يحمل توقيت زيارة رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، إلى الخرطوم، السبت 6 مارس 2021م جملة من الدلالات المهمة، لا سيما أنها جاءت بالتزامن مع تطورات مهمة وملفات مشتعلة، ليس أولها فقط أزمة سد النهضة التي تصدرت مباحثات السيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ولكن أيضا هناك حملة من القضايا الحساسة ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، وعلى رأسها التطورات التي تشهدها الحدود السودانية الإثيوبية، فضلاً عن ملف العلاقات الثنائية بين البلدين، وغيرها من الملفات ذات الأولوية. وتعتبر هذه هي الزيارة الأولى لزعيم الانقلاب في مصر للسودان بعد إسقاط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير بانقلاب عسكري بعد أن حكم البلاد لمدة تقترب ثلاثين سنة بعد انقلاب نفذه على الحكومة المنتخبة سنة 1989م. تناولت الزيارة العلاقات العسكرية والأمنية والاقتصادية وقضية سد النهضة والأمن في البحر الاحمر وتطورات الأوضاع على الحدود السودانية، وتم خلالها التأكيد على رفض البلدين للأمر الواقع في قضية سد النهضة. وسبق الزيارة عدة لقاءات متتالية بين مسؤولين بالبلدين، وحراك دبلوماسي وعسكري وسياسي واسع بين القاهرةوالخرطوم؛ فقد اختُتمت قبل أيام أعمال الاجتماع السابع للجنة العسكرية المصرية السودانية المشتركة برئاسة رئيسي الأركان لكلا البلدين بالعاصمة السودانية، كما زارت وزيرة خارجية السودان مصر أخيراً. تنسيق الانقلابين وفي تصريحات مشتركة لقائدي الانقلابين في مصر والسودان، اعتبرا أن المرحلة تحتاج أعلى درجات التنسيق لمواجهة التعنت الإثيوبي في ملف سد النهضة، وعلنا رفضهما أي إجراءات أحادية تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق. وفي بيان لرئاسة الانقلاب بمصر قالت إن "المرحلة الدقيقة التي يمر بها ملف سد النهضة تتطلب أعلى درجات التنسيق بين مصر والسودان"، وأن السيسي والبرهان "اتفقا على تعزيز الجهود الثنائية والدولية للتوصل لاتفاق بشأن تعبئة سد النهضة". وأجريت مراسم الاستقبال على غير العادة داخل القصر الجمهوري. وسيلتقي السيسي أثناء زيارته أيضا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وكبار المسؤولين. وتزامن ذلك مع خروج دعوات متفرقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تندد بالزيارة، وتطلب من المواطنين التظاهر في شارع المطار تعبيرا عن رفض الزيارة. واتخذت السلطات السودانية عددا من الإجراءات من بينها عدم السماح بالتغطية الإعلامية إلا للأجهزة الإعلامية الرسمية، مع عدم الإعلان رسميا عن الزيارة أو تفاصيل لقاءات الضيف المصري. وكانت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي قد أعلنت في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية بحكومة الانقلاب سامح شكري يوم الثلاثاء نبأ الزيارة. وقد وصف الوزيران قيام إثيوبيا بالمرحلة الثانية من ملء سد النهضة بشكل أحادي الصيف المقبل بالتهديد المباشر "للأمن المائي للبلدين". وأكد الطرفان التمسّك باقتراح الخرطوم تشكيل لجنة رباعية دولية يقودها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، وتشمل كلا من الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة، للتوسط في المفاوضات وإطلاقها في أقرب فرصة ممكنة. وكان شكري قد التقى في 24 فبراير الماضي منسق خلية العمل المعنية في رئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية ألفونس نتومبا حيث أشار إلى أن الهدف الرئيسي من دعم حكومة الانقلاب للاقتراح السوداني هو المضي قدما في عملية المفاوضات ومساعدة الدول الثلاث – مصر والسودان وإثيوبيا – على التوصل إلى الاتفاق المنشود في أقرب فرصة ممكنة. وفى 6 فبراير ، دعا السودان إلى توسيع مظلة مفاوضات الوسطاء من اجل المفاوضات ، لتشمل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى والأممالمتحدة والاتحاد الإفريقى ، حتى تتحول أدوارهم كمراقبين إلى وسطاء. ولا تزال مفاوضات سد النهضة الثلاثية متوقفة، وقد جرت الجولة الأخيرة من المفاوضات يوم 10 يناير ولكنها فشلت فى تحقيق أي تقدم. وقال دبلوماسيون ومحللون ومراقبون سابقون لصحيفة "المونيتور" إن دعم مصر للاقتراح السوداني بتطوير آلية مفاوضات "سد النهضة" يهدف إلى الضغط على إثيوبيا لقبول الوساطة الجديدة التي تقوم بها اللجنة الرباعية، وأخيراً التوقيع على اتفاق ملزم بين الأطراف الثلاثة. اقتراح الوساطة وقالت منى عمر، مساعدة وزير الخارجية الأسبق للشؤون الإفريقية، "إن "نظام السيسي يدعم اقتراح الوساطة الذي تقدمت به اللجنة الرباعية السودانية، على أمل إحداث تغيير في الموقف الإثيوبي العنيد الأخير". وأضافت " أننا نحتاج إلى حل للموقف الإثيوبي، ولكننا نحتاج إلى حل للمشكلة الإثيوبية، ويجب أن تؤخذ في الاعتبار مصالح البلدان والشعوب الأخرى، وينبغي أن تكون [إثيوبيا] مقتنعة بأهمية الاتفاق على اتفاق ملزم يحقق مصالح جميع الأطراف، وتلتزم سلطات الانقلاب دائما بخيار المفاوضات كحل أساسي لهذه الأزمة، بغض النظر عن الصعوبات التي واجهتها حتى الآن، خاصة من إثيوبيا التي تواصل العمل على السد دون توافق في الآراء". وأشارت منى عمر إلى أن "أديس أبابا قد ترفض إدخال وساطة جديدة في المفاوضات، أو يمكنها ببساطة أن تبقى على طريقة المماطلة، وبالتالي فإن الوساطة لن تؤدي إلى أي نتيجة". وقال عطية العيسوي، المحلل المتخصص في الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ل"المونيتور": "إن الاقتراح السوداني جيد، وكانت حكومة السيسي قد دعت إلى ذلك حتى لا تقتصر المفاوضات على المراقبين الأفارقة – لأن القاهرة لديها شكوك في أن المراقبين الأفارقة سينجحون في اقتراح حلول يمكن أن تقبلها إثيوبيا وبالتالي إنهاء النزاع". وشدد العيسوي على أنه "على أي حال، يتعين على إثيوبيا أن توافق على الاقتراح الجديد؛ وعلى أي حال، ينبغي أن توافق على الاقتراح الجديد، سيكون الأمر كما لو أننا لم نفعل شيئا إذا لم ينتهي الأمر بالموافقة". وتحدد المادة 10 من إعلان المبادئ الموقع بين أديس أباباوالقاهرةوالخرطوم في عام 2015 آليات التسوية السلمية للنزاعات، وتنص على أن "تلتزم الدول الثلاث بتسوية أي نزاع ينتج عن تفسير أو تطبيق إعلان المبادئ من خلال المحادثات أو المفاوضات على أساس مبدأ حسن النية، وإذا لم تنجح الأطراف المعنية في حل النزاع من خلال المحادثات أو المفاوضات، فيمكنها أن تطلب الوساطة أو أن تحيل المسألة إلى رؤساء دولها أو رؤساء وزرائها". وأضاف العيسوي "نظراً لظروف إثيوبيا الحالية، داخلياً أو في نزاعها الحدودي مع السودان، فإنها لن توافق على الاقتراح الجديد بشأن الوساطة الرباعية". وأشار إلى أنه "من الناحية النظرية من المفترض أن يشكل الدعم المصري للاقتراح السوداني ضغطاً على الحكومة الإثيوبية للموافقة لأنه يعني أن هناك طرفين ضد طرف واحد، وهكذا فإن إثيوبيا هي التي تعوق التوصل إلى تسوية للأزمة – ولكن في الواقع، أديس أبابا لا تهتم بذلك". وقال ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية، ل"المونيتور": "يأمل نظام السيسي في ممارسة الضغط على أديس أبابا من خلال قبول اقتراح الوساطة الذي دعت إليه الخرطوم، لكن المشكلة هي أن إثيوبيا أثبتت حتى الآن أنها تقاوم تماماً الضغوط الخارجية". وأضاف أن "سلطات الانقلاب تلجأ مرة أخرى إلى الوسطاء الدوليين لحل الأزمة لأنها تعرف أن إثيوبيا ستمضي قدما في المرحلة الثانية من ملء [السد] بغض النظر عما إذا تم التوصل إلى اتفاق أم لا، والأمل الوحيد هو أن تتمكن الضغوط الدولية من دفع أديس أبابا إلى تقديم بعض التنازلات والتوقيع على اتفاق". وأشار فابيانى إلى أن " المصريين يعتمدون على الإدارة الأمريكية الجديدة وعلى جمهورية الكونغو الديمقراطية كرئيس جديد للاتحاد الإفريقى للقيام بدور فى حل هذه الأزمة ". وقال العيسوي: "يمكن لإدارة جو بايدن التدخل لحل هذه الأزمة خوفاً من نسفها وإزعاج الوضع في القرن الأفريقي، الأمر الذي سيؤثر على المصالح الأمريكية والغربية". https://www.al-monitor.com/pulse/originals/2021/02/dam-nile-egypt-ethiopia-sudan-international-water.html