجددا لمسار صعودي مسجلا في تعاملات الأسبوع الجاري نحو 18.60 جنيها.
اعتمادات مستندية من جانبه كشف مصدر مصرفي أن البنك المركزي أعلن اتباع سياسة سعر الصرف المرن بدلا من التعويم المدار والذي كان يتحكم فيه البنك المركزي ببعض الآليات لضبط سعر الصرف، موضحا أنه في الوقت الحالي يعتبر السوق هو المؤشر الوحيد المتحكم في سعر الصرف. وقال المصدر إن "تذبذب الاقتصاد العالمي وتأثر الاقتصاد المصري بذلك ووجود مؤثرات خارجية تدفع مؤشر الدولار العالمي الذي يشهد ارتفاعا حاليا ، بالإضافة إلى تأثر حركة التجارة العالمية والسياحة ومصادر النقد الأجنبي وراء الزيادة الجديدة في سعر الدولار أمام الجنيه". وأشار إلى أن البنك المركزي قرر إلغاء مستندات التحصيل وألزم المستوردين بفتح اعتمادات مستندية ، زاعما أن هذا الإجراء سيؤدي إلى انعاش السوق من خلال واردات للمصانع والسلع الإستراتيجية من غذاء وأدوية وقطع غيار ، لكن هذا القرار أدى إلى ارتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه من ناحية وارتفاع أسعار السلع المستوردة من ناحية أخرى. وأكد المصدر أن البنوك قامت بفتح اعتمادات مستندية بقيمة 11.6 مليار دولار خلال ستة أسابيع فقط في الفترة من أول مارس الماضي وحتى منتصف أبريل الجاري 2022 وتسبب ذلك في دعم قوة الدولار أمام الجنيه خاصة مع صعود مؤشر الدولار بسبب بيانات إيجابية بالولايات المتحدةالأمريكية. وتوقع أن يشهد الجنيه مزيدا من التراجع أمام الدولار خلال الفترة المقبلة ، مؤكدا أنه لا يمكن التكهن بمسار الدولار أمام الجنيه بسبب ضبابية المشهد وعدم معرفة موعد انتهاء تلك الأزمة.
سعر عادل وقال الخبير الاقتصادي د. وليد جاب الله إن "سعر الدولار من الصعب التكهن بمساره، موضحا أن تدبير الاعتمادات الدولارية الخاصة بالاستيراد يحتم علينا دعم الاتجاه نحو سياسة التصنيع المحلي لتقليل الواردات حتى نقلل الطلب على الدولار ، وبالتالي يتراجع أمام الجنيه". واستبعد جاب الله في تصريحات صحفية إمكانية تحديد سعر عادل للدولار أمام الجنيه حاليا في ظل وجود متغيرات كبيرة مستوردة من الخارج بالإضافة للتضخم. وتوقع أن يؤثر ارتفاع أسعار النفط والسلع وغيرها من العوامل على سعر الصرف خلال الفترة المقبلة بالإضافة إلي تحركات الفيدرالي الأمريكي واتجاه البنك المركزي لرفع سعر الفائدة بالتوازي مع هذا الاتجاه بزعم الحفاظ على جاذبية السوق المصرية.
التوكيلات الملاحية وطالب مصطفى المكاوي، السكرتير العام المساعد للشعبة العامة للمستوردين بالاتحاد العام للغرف التجارية بوقف التعامل بالدولار على الأراضي المصرية ، مؤكدا أن هذا هو الحل الوحيد لمواجهة أزمة ارتفاع سعر الصرف . وقال المكاوي في تصريحات صحفية إن "المستوردين يواجهون عدة مشاكل في الوقت الراهن تتمثل في عملية تأخير الإفراج الجمركي ، وهذا يتسبب في دفع رسوم غرامات وأرضيات بالعملة الأجنبية للشركات متعددة الجنسيات". وشدد على ضرورة تفادي تلك المشكلة خاصة وأننا نمر بمرحلة حرجة في ظل الاضطراب العالمي الناتج من تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية. وأعرب المكاوي عن أمله أن تدرس الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إمكانية تعامل التوكيلات الملاحية مع شركات تداول الحاويات بالعملة المصرية، وإيقاف التعامل بالعملات الأجنبية في سداد مصروفات التداول المحلي داخل مصر. وأشار إلى أن وقف التعامل بالدولار على الأراضي المصرية،سيؤدي الى تخفيض العبء والطلب على العملة الأجنبية، حيث تتحمل الشركات أعباء إضافية ناتجة عن غرامات الأرضيات التي تدفع بالدولار للخطوط الملاحية. وأكد المكاوي أن القواعد الجديدة للاستيراد، من شأنها أن تفاقم مشاكل سلاسل الإمداد وزيادة تكاليف الإنتاج ورفع التضخم، لافتا إلى أن قرار الاعتمادات المستندية يجبر المستوردين على مدفوعات أكبر مقدما ويحبس أموالا يمكن استثمارها في النشاط التجاري والاستيراد، وترفع تكاليف المدخلات وأسعار المنتجات المباعة في السوق المحلي.
العملات الأجنبية وقال الدكتور عمرو السمدوني، سكرتير شعبة النقل واللوجستيات بالاتحاد العام للغرف التجارية إن "قرار العمل بالاعتمادات المستندية أثر سلبيا على ثقة المستثمر الأجنبي في الصناعة المصرية والاقتصاد المصري ، مؤكدا أن هذا القرار ينطوي على رسالة إنذار بوجود خلل في توفير العملات الأجنبية". وأوضح السمدوني في تصريحات صحفية أنه بعد ما أعلنت منظمات الأعمال ممثلة في جمعية رجال الأعمال واتحاد الصناعات المصرية، رفضها قرار وقف التعامل بمستندات التحصيل في تنفيذ جميع العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية فقط اتضح أن القرار صدر دون استطلاع رأي منظمات الأعمال بشأن أثر هذا الإجراء على الأنشطة الاقتصادية والاستثمار. وطالب بإلغاء هذا الإجراء بشكل فوري، محذرا من أن هذا الإجراء سيؤثر بشكل مباشر على إمداد الصناعة باحتياجاتها من مستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة وقطع الغيار لخطوط الإنتاج، مما يزيد من مشكلة سلاسل الإمداد القائمة منذ بدأت جائحة كورونا، وهو ما سينعكس بدوره على حجم الإنتاج وتوفير السلع وارتفاع أسعارها.