للعام السادس على التوالي خلت تهنئة قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي من وصف الكيان الصهيوني بالعدوة في حديثه عن حرب أكتوبر 1973م، على العكس من ذلك حرص بنيامين نتنياهو على وصف مصر وسوريا بالأعداء في تعليقه على ذكرى حرب "يوم الغفران" كما يطلق عليه في الكيان الصهيوني. وكتب السسي على صفحاته في مواقع التواصل الاجتماعي، تويتر وفيسبوك، الثلاثاء 6 أكتوبر2020، رسالة إلى من وصفهم بشهداء وأبطال الجيش المصري، بمناسبة ذكرى انتصار السادس من أكتوبر: "في ذكرى نصر أكتوبر العظيم، أتوجه بتحية إجلال واعتزاز لشهداء وأبطال القوات المسلحة على ما تركوه لنا من وطن حر تحت السيادة الوطنية.. لا يقبل خضوعاً ولا مهانة". كما أضاف السيسي أنه ينتهز هذه المناسبة التاريخية العظيمة، ليؤكد أن القوات المسلحة ورجالها البواسل، عاقدون العزم على مواصلة المسيرة والحفاظ على الأرض وصون كرامة الشعب الذي يربطه بجيشه الوطني ميثاق وعهد.. وعقد لن ينفرط أبداً. تدوينة السيسي تعرضت لسخرية عارمة مذكرين بالتفريط في جزيرتي "تيران وصنافير" وهو ما يمنح الكيان الصهيوني حرية الملاحة البحرية في البحر الأحمر بعد أن ممر تيران "ممرا محليا مصريا خالصا" وبالتنازل عن الجزيرتين فإن أكبر مستفيد هو الكيان الصهيوني. من جانب آخر، أن السيسي نفسه هو أكبر برهان على الانتصار الساحق لالكيان الصهيوني؛ فهو شديد الولاء للصهاينة وأمريكا حتى لو على حساب الأمن القومي المصري كما يتضح من التنازل عن تيران وصنافير والانقلاب على الديمقراطية في مصر وتكرس حكم عسكري استبدادي لإضعاف مصر وشعبها. فالجيش يعطي لديمومة علاقاته مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والاحتلال الصهيوني أولوية مطلقة على تأسيس علاقة ثقة متبادلة وقوية مع الشعب المصري، حتى بات كبار القادة بالمؤسسة العسكرية يرون في تطوير العلاقة مع الكيان الصهيوني وتعزيز التحالف معها في جميع الملفات السياسية والاقتصادية، وحماية المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة بات من ثوابت الأمن القومي المصري. من ثم فإن تصورات السيسي وغيره من كبار الجنرالات تقوم على اعتبار أن أي تحولات سياسية أو اجتماعية تحدث في مصر تفضي إلى زعزعة هذه العلاقة، أو تضعفها ؛ هي في حد ذاتها تمثل تهديدا للأمن القومي المصري؛ وعليه فإن السيسي وكبار الجنرالات تعاملوا مع ثورة يناير وإقامة نظام ديمقراطي في مصر باعتباره مسارا شاذا يهدد الأمن القومي المصري؛ بمقدار ما يهدد العلاقة مع الكيان الصهيوني وأمريكا. هذا التطابق في الرؤى والتصورات بين كبار قادة الجيش في مصر مع رؤى وتصورات الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدةالأمريكية، إنما يمثل انعكاسا لمدى الاختراق الأمريكي الصهيوني للصفوف العليا في الجيش المصري منذ اتفاقية «كامب ديفيد» 1979م، حيث يتلقى الجيش مساعدات عسكرية من وشنطن قدرها "1.3" مليار دولار سنويا، كما يتلقى معظم القادة الكبار في الجيش دورات تدريبة ومحاضرات في الولاياتالمتحدة منذ ثلاثة عقود ليس فقط للتعرف على أفكارهم وتوجهاتهم بل لتشكيل عقليتهم بما يضمن حماية المصالح الأمريكية في مصر والمنطقة؛ وهو ما أسفر عن هذا الاختراق الواسع؛ فقد أدركت واشنطن أن السيطرة على الجيش تساوى السيطرة على مصر؛ وبالتالي فإن حماية المصالح الأمريكية في مصر تتم بشكل مباشر من خلال التحالف الوثيق مع الجيش وهي العلاقة التي لا يمكن معها استبعاد تجنيد أمريكا لقادة كبار بالجيش لحساب أجندتها التي ترى في حماية الكيان الصهيوني أساس وبوصلة السياسات الأمريكية في مصر والمنطقة. وعليه يمكن تفسير أسباب ثبات المساعدات الأمريكية للجيش منذ اتفاقية كامب ديفيد بيما تم تخفيض المساعدات المدنية المقدمة للشعب من 800 مليون دولار إلى 250 فقط وهناك مقترح بالكونجرس لخفضها 50 مليون دولار أخرى. في المقابل، قال رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن "حرب يوم الغفران 1973″، وفق ما ذكرته صفحة "الكيان الصهيوني بالعربي" التابعة لوزارة الخارجية الصهيونية: ״رغم الموقف الضعيف في بداية الحرب، قلبنا الموازين رأساً على عقب وحققنا النصر. في غضون ثلاثة أسابيع بعد الهجوم المفاجئ الذي شنه (الأعداء) الذي كان من الأصعب في التاريخ العسكري، وقف مقاتلونا على أبواب القاهرة ودمشق". وهناك ملاحظتان: الأولى أن السيسي تجنب الحديث مطلقا عن العدو أو الطرف الثاني الذي تعرض للهزيمة "الكيان الصهيوني". وذلك يعكس حرصه الشديد على التحالف مع الكيان الصهيوني رغم أنه كان العدو وسيبقى هو العدو لمصر والأمتين العربية والإسلامية. بينما كان نتنياهو صريحا وشفافا مع شعبه في وصفه لمصر وسوريا بالأعداء. ما يعكس وضوح رؤيةب بشكل كبير ومركز دون تشوش أو تزييف. الثانية، أن السيسي يتحدث بشكل عام فيه نبرة دعاية وتوظيف للتزييف الإعلامي بالحديث عن نصر دون إشارة إلى أبعاد هذا النصر ومداه ومآلاته. لكن نتنياهو يعتمد على حقائق دامغة لتأكيد أن الكيان الصهيوني هي التي انتصرت في الحرب، فهو يعترف أنهم كان في موقف ضعف في بداية الحرب (من 6 إلى 14 أكتوبر) ووصف هذه الفترة بالأصعب في التاريخ العسكري لبلاده. وسرعان ما قلبوا الموازيين رأسا على عقب وحققوا النصر (ثغرة الدفرسوار عبور قوات الاحتلال إلى الضفة الغربية للقناة حصار السويس). وللتدليل على انتصارهم ذكر حقيقة مجردة (وقف مقاتلونا على أبواب القاهرة ودمشق) في إشارة إلى مفاوضات الكيلو "101" طريق القاهرةالسويس. فلم يطلق رصاصة واحدة على أي مواطن صهيوني، ولم تصل أي قوة مصرية أو عربية لأي أرض فلسطينية تحتلها الكيان الصهيوني. ولم يتمكن الجيش المصري سوى من تحرير نحو 15كم فقط بعمق سيناء. بينما كانت قوات شارون تحاصر السويس وتتجه نحو القاهرة لولا مفاوضات وقف إطلاق النار. أما المتحدث باسم جيش الاحتلال، أدرعي" فقد اعتبر اتفاقية كامب ديفيد أكبر برهان على انتصار الكيان الصهيوني في الحرب حيث وضعت حدا للعداء وأجبرت مصر على الاعتراف بالكيان الصهيوني ثم التطبيع وصولا إلى التحالف الوثيق على كافة المستويات. فهل كان شهداء مصر في كافة الحروب يتصورون هذا التفريط وتلك الخيانة؟!