كانت الطقوس الجنائزية في مصر القديمة تحاكي رحلة المتوفى إلى العالم الآخر، حيث اعتقد المصريون القدماء أن الحياة تستمر بعد الموت، ولهذا زُوّدت المقابر بكل ما كان يحتاجه الشخص في حياته ليتمتع به في الأبدية. ومن أبرز الشواهد على ذلك، الموكب الجنائزي الخشبي الذي يعود لعصر الدولة الوسطى، والذي يُجسّد مشهدًا مذهلًا لنقل الطعام والشراب والمقتنيات الشخصية إلى المقبرة، في صورة مصغرة تعكس العادات الجنائزية الراسخة في وجدان المصريين القدماء. ** الموكب الجنائزي: نموذج مصغر لمراسم الدفن يعكس هذا الموكب الجنائزي المصنوع من الخشب عناية المصريين القدماء بإعداد المتوفى للحياة الأخرى، حيث تظهر فيه تفاصيل دقيقة تُجسد موكبًا يحمل الطعام والشراب والملابس والحُلي داخل سلال وصناديق، وهي في طريقها إلى المقبرة. كان الهدف من هذه المقتنيات ضمان رفاهية المتوفى في العالم الآخر، وفقًا للمعتقدات المصرية القديمة التي اعتبرت أن الروح بحاجة إلى هذه الأشياء لمواصلة حياتها بعد الموت. ** الاكتشاف والموقع الحالي عُثر على هذا الموكب الجنائزي خلال حفائر سقارة، وهي واحدة من أهم المواقع الأثرية في مصر، والتي احتضنت العديد من الكنوز الأثرية التي تعكس تطور الفكر الديني والجنائزي عبر العصور. واليوم، يُعرض هذا النموذج الفريد في الدور العلوي بالمتحف المصري بالقاهرة، ليكون شاهدًا على دقة وإبداع الفن المصري القديم، ويمنح الزائرين فرصة لاستكشاف أحد أهم المظاهر الجنائزية التي ميزت الدولة الوسطى. ** دلالات وأهمية الموكب لا يقتصر هذا الموكب على كونه قطعة أثرية فريدة، بل يمثل دليلًا ملموسًا على الطقوس الدينية والمعتقدات الراسخة لدى المصريين القدماء بشأن الحياة الأخرى. اقرأ أيضا| أصل الحكاية| تماثيل الأفراد في مصر القديمة.. تجسيد للمعتقدات الدينية فهو يُبرز اهتمامهم بالحياة بعد الموت، ويوضح مدى حرصهم على توفير كل ما يلزم للمتوفى ليحظى برحلة آمنة نحو الأبدية. كما يُبرز التطور الحِرفي في نحت الأخشاب وتلوينها، مما يعكس براعة الفنانين المصريين القدماء في تحويل الخشب إلى مشاهد نابضة بالحياة. يُعد هذا الموكب الجنائزي الخشبي واحدًا من القطع الأثرية التي تجسد عمق الفكر الديني في مصر القديمة، وهو مثال واضح على الإيمان العميق بالحياة الأخرى وطقوس الدفن المعقدة التي كانت تُمارس لضمان راحة المتوفى. ومن خلال عرضه في المتحف المصري بالقاهرة، يظل هذا الأثر شاهدًا على عبقرية المصريين القدماء وإرثهم الحضاري الخالد.