اختلف دور مصر على مدار العقود الماضية تجاه القضية الفلسطينية، المفترض أن تكون قضية العرب المركزية الأولى، فمع السنوات الأولى من حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان لافتا حضور القضية الفلسطينية التي بدأت في التلاشي مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد، حتى خرجت من حسابات الأولويات المصرية خلال السنوات الأخيرة. مصر ونكبة فلسطين الانطلاق من النكبة الفلسطينية يعد نقطة مهمة للتركيز على دور مصر التاريخي تجاه القضية، ومعيار مهم في تقييمه، وما إذا كانت تسير في الطريق الصحيح أو حادت عنه، فحرب 1948 كانت نتيجة مباشرة لقرار الاستعمار البريطاني الانسحاب من فلسطين وإيكال أمرها إلى الأممالمتحدة، التي أصدرت بدورها قرارا يقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين، وعندما تم إعلان القرار الأممي بالتقسيم، كانت مواقف الزعامات العربية وقتها متقدمة عما نشهده حاليًا، حيث رفضت غالبية الزعامات العربية، خطة التقسيم المجحفة في حق الأكثرية الفلسطينية، بعدها اجتمعت الجامعة العربية الناشئة، وأخذت بعض القرارات كان منها إقامة معسكر لتدريب المتطوعين الفلسطينيين في سوريا، وتكوين جيش عربي. وفي بدايات الأزمة الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، ورغم أن وقتها كانت البلاد العربية مستقلة حديثا، أو لا تزال تحت بعض أشكال النفوذ الاستعماري، والجيوش العربية كانت قليلة التدريب والخبرة، وعدم خوضها حربًا حقيقية قبل ذلك، إلا أن روح العداء للكيان السرطاني كانت موجودة على الأقل، فعندما بدأت الحرب، أخذت الجيوش العربية في التقدم، وكان الجيش المصري في طليعتها ووصل لمنطقة بيت لحم، لكن ما لبثت الأنظمة العربية أن قبلت الهدنة ووقف القتال، واستقبل الصهاينة في الهدنة الكثير من الدعم من الدول الغربية، ما مكنه من قلب مجريات الأمور لصالحه. مصر ونكسة 1967 رغم النكسة التي منيت بها الجيوش العربية في حرب 5 يونيو 1967 أمام العدو الصهيوني في عهد الرئيس المصري جمال عبد الناصر، إلا أنها كانت ترمز بطريقة أو بأخرى إلى إشارة صحية في تعاطي الدول العربية مع دولة الاحتلال، فأساس الحرب أن مصر وسوريا كانت تتخذ خطوات تصعيدية ضد إسرائيل، ففي 14 مايو ولمناسبة الذكرى 19 لدولة الاحتلال، أجرى الجيش الصهيوني عرضا عسكريا في القدس خلافا للمواثيق الدولية التي تقر أن القدس منطقة منزوعة السلاح، فقامت وقتها مصر وسوريا بإعادة إقرار اتفاقية الدفاع المشتركة بين البلدين، وقال عبد الناصر إنه في حال كررت إسرائيل عملية طبرية، فإنها سترى أن الاتفاق ليس إلا "قصاصة ورق لاغية"، عمومًا كان هناك توترا في العلاقات بين الكيان الصهيوني ودول الطوق خاصة مصر وسوريا، وفي يوم 22 مايو، أعلن عن تصعيد جديد، بإغلاق مصر لمضيق تيران قبالة خليج العقبة أمام السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي والسفن التي تحمل معدات حربية لإسرائيل، الأمر الذي كان السبب الرئيسي في اندلاع حرب 1967. ورغم الخسارة إلا أن مصر مازالت محتفظة بروح التحدي والعداء للكيان الصهيوني، التي ظهرت جلية في حرب 1973، واتسمت مرحلة جمال عبد الناصر بدعم واضح المعالم للقضية الفلسطينية، حيث عقد مؤتمر القمة العربي الأول لما بدأ الكيان الصهيوني بتحويل مياه مجرى نهر الأردن، وكان له دور في إنشاء الصندوق القومي الفلسطيني الذي كان يهدف إلى تمويل منظمة التحرير الفلسطينية، كما لعب دورا إيجابيا في إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية. كامب ديفيد تعد اتفاقية كامب ديفيد الموقعة في 17 سبتمبر 1978، بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء حكومة الاحتلال، مناحم بيجين، نقطة فارقة في تاريخ الصراع بين مصر والكيان الصهيوني، حيث أسقطت الدور التاريخي لمصر تجاه قضيتها المركزية "فلسطين" وأصابته في مقتل، وبدأت بتحويل مصر من المسار المقاوم لمسار التطبيع والتنازلات؛ بتحييد مصر القوة البشرية والعسكرية العربية الأقوى عن القضية الفلسطينية، وتركيز السادات على استرجاع المشروط لسيناء على حساب القضية الفلسطينية، كما أن الاتفاقية تعد تفريطا واضحا في منجزات النصر العسكري العربي في حرب أكتوبر، والأسوأ، أن الاتفاقية مهدت الطريق لأن يكون التعامل مع الكيان الصهيوني كما لو أنه لم يلطخ يداه بدماء آلاف الجنود المصريين والعرب، ولا يشكل تهديدًا استراتيجيا على مصر. مبارك والكيان الصهيوني إذا كان أنور السادات أتمّ صفقة الاستسلام مع الكيان الصهيوني، فإن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، نفذ الصفقة معها على أكمل وجه، حيث صعد نجم حسني مبارك بالنيابة عن أمريكا وإسرائيل في معظم المواقف الوطنية والقومية، فعلى الصعيد القومي، كان يُعطّل القمم العربيّة عندما تقتضي مصلحة الكيان الصهيوني ذلك، حيث تصدرت جملته الشهيرة «حرب مش عايزيين نحارب» في أي مشهد تصعيدي مع تل أبيب، وفي حرب تموز في لبنان "يوليو"، وصف حزب الله بالمغامر، كما ساهم في حصار غزة، وعلى الصعيد المحلي، أبرم مجموعة من الاتفاقيات الاقتصادية مع العدو الإسرائيلي، كاتفاقية الكويز، كما صدر الغاز المصري لتل أبيب بأبخس الأثمان. مصر بعد 25 يناير و30 يونيو يبدو أن الثورات التي اندلعت لم تستطع النهوض بدور مصر تجاه القضية الفلسطينية، فبعد ثورة مصر في 25 يناير 2011، استلم الإخوان المسلمين زمام الحكم، إلا أن توجهاتهم المفترض أن تكون معادية للكيان الصهيوني شابها الكثير من التناقض، فجمعتهم علاقات طيبة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال الزيارات المتبادلة التي جمعت أطراف من الإخوان مع السفيرة الأمريكية آن باترسون في القاهرة، كما أن زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية سابقًا هيلاري كلينتون للقاء الرئيس المعزول محمد مرسي لمصر كانت تهدف إلى طمأنة الجانب الإسرائيلي بالتزام مصر تحت قيادة مرسي، بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل. ثورة 30 يونيو أيضًا فشلت في تحديد مسارات معادية للكيان الصهيوني، بل قضت على إنجاز ثورة 25 يناير الوحيد والمتعلق بإغلاق السفارة الإسرائيلية في القاهرة، حيث أعلنت الخارجية المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي إعادة فتح السفارة الإسرائيلية في القاهرة، كما أن واقع حصار غزة مازال مستمرا. التنازل عن تيران وصنافير ويأتي تنازل السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، في إطار التنازل المصري المستمر عن القضية الفلسطينية، فالجزيرة تعد سلاحا فتاكا من خلال موقعها الاستراتيجي على خليج العقبة ضد العدو الإسرائيلي، والتنازل عنها يعني تنازل مصر عن ورقة قوية في أي حرب متوقعة مع العدو الإسرائيلي، ناهيك عن فقد مصر لأوراق ضغط مهمة على الكيان الصهيوني خاصة أنها تسوق لمبادرة بحل الدولتين بين فلسطين ودولة الاحتلال، وفي ظل النظام القائم زادت مجالات التطبيع لتطال السياسية والاقتصاد والثقافة وحتى الرياضة، وكثيرًا ما تصرح أطراف صهيونية بهذا التقارب.