السيسي يعد بإنجازات جديدة (مدينة إعلام).. ومراقبون: قرار يستدعي الحجر على إهدار الذوق العام    إصابة 6 فلسطينيين جراء اعتداء مستوطنين عليهم فى الضفة    بعد استقالتها من الكونجرس، مارجوري جرين تعتزم الترشح للرئاسة الأمريكية نكاية في ترامب    حسين ياسر المحمدي: تكريم محمد صبري أقل ما نقدمه.. ووجود أبنائه في الزمالك أمر طبيعي    إصابة 4 أشخاص بينهم ضابطان من الحماية المدنية في حريق عقار بالمنصورة    تخصيص قيمة جوائز المالية لفيلم ضايل عنا عرض لإعادة بناء مدرسة سيرك غزة الحر    صوتك أمانة.. انزل وشارك فى انتخابات مجلس النواب تحت إشراف قضائى كامل    طقس اليوم الاثنين.. تحذيرات من الأمطار والشبورة المائية مع استمرار ارتفاع الحرارة    مصرع شخص إثر انقلاب سيارة نصف نقل في مياه أحد المصارف بالبحيرة    بيان مبادرة "أطفالنا خط أحمر" بشأن واقعة الاعتداء على تلاميذ مدرسة "سيدز الدولية"    مفاجأة ينتظرها صلاح، أول المرشحين لخلافة سلوت في ليفربول بعد الخسارة السادسة بالبريميرليج    مانيج إنجن: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل أمن المعلومات في مصر    ترامب: اقتراحي لإنهاء الحرب في أوكرانيا ليس عرضًا نهائيًا    ماكرون يرفض مقترح عودة صيغة "مجموعة الثماني" بمشاركة روسيا    بلغاريا تؤيد خطة ترامب للتسوية في أوكرانيا    عمرو أديب: عايزين نتعلم من درس عمدة نيويورك زهران ممداني    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء قائد سيارة نقل ذكي على سيدة بالقليوبية    صفحة الداخلية منصة عالمية.. كيف حققت ثاني أعلى أداء حكومي بعد البيت الأبيض؟    : ميريام "2"    فليك: فخور بأداء برشلونة أمام أتلتيك بيلباو وسيطرتنا كانت كاملة    نابولي يتربع على صدارة الدوري الإيطالي بثلاثية في شباك أتالانتا    السعودية.. أمير الشرقية يدشن عددا من مشاريع الطرق الحيوية بالمنطقة    روسيا: لم نتلقَّ أى رد من واشنطن حول تصريحات ترامب عن التجارب النووية    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الإخوان الإرهابية تواجه تهديدا وجوديا فى قارة أوروبا.. ترامب: خطة السلام بشأن أوكرانيا ليست نهائية.. تعليق الملاحة فى مطار آيندهوفن الهولندى بعد رصد مسيّرات    محافظ كفر الشيخ يعلن الاستعدادات النهائية لانتخابات النواب 2025    ب16 سفينة وتصدير منتجات ل11 دولة أوروبية.. ميناء دمياط يعزز مكانته اللوجيستية العالمية    عاجل- الداخلية المصرية تحصد المركز الثاني عالميًا في أداء الحسابات الحكومية على فيسبوك بأكثر من 24 مليون تفاعل    حبس 10 متهمين في أحداث مشاجرة بعد مقتل شاب وإصابة 4 آخرين بكفر الشيخ    الوكيل الدائم للتضامن: أسعار حج الجمعيات هذا العام أقل 12 ألف جنيه.. وأكثر من 36 ألف طلب للتقديم    حمزة عبد الكريم: سعيد بالمشاركة مع الأهلي في بطولة إفريقيا    جامعة القناة تتألق في بارالمبياد الجامعات المصرية وتحصد 9 ميداليات متنوعة    د.حماد عبدالله يكتب: مشكلة "كتاب الرأى" !!    دولة التلاوة.. هنا في مصر يُقرأ القرآن الكريم    محافظة الجيزة تكشف تفاصيل إحلال المركبة الجديدة بديل التوك توك.. فيديو    الري تفتح مفيض توشكى لاستيعاب تدفقات مفاجئة من السد الإثيوبي    البابا تواضروس الثاني يطيّب رفات القديس أثناسيوس بمناسبة مرور 17 قرنًا على مجمع نيقية    مصطفى حسنى للمتسابق عطية الله رمضان: ربنا ينوّلنا صحبتك فى الدنيا والآخرة    مخرجة فيلم دخل الربيع يضحك: رميت السيناريو بعد التدريب.. وخليت الممثلين يعيشوا القصة من خيالهم    حكاية أثر| "تماثيل الخدم في مصر القديمة".. دلالاتها ووظيفتها داخل مقابر النخبة    المتحدث باسم الصحة: الإنفلونزا A الأكثر انتشارا.. وشدة الأعراض بسبب غياب المناعة منذ كورونا    طريقة مبتكرة وشهية لإعداد البطاطا بالحليب والقرفة لتعزيز صحة الجسم    "الوطنية للانتخابات" تدعو المصريين بالداخل للمشاركة في المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب    جدول زمني للانتهاء من مشروعات الصرف الصحي المتعثرة بالقليوبية    أهالى القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسى بعد تحقيق حلم تركيب الكهرباء والمياه    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    بث مباشر الآن.. مباراة ليفربول ونوتنغهام فورست في الجولة 12 من الدوري الإنجليزي 2026    شاهد الآن.. بث مباشر لمباراة الهلال والفتح في الدوري السعودي روشن 2025-2026    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    الوطنية للانتخابات: بدء فرز الأصوات بنيوزيلندا.. والكويت الأعلى تصويتا حتى الآن    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    الآن.. سعر الجنيه الذهب اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة قنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بالصيني.. عبد الملك اول من دعا للتفاعل بين الحضارتين في الخمسينات

بعد الاهتمام الذي أولته الدوائر الداخلية والخارجية بزيارة الرئيس مرسي للصين، يجب أن نسترجع رؤية المفكر الراحل الدكتور أنور عبد الملك الذى أكد منذ زمن طويل على أهمية وضرورة التفاعل العميق بين الثقافتين المصرية والصينية.
ولعل هذه الزيارة التى يقوم بها أول رئيس مصرى منتخب بإرادة شعبية حرة للصين بعد ثورة 25 يناير مناسبة لقراءة ثقافية دالة فى أفكار الدكتور أنور عبد الملك الذى يكاد يكون فى طليعة المثقفين المصريين الذين تنبهوا ل"رياح الشرق الجديد" وأهمية أن تولي مصر والعالم العربى- الإسلامى الاهتمام الكافي بالمشروع النهضوي الصيني وتستفيد منه دون تفريط فى الخصوصية الثقافية- الحضارية.
فمنذ خمسينيات القرن العشرين دعا المفكر المصرى أنور عبدالملك، العالم العربى -الإسلامى للتفاعل مع الدائرة الحضارية الصينية، فيما درس بعمق الحضارتين المصريةوالصينية بنظرة ترنو لصعود الحضارة العربية- الإسلامية من جديد فى المشهد المعاصر للعلاقات الدولية.
وعلى مدى سنوات طوال، كان الدكتور أنور عبد الملك مهموما بإشكالية النهضة في العالم الإسلامي وتجاوز الهيمنة الثقافية الغربية التى امتدت قرونا والبعد الحضاري الكامن وراء الصراعات الدائرة في العالم ومواجهات الغرب والشرق.
وتبنى المفكر المصرى الراحل أنور عبد الملك الذى ولد فى القاهرة عام 1924 فكرة الدوائر الحضارية المتفاعلة، مؤكدا وهو المسيحى الديانة واليساري فى أصوله الفكرية أن الإسلام يشكل الهوية الحضارية للأمة، كما ركز على مفهوم "الخصوصية الاجتماعية والحضارية".
وفى هذا السياق، قال الدكتور أنور عبد الملك إن العالم العربي ينتمي إلى دائرة حضارية-ثقافية امتدت من المغرب إلى الفلبين واتخذت الإسلام دينا ودولة، ولم يتردد فى دعوة المثقفين العرب لأن يعرضوا عن "دعاة التنكر لواقعهم التاريخي والاجتماعي والثقافي ليتجاوب مع دعوته المخلصة والبريئة من الهوى والمصلحة الخاصة المثقفين الوطنيين الذين يدركون أهمية المخزون الحضارى للأمة فى تحقيق النهضة المنشودة.
وفى كتابه "من تحت الأنقاض الإمبراطورية: الثورة على الغرب وإعادة بناء آسيا"كان الكاتب والقاص الهندى بانكاج ميشرا المعني بجدل الأفكار بين الغرب والشرق الأسيوي وانعكاسات العولمة، قد تطرق لاستجابة المثقفين العرب والفرس والهنود والصينيين واليابانيين حيال علو المد الاستعمارى الغربى ودعواتهم فى سياق الفكر المقاوم للهيمنة الأوروبية وشعورهم بالمهانة إزاء الخلل الفادح في توازن القوى عالميا لبناء التضامن الاسلامى والتقارب مع الكتلة الآسيوية.
وكان أنور عبد الملك قد رأى أن العالم العربى يشكل الدائرة الثقافية الأوسع فى العالم الإسلامى إلى جانب الدوائر الثقافية الإفريقية والأسيوية"، فيما شدد على إيمانه بدور الإسلام فى نهضة المجتمعات الشرقية.
والمتأمل لأعمال بانكاج ميشرا ونتاجه الذهنى يلمس اهتماما بهذا النوع من القضايا وأدوار المثقفين على وجه الخصوص فيما كانت الثورة الشعبية المصرية حاضرة فى كتاباته، حتى إنه زار مصر بعد ثورة يناير وكتب عن ميدان التحرير فى صحيفة "ذي جارديان" البريطانية كرمز لكفاح شعب سعى للانعتاق من حكم لا يختلف فى جوهره عن الحكم الاحتلالي الاستعماري.
وهكذا رأى بانكاج ميشرا أن المصريين بعد ثورتهم بدوا كأى شعب تخلص من الاحتلال ويبحث عن حكم ديمقراطي يمثله مع العدالة الاجتماعية والقوة الاقتصادية والتجدد الثقافي, شعب استعاد كرامته ويسعى للنهضة.
إنها فكرة الولادة الجديدة والثوار الذين يمتلكون إمكانات جديدة ونقية للتفكير والعمل مستندة بالضرورة لتراث ثقافي ثوري لعل من تجلياته أعمال رائدة للمفكر الراحل أنور عبد الملك الذى تولى الإشراف على مشروع لجامعة الأمم المتحدة فى طوكيو بعنوان "البدائل الاجتماعية-الثقافية للتنمية فى عالم متغير" وهو مشروع اهتم بإسهامات الفكر الإسلامى في هذا المضمار.
وألح عبد الملك في طروحاته وكتاباته المتعددة على أهمية الانبعاث الحضاري وهوالذي درس الفلسفة وخبر الفكر الأوروبي والغربى باتجاهاته وتلاوينه وأطيافه، وحصل على الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون وانضم للمركز القومي للبحث العلمي في باريس.
وفى سياق اهتمامه غير العادى بمشروع النهضة الصينى، لاحظ أنور عبدالملك أنالنخب الثقافية الصينية تنأى بنفسها عن المعارك الوهمية حول قضايا لا يعتد بها فىتغيير الواقع بقدر ما تنزع نحو الأفكار المحركة والمغيرة لهذا الواقع، معتبرا أنه"من واجب العرب وصالحهم التعلم من الصين نموذج التفوق في التعلم من الواقعوتغييره".
ومن الطريف أن "الهوى الصيني" للدكتور أنور عبد الملك كان يتجلى حتى في مطبخه، حيث الطهي بالبخار والميل للخضروات والأسماك وفواكه البحر فيما رأى في الصين "النموذج للأمة العريقة الموحدة المتصلة على مر العصور" عاقدا مقارنات عميقة بين السياقات الحضارية فى مصر والصين ونظره يرنو دوما لمشروع نهضوى مصرى يضارع النهضة التى تحققها الصين.
ولعل المشروع النهضوى الصينى يتوافق مع ماتوقعه المؤرخ العلامة أرنولد توينبى من أن الغرب لن يكون بمقدوره تجاهل أفكار الشرق وسيتعين عليه التسليم بوجود ثقافات وحضارات أخرى تتعامل معه بندية.
إن كانت الصين تمارس "عقيدة الصعود السلمي" فإن مصر التى أضحت دولة مدنية ديمقراطية وتستعيد قوتها الناعمة- ليست أبدا طرفا فى نزاع وإنما كما أوضح الرئيس محمد مرسى "تريد أن تكون دائما طرفا فى عملية متكاملة من أجل استقرار المنطقة والعالم وهناك الآن تقدير كبير للشعب المصرى وثورته لدى كل دول العالم".
وإذا كان الرئيس محمد مرسى قد أعلن أنه "لا مجال للخوف فى مجال العمل السياسى والدبلوماسى لأن الخارج العربى والإقليمى والدولى أراه الآن داعما للدولة المصرية الجديدة التى ولدت بعد الثورة ولقيادتها الجديدة المنتخبة" فإن الأمر ذاته ينطبقوربما أكثر على مجال العمل الثقافي المصري.
ومع انهيار البنية الاستبدادية، يبدو العقل الثقافي المصري مدعوا للتحليق فى آفاق جديدة مناطها تلبية أشواق مصر والأمة للعدالة والحرية والنهضة والإسهام الجاد الذي يليق بقامة هذا الوطن في ثقافة عالم مازال يبحث فى تيه أزماته عن الحق والخير والجمال.
وفى ذروة عطائه الفكرى، انتهى المفكر أنور عبدالملك إلى فكرة مركزية هي أن "نهضة العالم العربى- الإسلامى ومصر فى القلب لا يمكن أن تتحقق إلا فى خضم صياغة عالم جديد مغاير للعالم الذى بدأ منذ القرن السادس عشر"، مؤكدا دوما أهمية النضاللإنهاء المظلومية والجور والبغى بكل ألوانه فالغرب حسب مفهوم "فائض القيمة التاريخى" الذى ابتكره أنور عبدالملك "لم يكن ليصير غنيا على هذا النحو الصارخ لولا قرون خمسة من الغزو والاستعمار والنهب".
وإذا كان الوقت قد حان لتشرع ثقافة الثورة المصرية فى إنتاج التحولاتالتاريخية الكبرى وبناء النهضة المجتمعية الموعودة وممارسة الإبداع الحضاري النافي لانحطاط استبد طويلا.. فإن التحية واجبة لكل من أسهم فى بناء أفكار هذه الثورة النبيلة ومقاومة الطغيان ومنهم المفكر الراحل أنور عبد الملك الذي توفي في شهر يونيو الماضى وكان يعتز كل الاعتزاز "بالإسلام الحضارى" ويستشهد كثيرا بالآية الكريمة "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.