عرضت جريدة الواشنطن بوست تقريرا عن ما يسمى بالغزو الثقافي الحضاري ، حيث يبدأ المحرر باستعراض ما نشره بانكاج ميشرا الخريف الماضي في صفحة عروض الكتب بلندن من عرضه لكتاب " الحضارة : الغرب وبقية العالم " لنيال فيرجسون . حيث قام بانكاج باتهام فيرجسون بالعنصرية فيما كتبه عن التفوق الثقافي للغرب في القرن العشرين ، ورفضه لمسمى الكتاب الذي يشير إلى انفصام العالم إلى شعوب بيضاء " الغرب " وبقية العالم . وقام فيرجسون بعد نشر هذا المقال بأسابيع بالتهديد برفع دعوى قضائية بالتشهير ضده في الصحافة لاتهامه بالعنصرية ، لتصبح صفحة " لندن ريفيو " ساحة المعركة الرئيسية في الذاكرة الحديثة حول فكرة التبادل والغزو الثقافي والعنصرية الفكرية ، لتهدأ المعركة رغم كتابة ميشرا كتابه الجديد " على أنقاض الأمبراطورية " . يركز ميشرا في كتابه أن العالم الغربي مازال يقف عند مفترق الطرق بعدما واجهه هذا القرن من تحديات حربين عالميتيين وحرب نووية وتحدى للفكر الشيوعي السوفياتي ، في حين أن آسيا تعيش حدثا هاما وهو خروجها من تحت عباءة وأنقاض الأمبرطوريات الأوروبية والآسيوية على حد سواء وهو ما يمكن أن يمثل لها صحوة فكرية وسياسية جديدة . من " أنقاض الأمبراطورية " يحاول ميشرا أن يوضح هذه الصحوة بتسليط الضوء على أصوات المثقفين الثلاث الأكثر تأثيرا في العالم العربي والصين والهند ، وهم الذين ساعدوا على تشكيل الخطابات والفكر في بلادهم لتتبلور لما هي عليه الحال اليوم . وأول هذه الشخصيات هو جمال الدين الأفغاني ( 1838 – 1897 ) وهو ناشط متجول بالعالم العربي في القرن التاسع عشر ، وكان من المنادين بإحياء الإسلام ، وكذلك من المؤيدين للحداثة الإسلامية . وثانيها وهو ليانغ هيو ( 1873 – 1929 ) وهو باحث وصحفي صيني ، وأصبح فيما بعد من المصلحين الإجتماعيين بعد الإطاحة بسلالة كينج الحاكمة لإيمانه بالملكية الدستورية . أما الثالث فهو رابندرانات طاغور ( 1861 – 1941 ) ويعتبر اول شخصية غير أوروبية تحوز على جائزة نوبل للآداب لانتقاده القوي في أعماله على سياسات الهند . ويوضح ميشيرا أنه في حالة وضع أولئك المثقفين الثلاث مع بعضهم في حالة من الحوار عبر الزمان والمكان سينجد حلول تتغلب على ما يواجهه مجتمعاتهم فكريا واقتصاديا وسياسيا . فالأفغاني هو أول من أشار إلى سقوط الخلافة الإسلامية ولم يكن أول من فعل ذلك سيد قطب في مصر ولا أسامة بن لادن بالسعودية . مشيرا من خلال كتابه يروي التأثيرات التي لا يمكن لأحد أن ينكرها من قبل الشخصيات الثقافية الثلاث السابق ذكرها ، مع تسليط الضوء على القواسم المشتركة في كفاح الشعوب الخاضعة سابقا لأوروبا في عملية تصالحها مع الحداثة المفروضة عليها رغم عدم رغبة شعوبها فيها . وركز على الصين والهند والعالم العربي ليري الجميع الصورة الثقافية ل " بقية العالم " وهو الوصف الذي رفض اطلاقه عليهم وكأنهم دائما ما يكونوا خارج الإطار الثقافي ومهمشين به .
ويختم محرر المقال بأن ميشيرا في كتابه يحاول الرد على كتاب فيرجسون الذي يراه عنصريا بصورة كبيرة كصورة من محاربة النار بالنار ولكن بشكل فكري متحضري يقوم على النقاش والأدلة التاريخية .
حرر هذا المقال لجريدة الواشنطن بوست جيمس ماكولي الاستاذ بجامعة أكسفورد .