سبحان مغير الأحوال، فبعد أن كانت إرهابية؛ أصبحت "حماس" محط أنظار سلطات الانقلاب العسكري بمصر، وتبدلت بوصلة الشتم والتخوين والتكفير في الإعلام العسكري إلى الاعتراف بكونها حركة مقاومة وطنية، وخرست الأقلام وطويت صحف الطعن في الظهر ، وحلت الاحتفاء بالحركة سياسيا وإعلاميا.. بل وحتى على مستوى الفتاوى! واختتم رئيس جهاز مخابرات العسكر، اللواء عباس كامل زيارة استمرت عدة ساعات لقطاع غزة اجتمع خلالها مع قيادة حركة المقاومة "حماس" في غزة وأطلعها على مباحثاته مع المسؤولين في كيان العدو الصهيوني والسلطة الفلسطينية في رام الله. والتقى كامل رئيس حماس في غزة يحيى السنوار وقيادة الحركة في القطاع في اجتماع مغلق بفندق "المشتل" غربي مدينة غزة، كما التقى في اجتماع آخر ممثلين عن حماس والفصائل الفلسطينية في المدينة. قُبلات مسمومة..! ووصفت مصادر قريبة من حركة حماس اللقاء بين "كامل" والوفد المرافق له وقيادة الحركة بأنه كان "حميميا" وعكس التطور اللافت في علاقة الطرفين، والذي ظهر بشكل جلي أثناء الحرب الصهيونية الأخيرة على غزة التي انتهت باتفاق وقف إطلاق نار برعاية مصرية. ويرزح مليوني فلسطيني في قطاع غزة تحت حصار خانق نجحت صواريخ المقاومة التي وصلت إلى قلب تل أبيب في لفت أنظار العالم إليه، وفضح ما يشكله من انتهاك لحقوق الإنسان في الحياة وحرية الحركة. المخزي في هذا الحصار الذي يستمر للسنة ال 14 على التوالي، هو هذا الصمت العربي المريب، ومشاركة سفاح القاهرة السيسي وسلطة محمود عباس في استمراره؛ فالاحتلال الصهيوني يفرض حصارا بريا وبحريا وجويا على القطاع، والسفاح السيسي يفرض حصارا بريا ويمنع تواصل القطاع مع العالم الخارجي عن طريق معبر رفح، وسلطة عباس ترفض رفع الحصار قبل إزاحة حماس من هناك كما أعلن وزير الخارجية الصهيوني السابق أفيجيدور ليبرمان، ما يجعل من الحصار مجموعة من الحلقات المحكمة التي تقتل الفلسطينيين في قطاع غزة ببطء. هناك حلقة رابعة من حلقات قتل الغزاويين وهي حلقة الصمت العربي غير المعقول، باستثناء قطر التي تطالب برفع الحصار في كل المحافل الدولية والإقليمية والعربية، فإن الأنظمة العربية الأخرى وعلى رأسها الإمارات والسعودية يبدو أنها سعيدة بهذا الحصار، بل يتمنى بعضها أن يستمر حتى تعلن حماس استسلامها بالكامل، حتى لو أدى ذلك إلى موت مليوني فلسطيني هناك. حصار غزة اعتداء على الإنسانية، واعتداء على الأخلاق والقيم والمبادئ والشرائع والقوانين الدولية وحقوق الإنسان، فالحصار جريمة حرب كاملة وهي جريمة إبادة وجريمة ضد الإنسانية، ومع ذلك يتعامل العرب مع الحصار على أنه حقيقة قائمة لا مجال لتغييرها، وأن هذا الحصار جزء من حياة الشعب الفلسطيني الغزاوي. عراب الاحتلال..! وبالتأكيد لم يتردد السفاح السيسي في مشاركة إسرائيل في حصار قطاع غزة، بل بالغ كثيرا في القيام بدور القائم على خدمة إسرائيل، ولم يجد حرجا في أن يعلن أنه مهتم ب"أمن المواطن الإسرائيلي"، وهو قول صدقه العمل، عندما قام بهدم البيوت القريبة من الحدود في سيناء وتهجير أهلها، في جرأة يحسد عليها، لكي تكون هناك مساحة فضاء واسعة من الجانب المصري، تمكن من فرض النفوذ ومراقبة الحدود. ثم أقدم خطوة للأمام، فأعلن في حضرة الرئيس الأمريكي السابق، أنه سيكون عند حسن الظن في ما يتعلق بصفقة القرن، وكانت هذه المرة الأولى التي يسمع بها الناس بهذه الصفقة، والتي قيل إنها تقوم على منح جزء من أراضي سيناء لإقامة الدولة الفلسطينية عليها! ودعا عقب انقلابه إلى ما أسماه "توسيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية" بضم دول أخرى إليها، ولأن مصر سباقة في هذا المضمار فإن من الطبيعي أن يكون هو كما كان مبارك من قبل من يقود المنطقة في هذا الاتجاه، ليخلق لنفسه وظيفة دولية، تجعل من استمراره في الحكم معنى! وكانت السوابق التاريخية تقر بأن التطبيع هو مهمة "حاكم مصر"، فقد كان مبارك في صدارة المشهد عند توقيع اتفاقية أوسلو جنبا إلى جنب مع الرئيس الأمريكي، لكن عندما بدأت عمليات التطبيع، برزت قيادة جديدة في المنطقة، هي الأقرب للكيان الإسرائيلي، والأكثر ديناميكية والأعظم حيوية ولياقة، ممثلة في شيطان الإمارات محمد بن زايد. الذي أخذ من السفاح السيسي "الشو"، ليكون هو "العراب الجديد"، وعندما طبعت بلاده لم تكن بحاجة إلى "الوسيط المصري"، حيث كانت العلاقات قائمة بالفعل، وكل ما حدث هو "إعلانها للناس"، وغُيب السفاح السيسي تماما، بينما "توسيع معاهدة السلام" يضم الإمارات، ثم البحرين والسودان، وتنتظر المملكة العربية الظرف المناسب للجهر بالمعصية، وقد سمحت للطيران الصهيوني بالمرور عبر أجوائها كخطوة أولى! كل فرد في غزة يتعرض للقتل مهما كان عمله أو وضعه، قتل جسدي وروحي ومعرفي وثقافي، فالفلسطينيون في غزة في عزلة عن العالم من الناحية العملية، وهذا وضع شاذ وغير طبعي وغير منطقي وغير معقول، ولكن الجنون بعينه هو أن يقبل الحكام العرب والشعوب العربية وما يسمى بالمجتمع الدولي استمرار هذا الحصار بهذه الطريقة الفجة الهمجية البربرية. ربما كان الاستثناء الكبير هو محاولة سفينة "مافي مرمرة" التركية كسر الحصار، فما كان من العدو اليهودي الإسرائيلي الصهيوني البربري إلا أن ارتكب مجزرة ذهب ضحيتها 9 أتراك. لا يمكن أن يستمر هذا الحصار إلى الأبد، ولا شك أن عوامل الانفجار تتراكم في القطاع من أجل فك الحصار ولو بحرب جديدة، مع إمكانية اندلاع انتفاضة شاملة في الضفة الغربية رغم التنسيق الأمني والدور الذي تقوم به أجهزة أمن محمود عباس. كما أن إعلان حماس وجود أربعة أسرى لديها يزيد من احتمالات حرب جديدة يبدو أن المقاومة الفلسطينية مصممة هذا المرة لنقلها إلى العمق الإسرائيلي، وتحويل الضفة الغربية إلى ساحة حرب وعدم الاكتفاء بغزة فقط، فكتائب القسام أعادت بناء ترسانتها العسكرية، وعوضت الصواريخ التي استخدمتها في الحرب الأخيرة، وتوعدت بمفاجأة جديدة غير متوقعة.