شكّلت تماثيل الخدم جزءًا مهمًا من محتويات مقابر كبار موظفي الدولة خلال عصر الأسرة الرابعة، حيث جاءت محفورة بدقة لتجسيد أنشطة الحياة اليومية. وقد لعبت هذه التماثيل دورًا رمزيًا ووظيفيًا داخل العالم الجنائزي، إذ صُمِّمت لتأدية الأعمال المنزلية نيابة عن المتوفى في العالم الآخر، مما يعكس رؤية المصريين القدماء لاستمرارية الحياة وضرورة توفير سبل العيش في الدار الآخرة. - الخلفية التاريخية ظهر استخدام تماثيل الخدم بشكل واضح في مقابر النخبة من رجال البلاط الملكي خلال عصر الأسرة الرابعة، خاصة داخل السراديب المغلقة المعروفة ب"غرف التماثيل". وقد جاء هذا التقليد متوافقًا مع الاعتقاد العميق باستمرار حياة المتوفى بعد الموت وحاجته الدائمة للغذاء والخدمات. - الشكل الفني والمواد تميزت هذه التماثيل بتنوع أوضاعها وأحجامها، إذ صُوّر الخدم أثناء تنفيذ مهام منزلية متعددة. غالبًا ما نُحتت من الخشب أو الحجر الجيري، مع إظهار التفاصيل الدقيقة للوجه والحركة والملابس. ويُلاحظ أن الفنان كان يركز على إبراز الحركة الوظيفية بدقة أكثر من التركيز على الجماليات البحتة. - الوظيفة الجنائزية جاءت تماثيل الخدم كبديل رمزي عن الخدم الحقيقيين، حيث آمن المصريون القدماء بأن هذه التماثيل ستتحرك وتقوم بخدمة المتوفى في العالم الآخر. ومن أبرز الأعمال التي صُوّرت: طحن الحبوب. إعداد الخبز. صناعة الجعة. ذبح الماشية وتجهيز الطعام. وبذلك ضمنت هذه التماثيل استمرار الإمدادات الغذائية والشراب للمتوفى دون انقطاع. - دلالاتها الاجتماعية والدينية تعكس هذه التماثيل المكانة الاجتماعية الرفيعة لصاحب المقبرة، إذ تشير كثرتها وجودتها إلى ثرائه وقربه من السلطة. كما تكشف عن جانب مهم من العقيدة المصرية القديمة المرتبطة بالاستعداد للحياة الأخرى، وتبرز تصورهم للروح "كا" التي تحتاج إلى الغذاء للبقاء. - القيمة العلمية والأثرية تُعتبر تماثيل الخدم مصدرًا ثريًا للمعلومات حول الحياة اليومية في مصر القديمة، إذ تقدّم صورًا حيّة لطبيعة العمل المنزلي وأدواته وأساليبه. كما تساعد الباحثين على فهم التنظيم الاجتماعي والاقتصادي، خاصة ما يتعلق بإنتاج الطعام وطقوس تقديم القرابين. تُجسد تماثيل الخدم مزيجًا مميزًا من الفن والعقيدة في مصر القديمة، وتقدّم لنا نافذة مهمة لفهم حياة المصريين القدماء، سواء في دنياهم أو في معتقداتهم عن الآخرة. ورغم صغر حجمها، فقد لعبت دورًا محوريًا في النظام الجنائزي، مما يجعلها من أبرز الشواهد على تطور الفكر الديني والاجتماعي في تلك الحقبة.