أكد البروفيسور في الجامعات البريطانية آلاستير بونيت فى كتابه الجديد الذى جاء تحت عنوان "فكرة الغرب.. الثقافة والسياسة والتاريخ" أن التصورات المعاصرة عن "الغرب" تتسم ب"الضيق الأيديولوجي"، وهي أكثر ضيقا من كل صور "الغرب" الماضية، موضحا أن "للغرب" المعاصر ثقة قوية بنفسه، سيما ما يتعلق بمفهوم أن مشروع "الديمقراطية الليبرالية" "الغربي" يمثل للإنسانية الخيار الوحيد القابل للتطبيق. وأوضح بونيت أكثر هذا التفسير المعاصر مشيرا إلى طريقة تخيل "الغرب" وتحرير نشأة المصطلح من الجوانب الثقافية والتاريخية فكان ذلك هو الهدف الغالب على كتاب " فكرة الغرب .. الثقافة والسياسة والتاريخ " ثم تأتي السياسة تاليا. وعلى مدار العرض الذي قدمته مواقع للكتاب، حاول مؤلفه آلاستير بونيت ربطه بمعاني أغلبها عنصرية واستحواذية وتقدم المصالح على الغاية وتهمل بشكل متأخر المستويات الاجتماعية الأقل بما يسمى "النيوليبرالية" البراجماتية الكاملة أو بالعامية المصرية "اللي تكسب به العب به". التصور المعاصر ومن ذلك، يرى بونيت أن التصورات المعاصرة عن "الغرب" تتسم ب"الضيق الأيديولوجي"، وهي أكثر ضيقا من كل صور "الغرب" الماضية، موضحا أن "للغرب" المعاصر ثقة قوية بنفسه، سيما في ما يتعلق بمفهوم أن مشروع "الديمقراطية الليبرالية" "الغربي" يمثل للإنسانية الخيار الوحيد القابل للتطبيق. ويستنتج من ذلك، سياسيا، أن "ضرر الرؤى النيوليبرالية للغرب، عندما توضع في الميزان، أكبر من فائدتها بالنسبة إلى الديمقراطية". ويصف التأكيد المستمر لانتصار "الغرب" عبر الرأسمالية النيوليبرالية بأنه "خطاب سياسي طوباوي"، ويأمل أن يؤدي مثل هذا النقد إلى إنهاء "حالة التعود والألفة" على المنطق الذي يفترض حضورا كليا للعولمة النيوليبرالية، ويظهر "مدى الغرائبية" في ما يقدم بوصفه براجماتيا وحتميا، بحسب عرض ل"عربي 21". بين الغربنة والمقاومة وفضل بونيت أن يتحدث عن آسيا والغرب من خلال كتابات الآدباء المعروفين بتطلعهم للغرب، ليس بهدف الخضوع لسلطة الغرب بل للحفاظ على استقلالهم القومي". ويرى أنه من خلال تناول أعمال مفكرين أساسيين هما الياباني "فوكوزاوا يوكيتشي" والتركي "ضياء غوكالب". يقول: "أصر كلا الرجلين على امتلاك بلده موقعا مميزا ومتفوقا بالنسبة إلى آسيا ومنفتحا على الغرب. وتطلبت عملية الانقطاع والارتباط الثقافي تلك، رسم صورة نمطية سلبية عن آسيا بالترافق مع أجندة قومية غربية في أسلوبها؛ إذ رأى (كل منهما) "الغربنة" باعتبارها تقدم أدوات فكرية وعسكرية واقتصادية تستطيع مساندة الاستقلال. لذا لم تكن الغربنة ببساطة تتصل بالالتحاق ب"الغرب" بل بصورة أكثر أسّية تتعلق بامتلاك مستقبل قومي مستقل". وأشار إلى حالة رفضت الغرب كليا واسماها "المقاومة الشاملة" وقاد ذلك "الحراك" الشاعر البنجالي رابندرانات طاغور. فهو ليس فقط بادىء عصر ما بعد الحداثة، على حد رؤى الباحثين ولكن الأهم بالنسبة لبونيت أنه كان "مبشرا" بالوحدة الآسيوية. وأضاف أنه "طاغور" وجد في "الغرب" و"الغربنة" نسخة غير مقبولة عن الحداثة. وحاجج بأن حداثة الغرب نوع مضلل من الحداثة، لأنها مثلت إفساد الشخصية والفردية على يد نظام قيم اجتماعي غارق في المعيارية والتصنيع، بحسب ما يقول بونيت. غير أن بونيت غارق في الدفاع عن المغربين الذين سماهم "المتغربنين" وأعتبر أن من ذلك ما لفت طاغور من كتابات لأهمية العلوم والتكنولوجيا في تخفيف الفقر والظلم، حتى أن "مقاربته" الإصلاحية أو التصالحية هذه جلبت عليه تهمة "التغربن"، لكن محاولاته هذه وحديثه عن "الوحدة الخلاقة" بين الشرق و"الغرب" كانت تصطدم دوما بالصورة النمطية التي صنعها هو ل"الغرب". واستدرك "لقد ظل الغرب في نظره مكانا ل"الذرائعية" و"الفراغ الروحي"، وحضارة عازفة عن الاتصال الحقيقي بالآخرين، وهي في صلب تكوينها "مدمّرة". الحضارة البيضاء وقبل إطلاق لفظ "الغرب" كمصطلح، سبقه تسميات أخرى تصف انتشرت في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ثم ينتقل إلى الزمن الحاضر معتمدا على مواد ترجع في معظمها إلى منتصف القرن العشرين وأواخره. ولذلك صدر الفصل الأول من كتابه عن العلاقة بين الروايات العنصرية عن مفهوم العرق الأبيض و"الغرب"، وهو بشكل أوضح يستقصي صعود مصطلح "الغرب" عبر العلاقة بسقوط مفهوم العرق الأبيض. يقول بونيت إن مصطح "الحضارة الغربية" سبقه قبل بضعة قرون إلى الوراء "الحضارة البيضاء" والذي كان متعارفا عليه. ويشير بونيت إلى أنه بين عامي 1890 و1930 ظهرت في بريطانيا أعمال فكرية تناقش "أزمة الأبيض" وتحتفي بالهوية البيضاء، لكن هذه الأعمال كشفت من حيث لم ترد عن ضعف قدرة هذا المفهوم على بناء شكل للتضامن الاجتماعي، مضيفا أن فكرة "الغرب" التي تطورت في ثنايا هذه الأعمال قدمت رؤية للمجتمع أقل اختزالية في عرقيتها، ولكنها ليست بالضرورة أقل إقصائية. ويرى أن المصطلح تحرر بناء على "المبادئ والقيم السياسية التي تقدر أن تكون كوزموبوليتية (طبقية) ومتمركزة عرقيا بمهارة، كما يكمن فيها الانفتاح على الكل، سوى ما هو منغرس في تجارب وتوقعات شرائح اجتماعية ضيقة". توظيف روسي وعن أول من حرر مصطلح "الغرب"، أشار إلى البلشفيين الروس، وهو ما ركز عليه في الفصل الثاني من الكتاب، واستخدموه في سياق تحديد معنى أوضح للشيوعية. وكانت المصطلح وقتها يعني "هوية مميزة وواعية لذاتها سياسيا: إنه مكان يعرّف بكونه غير شيوعي ومعاديا للسوفييت"، بحسب بونيت. وباتت الشيوعية بالمقابل لهذا "الغرب" تعني "مكان لثورة وحداثة اشتراكية إلى معاينته كموطن للرجعية البرجوازية". وأضاف بونيت أن التحول من تبني النزعة الغربية إلى معاداتها في الاتحاد السوفييتي لم "ينبىء بأفول المركزية الإثنية، لكن أدى إلى تحولها فحسب؛ إذ إن نزعتي المعاداة للغربنة والاستعمارية السوفييتية تطورتا معا". خلاصة الكتاب وخلص بونيت، أستاذ الجغرافيا الاجتماعية في جامعة نيوكاسل، إلى أن "الغرب" المصطلح الذي يستخدم بشكل دائم في كل مكان ليس اختلاقا غربيا خالصا، بل هو إضافة إلى ذلك، مفهوم متخيّل صنعته ونمطته ووظفته شعوب عدة في العالم، حيث يترافق استخدامه غالبا مع افتراض أن الغرب مهم ومسيطر، وحيث صار مألوفا وتقليدا ضمن السياق السياسي والتاريخي التشديد على طريقة فعل الغرب وردة فعل غير الغرب. عالمة الاجتماع الصينية سون غي لاحظت أنه "في روايات المفكرين الآسيويين يكون الغرب موجودا دوما. برؤية تاريخية تؤدي تلك الفئة المثالية وظيفة الوسيط الذي يحث الآسيويين باستمرار على تكوين وعي عن الذات". ومنها انطلق بونيت ليبين أن "أفكار غير الغربيين عن الغرب في كثير من الأحيان سبقت نظيرتها عند الغربيين، "بمعنى أن الغرب ابتكار غير الغربيين".