مع تسارع معدل الانهيار الاقتصادى فى مصر فى عهد قائد الانقلاب الدموى عبد الفتاح السيسي وارتفاع الأسعار وتراجع قيمة الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية بعد قرار التعويم فى نوفمير 2016، ومع تداعيات جائحة فيروس كورونا تزايدت أعداد الفقراء ومن يعيشون تحت خط الفقر بصورة غير مسبوقة. يشار إلى أن البنك الدولى كان قد أكد فى بيانات رسمية أن 60% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر وعقب انتشار فيروس كورونا وتوقعت دراسة لمعهد التخطيط القومي أن تتسبب الجائحة في ارتفاع معدل الفقر في مصر ليتراوح بين 5.6 إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي 2020-2021 أى أن عدد من يعيشون تحت خط الفقر سيصل الى 72.5 مليون مواطن من اجمالى عدد السكان البالغ 100 مليون نسمة، تزايد معدلات الفقر دفع عددا من خبراء الاقتصاد الى التحذير من مجاعة تضرب البلاد خلال سنوات ومن ثورة الفقراء ضد نظام العسكر . وقال الخبراء إن الأوضاع المعيشية لأغلب أبناء الشعب المصرى أصبحت قاسية ولا تحتمل بسبب القرارات التى تتخذها حكومة الانقلاب بصورة شبه يومية لرفع الأسعار وفرض رسوم وضرائب وتقليص الدعم والمساعدات الاجتماعية وإلغاء العلاج المجانى خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولى. أزمة كورونا فى هذا السياق توقعت دراسة حديثة لمعهد التخطيط القومي، أن ترفع تداعيات أزمة كورونا، عدد الفقراء في مصر إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي 2020-2021. وقالت الدراسة التى حملت عنوان "التداعيات المحتملة لأزمة كورونا على الفقر في مصر"أن أزمة جائحة كورونا ستتسبب في ارتفاع معدل الفقر في مصر، ليتراوح ما بين 5.6 إلى 12.5 مليون مواطن خلال العام المالي 2020-2021، واستندت الدراسة إلى توقعات مستويات البطالة والدخل والتضخم في تقدير الانعكاسات السلبية المتوقعة لتداعيات أزمة كورونا على معدل الفقر في مصر. وأظهرت النتائج أن انخفاض نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنحو نقطة مئوية واحدة يؤدي إلى زيادة الفقر في مصر بنحو 0.7 نقطة مئوية، إلى جانب أن زيادة معدل البطالة بنحو نقطة مئوية واحدة سيؤدي إلى زيادة نسبة الفقر بنحو 1.5 نقطة مئوية، في حين أن زيادة معدل التضخم نقطة واحدة مئوية يؤدي إلى زيادة نسبة الفقر بنحو 0.4 نقطة مئوية. وصنفت الدراسة الوضع المتوقع وفقاً لثلاثة سيناريوهات، أولها السيناريو المتفائل والثاني الوسط وأخيراً السيناريو الصادم. واعتمدت في إعدادها على 3 محددات رئيسة تتعلق بمعدل البطالة ونمو متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي ومعدل التضخم. وأوضحت أنه بالنسبة لنمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يأخذ في اعتباره قياس الانخفاض المتوقع في الدخل نتيجة تراجع الطلب والعرض، علاوة على الانخفاض المتوقع في تحويلات العاملين، تم الاعتماد على معدل النمو الاقتصادي المتوقع وفقاً للسيناريو المرجح، الذي أعلنت عنه وزارة التخطيط بحكومة الانقلاب للعام المالي المقبل، متوقعة خلاله نمو الناتج المحلي الإجمالي 3.5 في المئة، وافترضت الدراسة بقاء معدل التضخم عند 10 في المئة للمتوسط خلال العام المالي المقبل. وتوقعت الدراسة استمرار الأزمة وتأثيراتها في زيادة عدد المتعطلين، وتفاقم مشكلة العمالة العائدة من الخارج بشكل ملحوظ. ما يؤدى الى ارتفاع معدل البطالة ليصل إلى 16 في المئة. وبالتالى ارتفاع معدل الفقر ليصل إلى 44.7 في المائة، أو ما يعادل زيادة الفقراء بنحو 12.5 مليون شخص في العام المالي المقبل. وأشارت إلى انه بدون حدوث أزمة كورونا كان يمكن افتراض أن نسبة الفقر في ظل الظروف العادية سوف تتراوح بين 30 إلى 35 في المائة . وأضافت: يمكن استنتاج أن الأثر الصافي لأزمة كورونا على زيادة عدد الأفراد تحت خط الفقر يتراوح بين 10 ملايين و15 مليون شخص. خطورة كبيرة وأكد الدكتور أحمد ذكر الله أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أن هذا الرقم من الفقراء يمثل خطورة كبيرة على المجتمع المصري وأخلاقياته وتماسكه. وقال في تصريحات صحفية ان تقدير خط الفقر هو للدلالة على الدخل الذي يكفي الإنسان للحصول على مقدار من السعرات الحرارية يحافظ على كفاءة أجهزة جسمه وأعضائه الحيوية. وأضاف بذلك فإن ستين مليون مصري الآن -وفقا لتقدير البنك الدولي-بالاضافة الى نحو 12.5 مليون بسبب تداعيات كورونا يعيشون تحت خط الفقر أى ليس لديهم من الدخل ما يكفي للحصول على غذاء يحفظ أجسامهم بكفاءة وحيوية وهم عرضة لأمراض نقص الغذاء، وعلى رأسها مرض التقزم الناتج عن سوء التغذية، مطالبا حكومة الانقلاب بأن تعمل على إعادة تشغيل المصانع المتعثرة التي يصل عددها لخمسمئة مصنع تقريبا، والتوقف عن إهدار أموال الدولة والأموال التى تضيع على ما يسمى المشروعات القومية غير ذات الجدوى الاقتصادية. وشدد على ضرورة زيادة البرامج الاجتماعية التي تعالج الآثار السلبية لبرنامج ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي لدعم الفقراء ومساندة محدودي الدخل. ميزان العدالة وأكد الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التضامن الاجتماعي الأسبق أن أعداد الفقراء تضاعفت واتسعت الفوارق بين فئات الشعب، محذرا من أنه إذا لم نتدارك كارثة الغلاء ونفتح المجال السياسي ستستمر المعاناة. وقال عبد الخالق فى تصريحات صحفية : لقد تحملت فئات عريضة من المجتمع ضغوطا متزايدة، نتيجة ما يسمى الإصلاح الاقتصادى ومفعول جائحة كورونا. ثم جاءت قرارات تخفيض وزن الرغيف ومضاعفة رسوم الدراسة وغرامات مخالفات البناء لتضيف أعباء جديدة على كاهل الناس، مشددا على ضرورة أن نتحاشى اللحظة التى ينفد فيها صبر الفقراء وينتهى صمتهم. مشيرا الى أن ميزان العدالة الإجتماعية مال ميلا شديدا وتضاعفت أعداد الفقراء واتسعت الفوارق بين فئات الشعب. وأصبحت ميزانية دولة العسكر موظفة لصالح الأغنياء وعلى حساب الفقراء ومتوسطى الحال. فمثلا في موازنة 2020/2021 نجد أن البند الأول في المصروفات هو التزامات فوائد الدين العام (566 مليار جنيه بنسبة تبلغ رُبْع المصرفات) وليس الأجور أو الدعم (335 مليارات و 326 مليارات جنيه على التوالي). واضاف عبد الخالق: إذا أضفنا استحقاقات أقساط الدين (556 مليارات جنيه) نجد أن حوالى نصف الموازنة العامة يذهب لخدمة الدين العام. فما الذى يبقى للخدمات الاجتماعية التي هي أساس قوة الدولة مثل التعليم والصحة؟. وتابع: هناك إحساس حقيقى متزايد بأن سقف الحقوق والحريات العامة قد انخفض كثيرا ويحتاج إلى رفع كبير. وما زال الشباب هم الرقم الأصعب فى معادلة الحكم فى مصر. ومن الواضح أننا نحتاج إلى صيغة جدبدة لمعالجة هذا الملف الحساس ولإدماج الشباب فى حياة المجتمع. واعترف عبد الخالق بان الوضع الحالي مؤلم وقاس، وهو غير قابل للاستمرار. الأمر جد خطير. وإذا لم نتدارك كارثة الغلاء وتراكم الأعباء التي تعصف بالفقراء والمعدومين، وما لم يتم فتح المجال السياسى وتعزيز حرية الرأي والتعبير، فسوف تستمر المعاناة. خط الفقر وقالت الدكتورة هبة الليثي، أستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن متوسط خط الفقر المادي للفرد في مصر 736 جنيهاً شهرياً يوازي 8827 جنيها سنوياً وفقاً لأحدث بحث للدخل والإنفاق والاستهلاك صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. وأضافت هبة الليثي فى تصريحات صحفية أن متوسط خط الفقر المدقع للفرد لا يزيد على 491 جنيهاً شهرياً. مؤكدة، أن نسبة الفقراء في مصر تتزايد بصفة دائمة فزادت نسبة الفقراء من 16.7 في المئة عام 2000 إلى 32.5 في المئة عام 2018. وأشارت إلى أن النسبة ارتفعت إلى قرب ال35 في المائة الآن. وحول دور دولة العسكر في دعم الفئات الأكثر احتياجاً، قالت إِنها توسعت في دعم الفقراء أخيراً، لكن تعاني المساعدات الاجتماعية المقدمة من نقص في تغطية الأكثر احتياجا. وأوضحت هبة الليثي أن 20 في المائة فقط من الأسر الفقيرة التي لديها أطفال تتلقى مساعدات من برنامج "تكافل"، فضلاً عن أن 3.5 في المائة فقط من المسنين الفقراء أو المعاقين يتلقون مساعدات من برنامج "كرامة"/ مشيرة إلى أن 73 في المائة ممن يتلقون مساعدات تكافل من الأسر الفقيرة فعلياً، وهذا يعني أن 27 في المائة من المساعدات تتسرب إلى غير الفقراء، بجانب أن 66 في المائة يتلقون مساعدات برنامج كرامة من الفقراء المسنين والمعاقين فعلياً، وهذا يعني أن 34 في المائة من هذه المساعدات تذهب إلى غير الفقراء أيضًا. وأكدت هبة الليثي أن ثلث المصريين لا يستطيعون توفير احتياجاتهم الأساسية كالطعام والشراب والأدوية، موضحة أن الفقراء يتركزون في محافظات الصعيد حيث يشكلون 40% من إجمالي الفقراء. وكشفت أن هناك أسبابا عدة لارتفاع معدلات الفقر، منها انعدام الشفافية والمساءلة والتفاوت الكبير في مستويات المعيشة بين المناطق المختلفة، وتراجع الاستهلاك الحقيقي، وانخفاض الإنفاق العام على التعليم والصحة، وارتفاع تكلفة المعيشة، مع عدم القدرة على خلق فرص عمل، واللجوء إلى العمل غير اللائق، فضلا عن انخفاض المساعدات النقدية. قنابل موقوتة وقالت الدكتورة عالية المهدي العميدة السابقة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إن دولة العسكر تواجه مشكلة اقتصادية تتمثل في عجز الموازنة العامة، وعجز في ميزان المدفوعات، وتأرجح سعر صرف العملة وهذا دفعها إلى اتخاذ حزمة من الإجراءات أدت إلى ارتفاع الأسعار، منها تحرير سعر الصرف وسعر الفائدة ورفع الدعم على الوقود والكهرباء. وأكدت أن إجراءات حكومة الانقلاب كان مفترضا أن تعمل على خفض التضخم، لكن ما حدث هو قفز التضخم إلى معدلات مرتفعة، مبدية استغرابها من الأرقام المعلنة عن انخفاض نسب البطالة، في الوقت الذي تنكمش فيه قوة العمل ولا ترتفع فيه أعداد المشتغلين، وحذرت عالية المهدي فى تصريحات صحفية من ارتفاع نسب الفقر في المحافظات الحضرية مثل القاهرة والوجه البحري، موضحة أن الغضب يرتفع في مثل هذه المناطق ومن ثم تقوم فيها الثورات لأنها أكثر تعليما، واصفة إياها بالقنابل الموقوتة. وتابعت: قبل ثورة 25 يناير كنا نحذر من ارتفاع نسبة عدم الرضا في المحافظات الحضرية، واقترحت عالية المهدي خطة اقتصادية لمواجهة ارتفاع الفقر تتضمن تشجيع الاستثمار، وأن تكون هناك سياسات لتنفيذ مشروعات في القطاعات التعليمية والزراعية والصناعية، إلى جانب الاهتمام بالمشاريع متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. وأكدت ضرورة الاهتمام بتطوير التعليم بحيث يكون مجانيا بشكل كامل، ووضع منظومة للتأمين الصحي الكامل، موضحة أن التعليم والصحة يستنزفان من ميزانية الأسرة المصرية الكثير.