تسببت موجات الصقيع التي تشهدها البلاد حاليا في حالة من القلق لدى المزارعين في مختلف المحافظات، نتيجة لما تركته هذه الموجات من آثار سلبية بالغة على مختلف المحاصيل الزراعية، سواء الخضروات أو الفواكه أو المحاصيل الحقلية وحتى الأشجار، وهو ما يجعل حاجة النباتات مُلحّة للمياه وتقريب فترات الري، لمنع تجمد جذور النباتات وسيقانها أو احتراق أوراقها بفعل تراكم الثلوج مساء. وفي ظل تجاهل حكومة الانقلاب للكارثة، تعالت أصوات المزارعين للبحث عن حلول تحمي زراعاتهم وتقلل من خسائرهم، فيما حذر الخبراء من الأثار السلبية لموجات الصقيع، ومن استغلال تجار المبيدات للظرف الراهن وتسويق منتجاتهم الكيماوية التي لا تجدي نفعا في كثير من الأحيان. وطالب الخبراء حكومة الانقلاب بتقريب فترات الري لمنع تكون الثلوج في جذور وسيقان النباتات، مؤكدين أن ذلك هو الحل العلمي الأمثل، لغالبية المحاصيل، وهذا يتطلب تعطيل السدة الشتوية وتوفير القدر الكافي من مياه الري اللازمة للزراعات.
أعباء جديدة من جانبه أكد نجيب المحمدي، مزارع وعضو جمعية المحاصيل الحقلية في الدقهلية، أن هذه الموجات، تضيف عبئا جديدا على المزارعين، في ظل الارتفاع الكبير في تكاليف الإنتاج الزراعي، من تقاوي وأسمدة ومخصبات ومعاملات وخدمة زراعية . وطالب المحمدي في تصريحات صحفية بتفعيل صندوق التكافل الزراعي، لمساندة المزارعين وحمايتهم من آثار هذه المخاطر خاصة مع تكرارها، مشددا على ضرورة تكثيف الخدمات الإرشادية للمزارعين في مثل هذه الظروف، للتعامل الأمثل مع النباتات وحمايتها من التلف قدر الإمكان، خاصة المحاصيل الإستراتيجية ومحاصيل الخضر والفواكه، التي تحقق استقرارا في الأسعار بالسوق المحلي. وقال إن "غالبية المنتجين هم من صغار المزارعين ولا يمكنهم تحمل المزيد من الخسائر".
تغيرات مناخية وأكد عوض شلبي، رئيس جمعية تسويق المحاصيل الحقلية بدمياط، أن موجة الصقيع الحالية أثرت بشكل سلبي على غالبية الزراعات، خاصة محاصيل الخضر، مشيرا إلى تأثر زراعات الخيار والطماطم والفلفل والبسلة وجميع خضر المائدة، كما تأثرت بعض الأشجار ومنها أشجار المانجو، بينما كان تأثر المحاصيل الحقلية ومنها القمح محدودا. وقال شلبي في تصريحات صحفية، إن "الزراعات المحمية الصوب الزراعية لم تتأثر بموجة الصقيع الحالية، نظرا لقدرة المزارعين على التحكم في درجات الحرارة داخل الصوب، وبالتالي لم تتأثر النباتات بالصقيع أو الندى الذي يتحول إلى كتل ثلجية مساء". وشدد على ضرورة التوسع في الزراعات المحمية، نظرا للمخاطر التي باتت تمثلها التغيرات المناخية على غالبية الزراعات العادية، خاصة وأن هناك قروضا ميسرة من البنوك بفائدة متناقصة 5 % يمكن للمزارعين الاستفادة منها في إقامة الصوب الزراعية اللازمة لزيادة معدلات الإنتاج وحماية المحاصيل من التغيرات المناخية.
فترات الري وقال المهندس سعيد الفضالي، مستثمر زراعي إن "الحل العلمي الأمثل لهذه المشكلة، في ظل استمرار موجة الصقيع بشكل غير مسبوق، وانخفاض درجات الحرارة ليلا إلى أقل من 3 درجات مئوية خاصة في مناطق الزراعات هو تقريب فترات الري، مؤكدا أن مياه الري تعمل على تدفئة النباتات ومنع تجمد السيقان والجذور". وطالب الفضالي في تصريحات صحفية وزارة الري بحكومة الانقلاب بوضع خطة استثنائية للسدة الشتوية التي بدأت في 15 يناير الماضي وتنتهي 5 فبراير الجاري، بحيث يتم تمرير الكميات اللازمة لري النباتات استثنائيا حرصا على سلامة النباتات والمحاصيل الزراعية وتجنب تلفها. وأوضح أن الموعد السنوي لتنفيذ السدة الشتوية والخاص بإجراءات الصيانة، لم يعد مناسبا، نظرا لظروف التغيرات المناخية وشدة الصقيع مقارنة بالأعوام الماضية.
طرق بديلة وأوضح الدكتور شاكر أبوالمعاطي، أستاذ المناخ ورئيس قسم الأرصاد بالمعمل المركزي للمناخ الزراعي، أن هناك طرقا بديلة لمقاومة الصقيع سواء في الجذور أو على أوراق النبات، منها رش الزيوت المعدنية والنباتية على النبات لمنع التصاق المياه والثلوج على أسطح الأوراق النباتية، وكذلك يمكن التعفير بالكبريت الزراعي والذي يعمل على امتصاص المياه أولا بأول ومنع تجمدها. وقال أبوالمعاطي في تصريحات صحفية "يمكن أيضا رش مركبات عالية الطاقة مثل الفسفور والبوتاسيوم، نظرا لاحتوائها على الزنك والمنجنيز والعديد من العناصر الغذائية التي يحتاجها النبات لمقاومة الصقيع والإجهادات". وأكد أن من طرق مقاومة الصقيع أيضا، رش الكبريت الميكروني كوقاية من الأمراض ومادة عازلة، أو عمل منقوع سوبر فوسفات ورشه على النباتات، وكذلك تشغيل مواتير لرش المياه على أسطح النباتات لتحريك الثلج من على أسطح الأوراق ومنع تجمد الجذور، مشيرا إلى أن هناك من يلجأ إلى حرق إطارات السيارات والمخلفات النباتية لإزالة الصقيع وتدفئة الجو في محيط النبات. وأشار أبوالمعاطي إلى أنه في زراعات البطاطس صغيرة السن يمكن تغطية النباتات بقش الأرز مساء وكشفها صباحا.
محصول القمح ونصح الدكتور هاني البرهامي، رئيس بحوث متفرغ بمركز البحوث الزراعية، مزارعي محصول القمح في ظل موجات الصقيع، بعدم الري نهائيا نظرا لاحتفاظ الأرض بنسبة رطوبة عالية، وهو ما يجعل التربة ليست بحاجة إلى الري، وفي حالة الري سوف يعاني النبات بشدة وتظهر عليه علامات الاصفرار . وأكد البرهامي في تصريحات صحفية أنه لا فائدة أيضا من هوس المزارعين في استخدام المبيدات والمركبات الكيميائية نظرا لعدم جدواها إلى حد كبير، موضحا أنه بعد جفاف الأرض يسترد محصول النبات قوته مجددا، ويمكن استخدام شيكارة نترات واحدة للفدان، مع موجة مطر، أو في حالة كانت رطوبة الأرض قليلة فينصح برية على الحامي، أما رش المغذيات وما يتبعها من مواد أخرى فتأثيرها لحظي ولا يفيد النبات، خاصة وأن نبات القمح شتوي ولا خوف عليه . وحول شكاوى المزارعين من اصفرار أوراق القمح، قال "هذا بسبب عدم الالتزام بتسوية الأرض، وبالتالي بقاء كميات من المياه في الأرض وسوء الصرف، وهو ما يسبب اختناق النبات ونقص الأكسجين حول الجذور، مؤكدا أن نبات القمح آمن طالما الرطوبة حول الجذور قليلة ومعقولة. ووجه البرهامي المزارعين بالتأكد من فتح مغالق الصرف فورا عقب الري، وعدم ترك أى مياه في الأرض لتجنب الخطورة على النباتات، مشيرا إلى أن جميع من قام بزراعة القمح على مصاطب لا يُعاني من مشكلات الصقيع، خاصة وأننا على وشك استقبال نوة «الكرم»، وهي أشد خطورة من النوة الحالية ونتوقع صقيعا عاليا وأمطارا غزيرة.